تحقيق / سعاد طاهر & محمد عمر
أجواء حزينة ولحظات قاسية وعيون شاخصة تنتظر وصول فرق الإنقاذ التي لم تجد ممرًّا تعبر منه للوصول إلى القرى المنكوبة من جراء الأمطار والسيول في مديرية ملحان- محافظة المحويت (شمال
صنعاء)، التي راح ضحيتها أكثر من 35 شخصًا، بحسب الجهات الصحية في المنطقة.
أصوات تئن، الناس يبكون ويصرخون من شدة المصاب الجلل الذي حل بهم، فلم يجدوا أحدًا يهرع إليهم في ظلمات الليل، فقد اختطفت الأرواح وتقطعت الخطوط وانفجرت الحواجز المائية وتهدّمت المنازل وجرفت السيول الممتلكات، فلم يجد الناس غير رفع أكف الدعاء مِن على قمم مديرية ملحان، وتحديدًا عزلتي همدان والقبلة؛ اللتين تعيشان نكبة حقيقية.
تشير أحدث بيانات إحصائية للكارثة إلى تضرر نحو 1300 أسرة، وتدمير 28 منزلًا بالكامل، ونزوح 300 أسرة، إضافة إلى أكثر من 216 رأسًا من الماشية والأبقار في عزلة همدان، في حين دمرت السيول الطريق الرئيسية بمسافة تقدر بأكثر من 18 كيلومترًا مربعًا.
تعتبر مديرية ملحان منكوبة بالكامل، مع بروز مخاوف واسعة من السدود التي لا تزال معلقة على رؤوس الناس في القرى، وهو ما يتطلب تحركًا سريعًا من السلطة المحلية، لإزالة وتفريغ الخزانات من المياه، إذ ستكون الأضرار وخيمة في حال لم يتم التدخل العاجل من الإدارة المحلية، واتخاذ القرار الحاسم ضد الأشخاص الذين لا يقومون بتفريغ خزاناتهم تحسبًا لأي طارئ.
كما كانت البيانات في إحصائية أولية أشار إلى نحو 33 حالة وفاة، وأكثر من 500 انهيار لمدرجات المواطنين الزراعية، وانقطاع كامل وشامل لكافة الطرق المؤدية إلى المناطق المنكوبة، وعلى مدى ساعات طويلة لم تتمكن فرق الإسعاف ولجنة الطوارئ من الوصول إلى القرى والعزل المتضررة.
قرى معزولة
قرية العبر هي المنطقة الثانية من حيث الضرر، فقد جرفت السيول كل مداخلها، وهدمت بعض المنازل وأصبح الكثير منها معلقًا وعلى وشك الانهيار في أي لحظة حال حدوث أمطار جديدة على المنطقة.
أهالي القرية وجّهوا نداءات استغاثة منذ حدوث الكارثة، ولم تصل إليهم فرق إنقاذ، حيث يقول علي حسين، أحد أبنائها، لـ"خيوط": "لا نستطيع العبور بأقدامنا والخروج من القرية، فلا إغاثة ولا شيء من هذا القبيل، وكل ما يقال من أن هناك لجان إنقاذ وصلت المنطقة، كلها عبارة عن دعاية لا وجود لها في أرض الواقع".
ويؤكّد أنّ كلّ اللجان التي وصلت لم تدخل القرية، فهي، في الحقيقة، في منطقة الولجة التابعة لعزلة "المعازبة"، وتعمل على نشر الصور التي ترسل لهم من الأهالي، ويتم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي بأنهم وصلوا المنطقة.
يضيف قائلًا: "استقدموا جرافة متهالكة تعمل على فتح الخط من أسفل العزلة، تاركين المتضررين في الأعلى معزولين عن العالم يعانون الجوع والخوف، لا دواء، لا غذاء، ربع كيلو دقيق لا يصل إلينا، القرية محاصرة منكوبة، والدكاكين بدون مواد".
