في ظل تدهور الأوضاع المعيشية التي عصفت باليمن، اتجهت فئة كبيرة من الشباب والأطفال للأعمال الحرة بحثًا عن لقمة العيش، سواء كانوا من ذوي الشهادات الجامعية أو الثانوية أو أقل من ذلك، متجاهلين بذلك ظروف الأعمال وارتباطها بحقوقهم كعمال.
ويستغل أرباب العمل الحاجة المادية للشباب يبخسون أجورهم، فيرضخ العامل لذلك باذلًا جهدًا عظيمًا لإرضاء رب العمل، ساعيًا بذلك لرفع الأجر، وكذلك لعدم الاستغناء عنه.
شباب يتنقلون من محافظة إلى أخرى، لا مأوى لهم ولا حلم يملكونه سوى توفير لقمة العيش لذويهم، وإن وجدوا العمل فهم لا يجدون سكنًا آمنًا يقيهم شر حرارة الجو أو برودته، فيفترشون طاولات المطاعم أو أرضيات المحلات التجارية، ملقين بأجسادهم المنهكة يومًا تلو آخر وعامًا بعد عام.
محمد السماوي، أجبرته الظروف القاسية الناتجة عن الحرب والصراع الدائر وتوقف رواتب الموظفين المدنيين بعد أن كان موظفًا في إحدى المؤسسات الحكومية، للبحث عن عمل للحصول على ما توفر من دخل لإعالة أسرته المكونة من 5 أفراد.
يقول محمد لـ"خيوط"، إنه بعد بحث طويل وشاق ومضنٍ وجد فرصة عمل في أحد المطاعم بالعاصمة اليمنية صنعاء، كان مجبرًا على الموافقة للعمل بأجر ضئيل وعمل شاق يمتد لساعات طويلة في اليوم وفي مهنة لا تناسبه ولم يتعود عليها على الإطلاق.
يقول جمال ناصر، مستشار قانوني وخبير في أنظمة العمل: "إن العامل اليمني يرزح تحت معاناة لا قبل له بتحملها بسبب الحرب التي ضاعفت الاختلالات القائمة المتعلقة بحقوق العمل وعدم توفير الحماية اللازمة للعامل الذي أصبح عرضة للاستغلال نتيجة الظروف الراهنة مع انتشار فيروس كورونا في مختلف المدن اليمنية الرئيسية"
بدوره، يعاني فواز (17 سنة) -الذي يعمل في كافتيريا خاصة بالوجبات السريعة والعصائر في عدن- الأمرّين في خوض حياة يومية قاسية، إذ يقضي يومه، وَفق حديثه لـ"خيوط"، في بيئة غير صالحة للعمل وغير آمنة؛ نظرًا لأنه يضطر هو وعدد من العمال للنوم على رصيف الشارع؛ لعدم توفر سكن خاص بهم، وأيضًا لعدم القدرة على استئجار مسكن لائق؛ لارتفاع إيجارات المساكن بصورة خيالية في العاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها دوليًّا.
انعدام الحماية
يتجاهل أرباب العمل واجباتهم تجاه العمال وحقوقهم من صون لكراماتهم وحرياتهم في تلقي الأجور الكافية، إذ تنص المادة (7) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على ضمان الحق في أجر يوفر أحوال العيش الكريم للعمال وأسرهم، وفترات العمل المحددة وأوقات الراحة المدفوعة الأجر، إضافة إلى حقهم في ظروف عمل مأمونة وصحية.
يفني العامل حياته مناضلًا لنيل لقمة العيش، متهاونًا بنفسه وحرياته وحقوقه، ومن الفئات الأخرى المعرضة للإساءة والاستغلال وإهدار الحقوق في مجال العمل فئةُ العمال من الأطفال الذين يعملون في ظروف صعبة مليئة بالمخاطر، فالعمال من الأطفال قد يواجهون سن البلوغ مع سيادة الأمية والبطالة، وعلى الرغم من شتى هذه المشكلات فإن عمل الأطفال منتشر على نطاق واسع.
