تتحدث صية البخيت، رئيسة اتحاد نساء اليمن في محافظة المهرة، في حوار خاص لـ"خيوط"، عن واقع المرأة في الوقت الراهن بالمقارنة مع ما كان سائدًا في الأعوام السابقة خلال فترات السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وكيف استطاعت هي وأخريات تأسيس حراكٍ نسويّ مطالب بحقوق المرأة، نجَحَ بأن يساهم في توعية المجتمع الذكوري بأهمية القضية، رغم التحولات السياسية، خلال الفترات الماضية التي شهدتها البوابة الشرقية لليمن، أسوة ببقية المناطق اليمنية، وصولًا إلى زمن الحرب التي لم يسلم المجتمع في المهرة، من الاكتواء بنيرانها.
حاورها: علاء الشلالي
أولًا، على مستوى المجتمع والأهالي، أودّ أن أحدّثكم عن تجربة شخصية عن عائلتي الذين لم يكونوا معارضين لأيّ مهام وأعمال كنت أنفذها بما يخص خدمة النساء في المهرة. في بعض المواقف كانت تنتابهم مخاوفَ شخصية؛ لكنني كنتُ أقنعهم بأنّه لن يحدث أيّ شيءٍ قد يسبّب لي أو لهم أيّ ضرر.
كنّا نسافر للمحافظات دون أن يُطلَب منّا مرافقة محرم؛ لأنّنا تربّينا على الثقة. للأسف، اليوم هناك من يسعى إلى زعزعة ثقة النساء.
أودّ أيضًا، أن أشير لكم كيف كنّا نعاني سابقًا، حيث لم تكن تُـعطى لنا أية امتيازات، وكنّا خلال استعداداتنا لتنظيم الفعاليات أو الزيارات، نسير على أقدامنا ونقطع مسافات شاسعة، لم تكن حينها تتواجد السيارات الفارهة كما هو الحال اليوم، كنّا نحمل الأحجار ونعمل مع الرجال يدًا بيد من أجل بناء المدارس والمراكز الصحية، والحمد لله بصمودنا وكفاحنا ما نزال نعمل في خدمة نساء المهرة.
الكثير من الفتيات حصلن في الوقت الراهن، على مختلف الشهادات التعليمية، ويوجد لدينا جامعة المهرة، وهذا شيء مهم، فالكليات موجودة، وكثير من الشابات التحقن بها، كما التحقن بأعمال إدارية في عددٍ من المؤسسات الحكومية التابعة للسلطة المحلية، وبعضهن تم ترقيتهن في عديدٍ من المناصب كمديرات عموم.
كان المجتمع يلمس النتائج الإيجابية لتعليم الفتيات وانعكاساتها على حياتهم، إذ أصبح في المهرة نساء يعملن على توعية أخريات، بأهمية الصحة الإنجابية، وتشكّلت حينها لجان محلية لحل القضايا الاجتماعية للنساء، كن يعملن عمل القضاة وأقسام الشرطة.
كل ذلك، بالطبع، يشعرنا بالارتياح، لكن هذا ليس بكافٍ، نحن بحاجة لوجود المرأة أكثر ممّا هي عليه في الوقت الراهن. وأن تصل المرأة في المهرة إلى مراكز ومناصب متقدّمة على مستوى الوطن.
المراحل الأولى
وُلدت وترعرعتُ في مدينة الغيضة، عاصمة محافظة المهرة، وفي محيط عائلتي، كان والدنا وكبار الأسرة يشجعوننا على التعليم، وينمّون فينا مسألة وجوب أن يكون لنا أدوار في إصلاح ذات البين، وكيف أنّ التعاليم الدينية وعاداتنا وتقاليدنا الأصيلة تحثّنا على ذلك، وخلال دراستي في المرحلة الابتدائية كنت أتشارك أنا ومجموعة من زميلاتي هَمّ مناصرة حقوق الفتيات في الغيضة، كان ذلك في نهاية ستينيات القرن المنصرم، أتذكر في تلك الفترة أنّه لم يكن في المهرة مدارس خاصة لتعليم الفتيات، إلّا في مناطق محدودة جدًّا.
