أكّد مجلس الأمن الدولي على أهمية اللحظة الراهنة في اليمن بعد موافقة الأطراف على تمديد الهدنة، والتي يجب استغلالها بأفضل طريقة ممكنة، لإنهاء الحرب وإحلال السلام في البلاد التي أنهكها الصراع الدائر منذ العام 2015.
وقال المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن هانس غروندبرغ، إنّ الهدنة تمثل أفضل فرصة متاحة منذ سنوات لإحلال السلام في البلاد، داعيًا إلى تشجيع الأطراف ودعمها لتحقيق أقصى منفعة من هذه الفرصة، لصالح اليمن ككل.
وشجّع الأطراف على المشاركة بصفة عاجلة وبشكل بنّاء مع جهود الأمم المتحدة للتوصل إلى اتفاق بشأن فتح طرق في تعز ومحافظات أخرى، لكي يتسنى لجميع اليمنيين استشعار فوائد ملموسة للهدنة في حياتهم اليومية.
وفي إحاطته الافتراضية أمام مجلس الأمن الإثنين 11 يوليو/ تموز، قدّم المبعوث الخاص، هانس غروندبرغ، عرضًا للتطورات الأخيرة وجهود السلام في اليمن، وسلّط الضوء على ما تم تحقيقه في ثلاثة أشهر ونصف من الهدنة، وبعض التحديات أمام تنفيذها وكيفية تجاوزها، وطرق المضيّ قُدمًا وتمديد الهدنة وتوسيع نطاقها.
هذا الأمر سيسمح، كما أكّد غروندبرغ، لبدء مناقشات جادة حول المسارات الاقتصادية والأمنية، ومعالجة القضايا ذات الأولوية مثل الإيرادات ودفع الرواتب، وبدء عملية التحرك نحو وقف إطلاق النار.
كانت الأمم المتحدة قد حذرت من صعوبة الأوضاع الاقتصادية في اليمن وتبعات انهيار الأمن الغذائي، وأكّدت بأن أكثر من 19 مليون شخص يعانون من الجوع في اليمن، بما في ذلك أكثر من 160,000 شخص وضعهم شديد الصعوبة.
مخاطر العودة إلى الخلف
الموافقة على تنفيذ الهدنة وتجديدها، الآنَ، فإنّ الأطراف قدّموا بصيص أمل لليمنيين بأنه من الممكن إنهاء هذا النزاع المدمّر، وهو ما يتطلب استغلال هذا الزخم المتاح لتوفير مستقبل يعم فيه السلام في اليمن.
مع استمرار صمود الهدنة، أبلغ المبعوث الأممي مجلس الأمن أنّ ذلك أدّى إلى انخفاض كبير في عدد الضحايا المدنيين، مع انخفاض عدد الضحايا المدنيين بمقدار الثلثين مقارنة بالأشهر الثلاثة التي سبقت بَدء الهدنة.
كان هناك تحرك أحادي لفتح الطرق من قبل الأطراف، وهو ما اعتبره غروندبرغ، خطوة في الاتجاه الصحيح، مع التشديد على أهمية اتفاق كلا الجانبين؛ لأن فتح الطرق يتطلب التنسيق والتواصل المستمر لضمان فتحها بأمان واستدامة من أجل مرور المدنيين
وأشار إلى أنه بسبب الانخفاض الحادّ في الأعمال العدائية، فإنّ الخسائر المدنية المرتبطة بالنزاع تعود في معظمها الآن إلى الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة، التي لا تزال تشكّل تهديدًا على حياة المدنيين، بما في ذلك الأطفال، مع عودتهم إلى المناطق التي انخفض فيها معدل الأعمال العدائية.
ودعت منظمة مواطنة لحقوق الإنسان، في تقرير صادر عنها مؤخرًا، إلى جبر ضرر ضحايا الحرب المدنيين في اليمن، وتحقيق العدالة لملايين أرواح المدنيين التي فقدت، ودُمرت، وسُلبت خلال النزاع المستمر. ولا ينبغي أن تقع تكاليف الحرب على أولئك الذين لا يشاركون في الأعمال العدائية.