من جانبه، يتحدث عبدالرقيب يوسف عبدالله، أحد النازحين من منطقة العبر بسبب الأمطار وكثرة الكوارث، لـ"خيوط"، بالقول: "سبب نزوحنا هو الانهيارات الأرضية، وهذا أمر الله، ونناشد الجهات المعنية وأصحاب السلطة للنظر بمصابنا. المنطقة انتهت تمامًا، لم تعُد صالحة للعيش. المنطقة بأكملها منطقة منكوبة".
فاجعة مؤلمة
"بناتي وابني وأمي وأبناء أخي جميعهم أخذهم السيل إلى البعيد"؛ بهذه الكلمات بدأ عبدالفتاح شايع حديثه لـ"خيوط"، عن النكبة التي حلت بأسرته وقريته يوم 26 أغسطس/ آب 2024، جراء هطول الأمطار على عزلة همدان التابعة لمديرية ملحان.
يقول: "فقدت أسرتي المكونة من 18 شخصًا بالكامل في حادثة السيول والانزلاقات وتساقط الصخور من المرتفعات، فقد أصبحت أشعر بالوجع والألم والفراق، ولم أعد أستطيع تحمل مشقة الحياة التي حلّت بنا في غمضة عين".
موضحًا: "بدأت الأمطار من المغرب واستمرت في الهطول عدة ساعات على قرى همدان، ومنها قريتنا بني شايع الواقعة في رأس العزلة، التي تتكئ على جبل محواه الذي تأتي منه السيول وتتساقط منه الصخور كلما حدثت أمطار دون أي أضرار كبيرة، لكن هذه المرة وقع الفأس في الرأس وجاء أمر الله الذي أخذ منا أغلى ما نملك؛ جاء الوادي من رأس جبل مخبان عبر "محواه" و"رومه"، فجرف المنازل وخلّف أضرارًا كثيرة في الممتلكات".
يختم حديثه بالقول: "لقد جرف الوادي أخي عبدالعظيم محمد صغير وزوجته نعمة علي صغير وأولاده عمار وماهر ويونس وغالية وأمير ونعمة، وأصبحوا ضمن الوفيات. بعض الأشخاص لم نجدهم، بل وجدنا أجزاءً من أجسامهم منثورة على جنبات الوادي وبين الصخور في مناطق بعيدة أسفل عزلة همدان".
بدوره، يشرح حسن المذاب، أحد المواطنين المتضررين من السيول والانزلاقات في قرية المذاب- عزلة همدان، قائلًا: "الطريق الرابطة بين القرى جرفته السيول، ونحن الآن محاصرون من كل الاتجاهات؛ ففي المذاب انفجرت خمسة سدود متوسطة، فيما سقطت منازل عدة على ساكنيها، حيث جاءت الانهيارات والانزلاقات من قرية الظهاري، وأخذت في طريقها الأخضر واليابس، وقلبت عالي القرية سافلها، بما فيها المدرجات الزراعية".
ويصف المذاب الكارثة التي حلت بهم بالقول: "نحن في القرية لم نشهد ولم نسمع عن حدوث مثل هذه الكارثة في همدان من عشرات السنين. إنّها فاجعة كبيرة ومؤلمة، والصور تبين مدى حجم الضرر الكبير الذي نعيشه، نعاني صعوبة في إحصاء الوفيات والدمار الحاصل؛ لأنّ المنطقة متناثر وبعيدة، وعلى مدار اليومين ونحن نحاول الوصول إلى بعض القرى، وقد تم تكليف أشخاص متطوعين من أبناء المنطقة للمساعدة في الإحصاء، حيث نحن محاصرون حرفيًّا، حتى الدابة لا تجد لها مكانًا للعبور من الطريق".
وعن الغذاء والوضع المعيشي، يقول المذاب: "الأهالي يذهبون إلى التسوق من الخميس للخميس، كما جرت العادة، ولكن نحن الآن محاصرون ونعاني من نقصٍ في المواد الغذائية والطعام وبحاجة لتقديم المساعدة من كل من يهمه الأمر، سواء الجهات الرسمية والمسؤولون أو أصحاب الخير والمنظمات الإنسانية، وكل من يحمل في قلبه ذرة من رحمة".