وتقر المادة (32) من اتفاقية حقوق الطفل بأن "من حق الطفل أن يتمتع بالحماية من مزاولة أي عمل يرجح أن يكون خطيرًا أو يمثل إعاقة لتعليم الطفل، أو أن يكون ضارًّا بصحة الطفل أو بنموه العقلي، أو الروحي، أو المعنوي، أو الاجتماعي، وتطلب من الدول وضع القواعد الخاصة بتحديد عمر أدنى للالتحاق بالعمل، ووضع نظام مناسب لساعات العمل وظروفه".
يقول جمال ناصر، مستشار قانوني وخبير في أنظمة العمل: "إن العامل اليمني يرزح تحت معاناة لا قبل له بتحملها منذ ما قبل الحرب، التي ضاعفت الاختلالات القائمة المتعلقة بحقوق العمل وعدم توفير الحماية اللازمة للعامل الذي أصبح عرضة للاستغلال نتيجة الظروف الراهنة التي وسعت بشكل كبير من فئة العمالة غير المنظمة، وهي مشكلة مزمنة تعاني منها اليمن منذ عقود".
لكن رغم ذلك، يشدد ناصر في حديثه لـ"خيوط"، على ضرورة توفير الحماية اللازمة لعمال الأجر اليومي من حيث الأجر المناسب والعمل في بيئة صحية ملائمة، خصوصًا في الوقت مع انتشار فيروس كورونا، وعدم استغلال ظروفهم الصعبة وحاجتهم للعمل بسبب ظروف الحرب الراهنة، التي لا تتوقف آثارها عند حدود الأزمات الإنسانية والاقتصادية والمعيشية، بل في اختلال المنظومة القانونية والتشريعية المنظمة لسوق العمل والمرتبطة بمختلف قطاعات الأعمال المختلفة المنظمة وغير المنظمة.
خيارات ضيقة
تتفاقم معاناة الفئات المختلفة من المجتمع، وتفقد حقوقها وحرياتها، في ظل الأوضاع المأساوية التي تمر بها البلاد، وغياب الدور الفعلي للرقابة وضمان الحقوق والحريات لجميع شرائح المجتمع وتفعيل الدور التوعوي بهذه الجوانب.
وتعاني اليمن من توسع العمالة غير المنظمة، وبروز ظاهرة الاستغلال وهدر الحقوق، إضافة إلى تحديات واختلالات مزمنة منذ ما قبل الحرب، تتطلب تكاتف الجميع في القطاعين العام والخاص؛ لإيجاد الحلول المناسبة لها في إطار خطة مركزة لمكافحة البطالة التي ساهمت الحرب في توسعها بشكل كبير.
وتتعلق هذه القضايا بصورة مباشرة بحقوق العامل وارتباطه ببيئة العمل ومؤسسات وشركات وقطاعات العمل والجدل المتواصل حول الحقوق والمسؤوليات، بالإضافة إلى المشاكل المرتبطة في تأهيل الكوادر البشرية وعدم ملاءمة مخرجات التعليم للاحتياجات الاقتصادية والاستثمارية والإنتاجية وعدم استجابة المؤسسات التعليمية والمناهج للمتغيرات التي تشهدها الأسواق وتأثرها بالتطورات التكنولوجية، والأهم معضلة القدرة على خلق الوظائف والتوسع في عملية التشغيل.
واقتصرت الأعمال المتوفرة، كما يلاحظ منذ ست سنوات على بعض قطاعات الأعمال المحدودة، كقطاع المطاعم والبناء والعقارات وبعض الأعمال المهنية الأخرى، التي تعد بمثابة أعمال شاقة ومضنية بأجور ضئيلة، تهدر كرامة العامل الذي يفتقر معها إلى أدنى متطلبات الحماية، في ظل ظروف معيشية واقتصادية صعبة بسبب الحرب الدائرة في البلاد، والتي ضيقت كثيرًا الخيارات المتاحة في سوق العمل.
"تحرير خيوط"