في سبعينيات القرن الماضي، لم يكن في المهرة أيّة اتحادات أو جمعيات أو منظمات معنية بحقوق المرأة، فقرّرت أنا وزميلاتي أن يكون لدينا منبر أو أيّ مبادرة أو كيان من خلاله يمكننا التحدث عن مظلومية النساء وعن أهمية مناصرة حقوقهن من قبل النساء أنفسهن أولًا، ومن ثَمّ المجتمع بشكل عام، فعملنا على تأسيس نادٍ نسائيّ تم تشكيله من بعض الفتيات المتعلمات في مدارس محافظة المهرة، وأنا كنتُ رئيسة اللجنة النسائية في النادي. ومن أبرز المهام التي قمنا بتنفيذها خلال تلك الفترة، العملُ على نشر الوعي في صفوف النساء، وترغيب الأهالي بضرورة أن يساهموا في مساندة تعليم الفتيات من خلال دعم المدارس، ماديًّا ومعنويًّا. كما عملنا على التسويق والترويج لنماذج من الفتيات المتعلمات اللواتي حقّقن نجاحات عملية في مختلف المجالات، كي يكون ذلك حافزًا لدى بعض أرباب الأسر من أجل الموافقة على إلحاق بناتهن في المدارس، إضافة إلى القيام بتأسيس مدارس خاصة لمحو الأمية في صفوف النساء في المهرة .
ردّة الفعل
كان المجتمع يلمس النتائج الإيجابية لتعليم الفتيات وانعكاساتها على حياتهم، إذ أصبح في المهرة نساء يعملن على توعية أخريات بأهمية الصحة الإنجابية، وتشكّلت حينها لجان محلية لحل القضايا الاجتماعية للنساء، كن يعملن عمل القضاة وأقسام الشرطة، وكان يساندهن شيوخ القبائل لما لمسوه من آثار طيبة. وتكلّلت جهودنا نحن ونساء أخريات في مناطق الجنوب، بإقرار الدولة قانون الأسرة الذي يحمي المرأة في بداياته، ونعمل على حلّ الخلافات بين الأزواج، كنّا نعمل على تشكيل لجان من نساء متزوجات بوجاهات وشخصيات اجتماعية، يقدّمن لنا المساعدة في حلّ الكثير من المشكلات المتعلقة بالنساء في جميع مديريات وقرى ومناطق المهرة، وذهبنا أبعد من ذلك؛ إذ استطعنا الحصول على مكاسب كثيرة، منها إلحاق المرأة المهرية في الشرطة والسلك العسكري، لأول مرة في تاريخ المهرة.
أسماء رائدة
في فترة السبعينيات والثمانينيات، كانت نسبة التحاق الفتيات في صفوف مختلف المراحل التعليمية ضئيلة جدًّا، مقارنة بالوقت الراهن، لكن الوعي كان موجودًا في صفوف النساء، بأنه لا بدّ أن يكون لهن نشاط ملحوظ يقابله تقدير وعرفان من المجتمع، وهو الأمر الذي شجّع كثيرًا من القيادات على تشكيل حركة نسائية فعّالة. في هذا الجانب، يمكننا أن نتذكر رائدات العمل النسوي في محافظة المهرة، من الرعيل الأول، أمثال نعيمة سويد صديقتي التي ترعرعنا وعملنا سوية على تأسيس الحركة النسوية في المهرة، وهي الآن تقيم خارج اليمن لظروف خاصة، أيضًا يجب أن نتذكر من كن يعملن بصمت، أمثال تنوير حرمش، والمرحومة لبهبت باكريت، وأخريات، كما لا يجب أن نغفل دور الرجال الذين ساهموا في دعم تأسيس الحركة النسوية في المهرة، أمثال: حسين سالم الحريزي، ومحمد سالم كدة، ومحمد عبدالله كدة، وسالم سعد، وراشد يسهول، وغيرهم ممّن ساهموا في إعلاء قيم احترام المرأة في المهرة.