هول فاجعة المناخ
عزلة "المعازبة" الأخرى لم تسلم من كارثة السيول التي حلت بالمنطقة، فقد تسببت في قطع طريق الأسفلت الذي يغذي خمس عزل في ملحان، وهي: عزلة "بني مليك"، و"همدان"، و"العصافرة"، و"بني علي"، و"باحش"؛ ممّا سبّب معاناة كبيرة للمواطنين، حيث يعتبر المنفذ الوحيد لدخول البضائع والمواد الغذائية التي يقوم بشرائها المواطنون عبر التسوق في أسواق مديرية باجل التابعة لمحافظة الحديدة ومنطقة الكدن.
كما يوجد في المنطقة سوق الولجة، وهو أحد الأسواق الشعبية، يقصده المواطنون من قرى وعزلة مديرية ملحان، مرتين في الأسبوع، وهما الأحد والأربعاء، ويأتي إليه الباعة من أنحاء تهامة، يعرضون بضائعهم، وفي المقابل يعرض أهالي ملحان منتجاتهم من الموز والقات والحطب والبن، إضافة إلى قسم مخصص لبيع الأسماك وآخر لبيع الأغنام، وكل ذلك جُرِف بواسطة السيل الذي دخل السوق بعد أن جرف العبارات في منطقة بطاش، وبعض مزارع الدجاج، وتسبب بأضرار في الممتلكات، ومنها جرفُ أربعة دكاكين لبيع المواد الغذائية والإلكترونيات، وعددًا من سيارات المواطنين داخل السوق.
الدكتور جلال المتين، الذي يملك عيادة خاصة للطب البيطري في السوق، يتحدث لـ"خيوط"، عن الأضرار التي أصابت سوق "الولجة"، قائلًا: "لقد أخذ الوادي دكاكين كلٍّ من: هائل الشاذلي، ويحيى حريش، ومحمد السياني، والشرزي، كانت تحوي تلفونات وإلكترونيات وموادًّا غذائية وسلاحًا وخضروات، وتقدر تكلفة الخسائر بنحو 30 مليون ريال يمني.
بعد تواصلنا مع حمدي عبدالله، شيخ عزلة همدان بمديرية ملحان، اتضح أنه لم يصل أيّ فريق للدفاع المدني أو فرق أخرى لتقديم الدعم والإغاثة، فالطريق مقطوع تمامًا والوضع كارثي في همدان، لكنه أفاد "خيوط" بالقول: "إذا كان هناك طائرة هليكوبتر فاحتمالية الوصول إلى المنطقة غير مستحيلة، لكن لم يصلنا شيء غير اتصالات من منطقة المدن لتسجيل بيانات النازحين والمتضررين فقط".
أحد المواطنين من القرى المتضررة في عزلة همدان بسبب "الانزلاق"، نزح إلى مدرسة النهضة في قرية الظهاري، تحدث لـ"خيوط" عن الأضرار: "ذهبت البيوت، الأموال، المواشي. البيوت معلقة في الجو، الحواجز انفجرت والطريق أصبح أكثر وعورة إلى درجة أنّ كل شخص يجر الآخر، وحين خرجنا من المحل (القرية) عُدمت المواصلات، والحياة لدينا صعبة جدًّا، نناشد الدولة والناس الخيرين".
أما محمد صغير شايع الذي ذهب منزله مع سقوط الصخور والانزلاق في قرية "العبر" وبني شايع وأحد الناجين برفقة ولديه، فقد وجد صعوبة في التعبير عن الفاجعة: "حسبي الله ونعم الوكيل. أناشد كلًّا من السلطة المحلية، والدولة، أناشد الجميع للحضور ومشاهدة ما حل بنا. الوفيات وصل عددها إلى أكثر من 16 حالة وفاة، وانتشلنا أربعة أطفال من تحت الأرض، والبقية ذهبوا مع الانزلاق، ولم نعثر عليهم ألبتة. لم يعد هناك زوجة، بنت، بيت، ولا علم ولا خبر، الحمد لله على ما أصابنا".