وقال غروندبرغ: "لا نزال نتلقى تقارير من كلا الجانبين بشأن حوادث مزعومة في اليمن، بما في ذلك النيران المباشرة وغير المباشرة وهجمات الطائرات بدون طيار وتحليق الطائرات الاستطلاعية وإنشاء تحصينات وخنادق جديدة. كما يُزعم أنّ الأطراف ترسل تعزيزات إلى الجبهات الرئيسية، بما في ذلك في مأرب والحديدة وتعز"، مؤكدًا أن مكتبه يدعم الأطراف في إنشاء قنوات اتصال لمساعدتها على إدارة تلك الحوادث المزعومة بطريقة سلمية.
أشار غروندبرغ إلى أنه في الأسابيع الماضية كان هناك تصعيد في الخطاب المشكِّك بفوائد الهدنة، ودعا الأطراف إلى تجنب إطلاق مثل تلك الخطابات. وقال: "لنكُن واضحين، البديل عن الهدنة هو العودة إلى الأعمال العدائية ومن المحتمل أن تكون مرحلة يشتد فيها الصراع مع كل ما يمكن توقعه من عواقب على المدنيين اليمنيين والأمن الإقليمي."
وأوضح أنه بعد ثلاثة أشهر ونصف من الهدنة، "لا نزال نجد أنفسنا منغمسين في تفاصيل تنفيذ الهدنة"، مشيرًا إلى أهمية ذلك، ولكن "هذا يعني أننا لم نتمكن من الاستثمار بقدر كبير في مهمة ترسيخ وتوسيع الهدنة من أجل تقديم المزيد من الفوائد للسكان ووضع اليمن على الطريق نحو تسوية سياسية دائمة."
وأكّد أنه في محادثاته مع الأطراف، شدّد على أهمية البناء على الهدنة لتحديد طيف أوسع من الأولويات الاقتصادية والعسكرية.
تدهور الاقتصاد
وأقدمت جماعة أنصار الله (الحوثيين) مطلع يوليو/ تموز 2022، على رفع سعر صفيحة الوقود 20 لترًا إلى 14 ألف ريال من 12 ألف ريال، يأتي ذلك بالرغم من الاستقرار في المعروض من المشتقات النفطية بعد أن سمحت اتفاقية الهدنة بحصول سبع سفن منذ مطلع أبريل/ نيسان 2022، تحمل ما يقرب من 200 ألف طن متري من المشتقات النفطية المختلفة، على تصاريح دخول إلى ميناء الحديدة.
وأوضح غروندبرغ، أنّ تدفق واردات الوقود ساعد على تجنب الاضطرابات في الخدمات العامة الأساسية التي تعتمد جزئيًّا على الوقود –مثل المياه النظيفة والرعاية الصحية والكهرباء ووسائل النقل– وقد أحدث فرقًا قيّمًا في الحياة اليومية لليمنيين ورفاههم.
وتطرق المبعوث الأممي إلى استمرار الجهود المبذولة لتعزيز حرية التنقل للرجال والنساء داخل اليمن من جهة، وداخل اليمن وخارجه من جهة أخرى، منذ بدء الهدنة. فمنذ بدء الهدنة، تنقل ما يقرب من سبعة آلاف مسافر بين صنعاء والأردن، ويستمر العمل مع السلطات المصرية لتيسير الرحلات الجوية من وإلى القاهرة، وَفق غروندبرغ.
وتابع يقول: "كنت أؤمن بصدق أنه بحلول هذا الوقت من الهدنة، سيكون الطرفان قد توصلا إلى اتفاق لفتح الطرق في تعز والمحافظات الأخرى، معبرًا عن أسفه أنّ العديد من الطرق هناك لا تزال مغلقة للعام السابع على التوالي".
وشدّد على أنّ فتح الطرق لا يقتصر فقط على تخفيف المعاناة الإنسانية وإزالة القيود، ولكن أيضًا يتعلق بالبدء في تطبيع ظروف الحياة اليومية للرجال والنساء اليمنيين، بما في ذلك التعليم والعمل والخدمات الصحية والاقتصاد بشكل عام.