العمل المؤسسي
كنت عضو الهيئة التنفيذية للشباب في الجنوب، وفي معسكر فتح، وحينما وُجد نظام وقانون الحكم المحلي تم انتخابي لثلاثة مرات متتالية في المجلس المحلي في المهرة، بَدءًا من العام 1973، عقب ذلك تم تعييني عضوة في المكتب التنفيذي في الشؤون الاجتماعية. كانت تلك المهام متوائمة مع مهام منظمات المجتمع المدني، ولم نكن متحزبين إلّا للوطن، فلذلك لم نجد صعوبات في مواءمة العمل بين الجهات الحكومية والاتحاد.
وفي الفترة الانتقالية، عام 2013، شاركت في مؤتمر الحوار الوطنيّ الشامل، وبصفتي عضوة فيه كنتُ أطالب مع غيري من العضوات، أن تكون للمرأة نسبة 30% من الحضور في كافة مرافق ومؤسسات الدولة المختلفة، سواء كانت محلية أو مركزية، لكن للأسف أنّ هذا الأمر يسير بوتيرة بطيئة جدًّا.
تمّت دعوتي أنا وصديقتي نعيمة سويد، لحضور أول مؤتمر لاتحاد نساء اليمن، في مدينة سيئون عام 1974، حضرته نيابة عن نساء المهرة، وفي المؤتمر تأسّست قيادة جديدة، وتم وضع دراسة شاملة لإقامة اتحاد ومجلس مركزيّ يضمّ كافة المحافظات، وتمّ أيضًا وضع استراتيجية ونظام داخلي للاتحاد، وتم تشكيل لجان نسائية، ومن بعد ذلك عقدت انتخابات فرعية لاختيار قيادات لنساء، وتم ترشيحي واختياري لرئاسة الاتحاد في المهرة. بعد ذلك، تم انعقاد المؤتمر الثاني لاتحاد نساء اليمن في مدينة عدن، وفيه تم إصدار بطائق خاصة لعضوات الاتحاد.
ومنذ تلك الفترة، تم اختياري ثلاث مرات لرئاسة الاتحاد في المهرة، كان آخرها العام 2003، حتى وقتنا الراهن، والحمد لله لدينا مقرّ ثابت، ولدينا أنشطة ومشاريع تنفذ على مستوى كافة قرى ومديريات المهرة، ومشاريع خاصة بتمكين المرأة اقتصاديًّا، ومشاريع للتوعية بحقوق المرأة ومناصرة قضاياها.
تأثير الحرب
بعد الحرب، تقلّص نشاطنا إلى أدنى مستوى، وما نزال نتواصل مع القيادة المركزية للمكتب التنفيذي لاتحاد نساء اليمن في صنعاء من حين لآخر، لكن الجانب المالي والإشرافي مفقودٌ بيننا وبينهم، ونحن نعمل اليومَ وَفقَ نظام بإشراف السلطة المحلية بمحافظة المهرة التي لا تألو جهدًا في مساعدتنا، لكننا نعاني من عدم وجود موازنة مالية.
للأسف، الآن أصبح دور المنظمات الدولية ضعيفًا بحكم الحرب في اليمن، سابقًا كان لها دور ممتاز ومهم وملموس وَفقَ الإمكانيات المتاحة لها، لكن خلال سنوات الحرب والصراع الدائر أصبحت الاتحادات شبه منسية، ولكن رغم ذلك نحن نعمل وَفقَ قوانين الدولة بما هو متاح، هنا يجدر الإشارة إلى أدوار إيجابية لمسناها من الصندوق الاجتماعي للتنمية، ومن اليونيسف ومنظمة كير.
وإجمالًا، نأمل أن تخرج البلاد من هذه الأزمات، وأن تنتهي الحرب ويعود اليمن السعيد إلى مكانته الطبيعية بين الأمم.