يضيف ولده الناجي من الانزلاق الذي أصاب قرية العبر بني شايع: "عدنا لبيوتنا آمنين، وخرجنا منه بدون شيء لنرتديه، حتى الطعام لم نستطع الحصول عليه، نزحنا هنا في "الظهاري"، وفرّوا لنا ملابس، وقدّموا لنا المساعدة، أصبحنا بدون منازل ونقود، حتى الأسرة، ذهبت، لم يبقَ لنا شيء. و22 شخصًا في الأسرة، لم يبقَ منهم سوى (نفرين) اثنين؛ في حين ذهب 16 شخصًا مع السيل، وأربعة أطفال عثر عليهم تحت الأنقاض".
في المادة (33) من الدستور اليمني، تكفل الدولة بالتضامن مع المجتمع تحمُّل الأعباء الناجمة عن الكوارث الطبيعية والمحن العامة، كما تؤكد المادة (35) من الدستور اليمني أنّ حمايةَ البيئة مسؤولية الدول والمجتمع، وهي واجب ديني ووطني على كل مواطن.
منازل منهارة ومفقودون
في السياق، يجد فريق الإنقاذ والاستجابة السريعة بجمعية الهلال الأحمر اليمني- فرع المحويت، ظروفًا قاسية للإنقاذ والاستجابة السريعة، بجانب المواطنين والفرق الأمنية منذ مساء الثلاثاء 27 أغسطس/ آب، عندما وقعت كارثة السيول والأمطار بمديرية ملحان، وفقًا لأمين عام جمعية الهلال الأحمر بالمحافظة، الدكتور سعد الحفاشي، لـ"خيوط".
فهذه الحادثة هي الثالثة من نوعها التي تشهدها المحافظة خلال خمسة أعوام، حيث كانت الأولى في مديرية ملحان ذاتها في أغسطس/ آب من عام 2019، ونتج عنها وفاة 12 شخصًا من أسرة واحدة، والثانية في نفس هذا الموسم في منطقة حفاش، ونتج عنها وفاة ستة أشخاص، وما نشهده اليوم من كارثة، هي الثالثة".
دمار واسع في مختلف المناطق المنكوبة، ففي إحدى القرى عمل الأهالي في تجسيد صادم لحجم الكارثة، على حمل كبار السن على النعوش، في وسيلة وحيدة لنقلهم بعد انقطاع الطرق وجرفها صوب مديرية الخبت، هربًا من الانهيارات والانزلاقات التي تحدث في القرية، بينما السكان يؤكّدون عدم وجود أيّ دور حكومي ملموس للآن مع انقطاع عزلهم عن الخدمات.
بحسب التقرير الأولي لجمعية الهلال الأحمر، فإنّ ضحايا كارثة السيول والانهيارات الناتجة عن استمرار هطول الأمطار وانفجار اثنين من السدود المائية على مناطق حورة، عزلة القبلة وعزلة همدان والمغاربة بمديرية ملحان (غرب مدينة المحويت بنحو 105كم)، يتجاوز عددهم 39 شخصًا، أغلبهم ما زالوا في عداد المفقودين، حيث جرفتهم السيول إلى مناطق بعيدة.
فيما قدر مصدر محلي بالمحافظة، عددَ المنازل السكنية المتضررة والمنهارة بأكثر من 200 منزل سكني، إضافة إلى انقطاع كلي لطرقات السير، وخصوصًا في مناطق عزلة همدان التي لا تزال شبه معزولة عن العالم؛ بسبب تساقطات الصخور والأتربة عليها.
وعبّر الفريق الميداني للهلال الأحمر اليمني، عن أسفهم وحزنهم العميق لمثل هذه الكوارث المؤسفة، التي بعضها نتج عن عدم الاهتمام باحتياطات الأمن والسلامة، ووجود برك وحواجز مائية في أماكن غير آمنة، امتلأت بمياه سيول الأمطار؛ ما أدّى إلى انهيار عدد منها، مكونة سيولًا جارفة انهمرت إلى الأسفل، محدثة انهيارات وانجرافات شديدة في الممتلكات والمدرجات الجبلية والزروع المختلفة، وجرفت منازل سكنية.