يشار إلى أنه في الأيام التي سبقت عيد الأضحى، كان هناك تحرك أحادي لفتح الطرق من قبل الأطراف، وهو ما اعتبره غروندبرغ، خطوة في الاتجاه الصحيح، مع التشديد على أهمية اتفاق كلا الجانبين، لأنّ فتح الطرق يتطلب التنسيق والتواصل المستمر لضمان فتحها بأمان واستدامة من أجل مرور المدنيين.
وأكّد أنّ الاتفاق على فتح الطرق في تعز ومحافظات أخرى سيكون أمرًا بالغ الأهمية، وستتردد أصداء فوائده في جميع أنحاء اليمن.
من جانبها، تحدثت مساعِدة الأمين العام للشؤون الإنسانية ونائبة منسق الإغاثة في حالات الطوارئ، جويس مسويا، عن الآثار الإنسانية لاستمرار النزاع في اليمن. وقالت إنّ الكارثة الإنسانية في اليمن على وشك أن تزداد سوءًا؛ إذ على الرغم من أهمية الهدنة، "إلا أنها وحدها لن تكون كافية لوقف ما نخشى قدومه." ودعت المجتمع الدولي إلى التحرك بسرعة لانتشال اليمن من الأزمات المتعددة التي يغرق فيها.
قالت المسؤولة الأممية إنّ سعر الصرف في انهيار– وهو عامل رئيسي في تحديد مقدار كمية الطعام التي يمكن للأشخاص أن يتحملوا تكاليف شرائها. ويتم تداول سعر الصرف عند حوالي 1,120 ريالًا يمنيًّا للدولار الواحد في عدن.
كما أنّ الحرب في أوكرانيا تهدد سلاسل التوريد التي تجلب الغذاء لليمن، والتي يجب استيراد ما يقرب من 90% منها.
كما كررت الدعوة لتعزيز الاقتصاد اليمني على نطاق أوسع، بما في ذلك من خلال إطار العمل الاقتصادي التابع للأمم المتحدة.
أكّدت السيدة جويس مسويا أنّ أعمال الإغاثة أصبحت أكثر صعوبة وخطورة، ولا يزال تقديم المساعدة المنقِذة للحياة يمثّل تحديًّا. كما يتواصل التخويف والتحريض ضد وكالات الإغاثة في جميع أنحاء اليمن، ويتم تغذية ذلك من خلال المعلومات المضللة التي يتم تضخيمها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، على حد تعبيرها.
وقالت: "في المناطق التي تسيطر عليها جماعة أنصار الله (الحوثيين)، أصبحت تحرّكات الموظفين أكثر صعوبة في الأسابيع الأخيرة بسبب العوائق البيروقراطية التي توضع أمام عمّال الإغاثة اليمنيين الذين يسافرون إلى الخارج لأسباب مهنية."
وأضافت أن سلطات أنصار الله تقوم بشكل متزايد بفرض قيود تحدّ من مشاركة المرأة الكاملة في العمل الإنساني، سواء كعاملة في مجال الإغاثة أو كمتلقية للمساعدات.
ولفتت الانتباه إلى أنّ الجوع أسوأ من أي وقت مضى، وقد اضطر برنامج الأغذية العالمي إلى خفض الحصص الغذائية لملايين الأشخاص قبل عدة أسابيع بسبب فجوات التمويل، وهو ثاني تخفيض كبير في الطعام خلال ستة أشهر فقط. كما اضطرت قطاعات أخرى إلى تخفيض مساعداتها، مثل صندوق الأمم المتحدة للسكان، إضافة إلى الأموال المخصصة للأوليات العاجلة الأخرى.
في حين أنّ تمويل آلية التحقيق والتفتيش التابعة للأمم المتحدة، التي أنشِئت في عام 2016 لتسهيل الواردات التجارية إلى اليمن، آخذ في النفاد. واعتبارًا من الآن، سيتم إغلاقها في أيلول/ سبتمبر، مما يلقي بمزيد من حالة عدم اليقين على سلاسل التوريد المتعثرة بالفعل من أجل الغذاء والنفط والسلع الأساسية الأخرى.
وتحتاج الآلية –التي تُعدّ شريكًا رئيسيًّا في التزام مجلس الأمن بتسهيل الواردات التجارية إلى اليمن- إلى 3.5 مليون دولار لتغطية العمليات من أيلول/ سبتمبر حتى نهاية العام.