يشرح ماجد داغس من أبناء عزلة "القبلة"، حجم الضرر الناتج عن غزارة الأمطار في العزلة: "من المناطق المتضررة وادي "حمي" وهو جزء من قرية القبلة، تليه قرية الشرفي و"مقري" وحورة وجهش وجميع القرى إلى الآن غائبة عن التواصل والمواصلات فيما بينها".
كما أنّ هناك سكانًا نزحوا إلى مديرية الخبت القريبة من ملحان. أما بالنسبة لأغلب القرى فلا يوجد تواصل بها، كل شيء انقطع، ولهم ما يقارب الأربعة أو الخمسة الأيام بدون مواد غذائية، والعربات (السيارات) ليس بمقدورها الوصول للقرى. وفيما يخص قرية الشرفي، فهي معلقة ومحاصرة من جميع الاتجاهات، فهناك ثلاث سيارات حاولت الوصول، لكنها انجرفت مع السيول، والأضرار تتفاقم من الجريش وصولًا إلى وادي حمي.
يتابع داغس: "بيوت تهدّمت، والطرقات كذلك، والتواصل انعدم، ففي قرية الشرفي على وجه التحديد، جميع الخطوط انقطعت عنها، ولو مشيًا على الأقدام. وفيما يخص أصحاب الوادي، فعاشوا الرعب ذاته"، حيث يؤكّد أنّ الأهالي قضوا ثلاثة أو أربعة أيام في حالة هلع وخوف؛ ممّا أدّى إلى نزوحهم إلى جهة الخبت، أقرب منطقة للأهالي.
بخصوص الدور الحكومي، يؤكّد داغس عدم وجود شيء ملموس إلى الآن؛ بسبب البعد وانقطاع عزلتهم عن الخدمات.
الوضع في المناطق المنكوبة
يشير المسؤول عن مكتب الصحة في مديرية ملحان، فارس الروضة، لـ"خيوط"، إلى أنّ الأمطار كانت متواصلة وغزيرة، مضيفًا: "من حوالي خمسة أيام، وصلنا بلاغ من منطقة "القبلة" في حدود الساعة السادسة والنصف وقت المغرب، بانفجار حاجز مائي وانجراف منزلين؛ بسبب انهيار صخري. تواصلنا بالمعنيين للقيام بالواجب، فكان ضحية الانهيار شخصين وطفلًا أصيب بجروح تم إنقاذه".
يواصل حديثه: "العائق الكبير الذي يواجهنا هو انقطاع الطرق واستمرارية هطول الأمطار طوال اليوم، كما أنّنا فوجئنا باتصال من همدان، بخصوص انفجار حاجز وانهيار ثلاثة منازل. الطرق مقطوعة، وبسبب الطريق وقسوتها لا نستطيع الوصول لانعدام المواصلات، والسير على الأقدام يأخذ خمس إلى ست ساعات؛ لذا لا نصل في الوقت المناسب، خاصة أنّ الكوارث تحصل بالتوقيت ذاته في عدة قرى. وإلى الآن، تشير الإحصائيات إلى وجود 20 حالة وفاة وفقد في همدان، مع انتشال أربع جثث من تحت الأنقاض؛ أما كارثة بني حريش في القرامة والمدوار فراح ضحيتها ما يقارب 11 شخصًا، وبالنسبة لمنطقة القبلة فسجلت إلى الآن 13 حالة وفاة".
مديرية منكوبة بالكامل
المناطق منهارة والعبارات مقطوعة، وفقًا للروضة، مضيفًا: "قمنا بالتنقل في المنطقة التي حصل فيها الانهيار (منطقة بني شايع)، وإخراج السكان وإيوائهم في منطقة "الظهارين"، حيث هناك حاجة ماسة لمواد إغاثية وغذائية".
وفقًا لإحصائية أولية كذلك، لحجم الأضرار في أبرز منطقة مدمرة: "هناك تدمير واسع للأراضي الزراعية، وتدمير حوالي 300 خزان، وتضرر 120 منزلًا، أما الثروة الحيوانية من المواشي (الأبقار والأغنام)، فوصلت إلى نحو 150 رأسًا، في حين لا يوجد مأوى، بحسب تصريح حمدي عبدالله المذاب، شيخ عزلة همدان، لـ"خيوط"، أما الطرق فهي مدمرة تمامًا وتحتاج وقتًا كبيرًا لإصلاحها"، مشيرًا إلى أنّ همدان تدمرت بالكامل.
بالنسبة لمنطقة الولجة، حصل فيها انهيار لأربعة دكاكين؛ بسبب أنّ السيل قطع العبارة ثم وصل إلى منطقة الولجة، وهي سوق فيها دكاكين انهارت بالكامل، إضافة إلى المنازل والعشش، ولم تسجل أيّ خسائر بشرية فيها.
يضيف مسؤول الصحة في ملحان: "في نفس اللحظة من حصول الانهيار، تم إبلاغ الجهات العليا الخاصة بمكتب الصحة والبيئة في المحافظة، وقاموا بتسهيل سيارات الإسعاف للمديرية من الهلال الأحمر وباجل ومن مديرية بني سعد والقرى المجاورة، والجميع على تواجد، لكن عائق الطريق لا يزال مؤثرًا وهم في مداخل العزل الآن".
وما زال البحث جاريًا عن المفقودين، وبعضهم من المؤكّد أنّ السيول جرفتهم؛ لأنّه تم الحصول على بعض أجزاء من جسوم أشخاص في أماكن متفرقة في عزل أخرى على ممرّ السيل القادم من منطقة همدان، وبنفس الوقت هذا ما حدث في القبلة، وتم انتشال قطع وجثث من السيول في منطقة هياط، وهي منطقة ساحلية وممرّ السيل الذي يأتي من القبلة.
كما تعتبر مديرية ملحان منكوبة بالكامل، مع بروز مخاوف واسعة من السدود التي لا تزال معلقة على رؤوس الناس في القرى، وهو ما يتطلب تحركًا سريعًا من السلطة المحلية لإزالة وتفريغ الخزانات من المياه، إذ ستكون الأضرار وخيمة في حال لم يتم التدخل العاجل من الإدارة المحلية واتخاذ القرار الحاسم ضد الأشخاص الذين لا يقومون بتفريغ خزاناتهم تحسبًا لأي طارئ؛ لأنّ مديرية ملحان تقع على رؤوس الجبال والطرق إليها منقطعة تمامًا، حيث تساهم الأودية في انقطاعها.
وبخصوص منطقة حبش عزلة القبلة- مديرية ملحان- محافظة المحويت، فقد جرفت السيول أكثر من ستة دكاكين للمواد الغذائية، وألحقت بالمنطقة أضرارًا عدة؛ منها انقطاع تام لطريق السيارة، ولم تعُد صالحة حتى لمرور البشر، حيث أصبح المواطنون محاصرين داخل البيوت؛ بسبب انقطاع الطرقات وسقوط الصخور من جبال المحراس والمركع والأصابع وشاهر؛ ممّا يعرقل خروجهم لإنقاذ المناطق المتضررة، إذ إنّ القرى مهدّدة بالصخور التي تقع فوق القرى والبيوت من المرتفعات، وفقًا لعبدالعزيز الحبشي، وختم بالقول: "نعاني نفاد المواد الغذائية وصعوبة الحصول عليها؛ لأنّ الطريق الرابط بين القرى هو عبارة عن مجرى سيل وادي حطب، الذي تعبر منه السيارات إلى منطقة سوق الولجة".
وبحسب خليل مزارق لـ"خيوط"، فقد بلغ عدد النازحين من قبلة ملحان إلى مدرسة الخواجر- الخبت، حوالي 120 نسمة، ولا تزال الأعداد في تزايد، وهم بحاجة إلى توفير الاحتياجات اللازمة لهم.
نعوش وسط قلاع عاجزة
عجزت مدينة القلاع والحصون ملحان -من أهم المحميات الطبيعية في المحويت (113 كيلومترًا شمال غرب العاصمة صنعاء)- عن مواجهة التغيرات المناخية التي حلّت بالمدينة في أواخر شهر أغسطس/ آب، وراح ضحيتها العشرات من الأهالي والأراضي الزراعية والثروة الحيوانية. ملحان البلدة المثمرة الخضراء تعاني من نقص خدمات وغياب المرافق الصحية عنها، إضافة إلى صعوبة طرقها وبُعد قراها، مما جعلها منطقة قاسية على سكانها؛ كون المشاريع التنموية والتمويل من الدولة غائبة عنها تمامًا، فعزلة همدان التي تحوي أكثر من 25 قرية، ليس فيها مركز صحي مجهز، ويوجد بها طبيب واحد فقط للعزلة بأكملها.
فالمنطقة لا تعاني من انعدام الخدمات الصحية وحسب، بل والخدمات التعليمية، فأغلب الشباب لم يلتحقوا بالمدرسة، وغيرهم وصلوا إلى الصف التاسع وتوقفت بهم العجلة التعليمية؛ لعدم توفر مراكز التعليم وبعد الطريق، وتعاني ذهبان من ارتفاع في نسبة الأمية مع قريناتها من العزل في ملحان، وهذا بالتأكيد أثّر على المنطقة، وجعلها عرضة للكوارث البيئية.
التقاير الميدانية والإحصاءات الأولية، تشير إلى تهدّم عشرات المنازل بمديرية ملحان في عزلة همدان وعزلة القبلة، ووفاة ما يزيد على 50 مواطنًا، في حين لا يزال مصير العشرات مجهولًا، كما جرفت السيول عددًا من البرك والسدود الصغيرة والمساجد والأسواق والمحلات التجارية، وعددًا من الممتلكات الخاصة، إضافة إلى نفوق المئات من الأبقار والمواشي والثروة الحيوانية.
في قرية بيت الداغس، التابعة لعزلة القبلة، وفي مشهد مخيف وصادم، عمل الأهالي على حمل كبار السن على النعوش، في وسيلة وحيدة لنقلهم بعد انقطاع الطرق وجرفها صوب مديرية الخبت؛ هربًا من الانهيارات والانزلاقات التي تحدث في القرية.
يقول فواز الحصامي لـ"خيوط": "نزح الأهالي من الكارثة في اليومين الماضيين، لا يوجد مطر لكن النزوح والهروب من القرى متواصل"، مضيفًا: "نحن نعيش معاناة ما بعدها معاناة، وليس أمام الناس سوى النزوح إلى منطقة الخبت في "الخواجر"، وهي أقرب المناطق لنا، للنجاة من كارثة محتملة لا قدر الله".
بدورها أصدرت السلطة المحلية بالمحافظة البيان التالي: "في ظل التغيرات المناخية التي تشهدها اليمن والعالم وموجة الأمطار الغزيرة، فإننا في السلطة المحلية بمحافظة المحويت نطلق نداء استغاثة عاجل لإنقاذ المتضررين من كارثة السيول والانهيارات الصخرية التي تتعرض لها مديريات محافظة المحويت عمومًا، ومديرية ملحان خصوصًا، جرفت العشرات من المنازل والمزارع والسدود الصغيرة.
العشرات ما زالوا تحت الركام
التقارير الميدانية والإحصاءات الأولية، تشير إلى تهدم عشرات المنازل بمديرية ملحان في عزلة همدان وعزلة القبلة، ووفاة ما يزيد على 50 مواطنًا، في حين لا يزال مصير العشرات مجهولًا، كما جرفت السيول عددًا من البرك والسدود الصغيرة والمساجد والأسواق والمحلات التجارية، وعددًا من الممتلكات الخاصة، إضافة إلى نفوق المئات من الأبقار والمواشي والثروة الحيوانية.
وحتى اللحظة لا يزال العشرات من المواطنين مطمورين تحت الركام، ولم يستطع الأهالي الوصول إليهم. فيما تقطعت السبل بالكثير من المسافرين، وحوصرت عشرات القرى والعزل جراء انقطاع الطرق الأسفلتية والخط الدولي، فيما باتت مديرية ملحان محاصرة ومنقطعة عن العالم بشكل تام.