يعتبر شهر رمضان موسمًا لبرامج المسابقات في القنوات الفضائية والمحطات الإذاعية في مختلف بلدان العالم العربي، وهي البرامج الأكثر متابعة لدى الناس، ويُعدّ هذا الموسم فرصة تنتظرها الشركات التجارية كل عام؛ من أجل الإعلان والترويج لمنتجاتها وخدماتها لرفع حجم مبيعاتها، خاصة في الوسائل الإعلامية ذات الجماهيرية، وهو الأمر الذي خلق تنافسًا فيما بين هذه الشركات لتقديم عروض وإعلانات جاذبة تتناسب مع البرامج الأكثر شعبية لدى الجماهير خلال أيام الشهر الفضيل، وقد حدّدت وسائل الإعلام خيارات قبول بعض الإعلانات أو رفضها طبقًا للسياسة التحريرية والبرامجية، وقد تهتم بعض الوسائل بالتكلفة المالية المخصصة لوقت بثّ الإعلان أو رعاية برنامج ما، وعلى هذا المبدأ تتهافت الشركات التجارية لتقديم الجوائز المغرية لمتابعي تلك البرامج الذين يحتفون بالجوائز التي يحصلون عليها. لكن الوضع في اليمن مختلف، خاصة في الوقت الراهن؛ إذ إنّ الكثير من الإذاعات المحلية في صنعاء، تشكو من عدم التزام بعض القائمين على إدارة الشركات التجارية اليمنية بالعقود التي قطعوها تجاه الإذاعات نظير مشاركتهم في رعاية البرامج، وهي المشكلة التي تتسبب بفقدان مصداقية تلك الإذاعات تجاه مستمعيها، ومن ثم إلحاق الضرر بسمعة تلك الإذاعات.
نكوص وتنصل
حافظ الصنوي، شابٌّ عشرينيّ، شارك في رمضان الفائت بإحدى برامج المسابقات، وفاز بجائزة من إذاعة "يمن ميوزك"، وحينما ذهب لاستلام الجائزة اعتذرت الإذاعة عن عدم تسليمها له بسبب تنصل الشركة التي أعلنت عن تقديمها للبرنامج العديدَ من الجوائز. يقول الصنوي لـ"خيوط": "لم أستطع القيام بأيّ ردّة فعل؛ لأنني وجدت القائمين على الإذاعة يشكون من عدم التزام الداعم لهم، وتأكّدت من ذلك بعد أن سمعت شكواهم عبر أثيرهم وعلى مسمعٍ مِن كل متابعيهم، وهذه سابقة لم تحدث من قبل".
تلك المشكلة جعلت توفيق الأضرعي، وهو ممثل معروف كان يقدم ذلك البرنامج في إذاعة "يمن ميوزك"، اضطر إلى أن ينتقد الشركات التي نكصت عن وعودها برعاية البرنامج وتقديم الدعم المادي له علانية. كان الأضرعي يناشد عبر الميكرفون شركة "إخوان قاطن" التجارية بضرورة الالتزام بما تم الاتفاق عليه مع الإذاعة وسرعة تقديم الجوائز للفائزين، كانت تلك الانتقادات أشبه بفقرة يومية ضمن البرنامج المسابقاتي خلال أيام العشر الأواخر من رمضان الماضي، حتى أصبح الأمر مزعجًا للمستمعين وللفائزين الذين تحوّلت فرحتهم بالفوز إلى معاناة.
في إحدى الإذاعات المحلية بصنعاء، كانت الجائزة المقدمة لأحد الفائزين في برنامج مسابقاتي كيلو لحمة لا تصل قيمته المالية إلى أربعة آلاف ريال، وفي بعض الإذاعات كانت الجائزة كرتون مياه معدنية لا تصل قيمته المالية إلى ألفَي ريال، هذه الجوائز تعكس الواقع المأساوي الذي وصلت له بعض الإذاعات التي أصبح القائمون عليها يتسولون المُعلِنين.
هذا العام وفي رمضان الجاري، تكررت المعاناة ذاتها في إذاعات أخرى، ومنها إذاعتا "الأولى إف إم"، و"هواء اليمن"، اللتان تبثان من صنعاء، حيث يتنصل عددٌ من رجال الأعمال وأصحاب الشركات من الإيفاء بوعودهم تجاه رعايتهم لبعض البرامج؛ بحسب حديث محمد الرزيقي- مدير إذاعة هواء اليمن. يقول الرزيقي لـ"خيوط": "نحرص على أن تكون علاقتنا طيبة مع الشركات التجارية؛ لأنّ هذه العلاقة مهمة من أجل ديمومة واستمرار عمل الإذاعات الخاصة التي تعاني من أزمات مالية متتالية"، لكن ما يفسد هذه العلاقة -بحسب الرزيقي- هو عدم إيفاء بعض أصحاب الشركات بالالتزامات التي تعهّدوا فيها برعاية البرامج وتقديم الجوائز للمستمعين المشاركين فيها، على الرغم من توقيع عقود قانونية بين الإذاعات والشركات التجارية، تلك العقود عادة ما ينقضها بعض التجار. ويشكو الرزيقي من أنّ بعض الشركات، كشركة "الراعبي" وغيرها، لم تفِ بالتزاماتها تجاه الإذاعة التي يديرها، وتجاه مستمعيهم.
اشتراطات تعجيزية
بعض مُديري الشركات التجارية يشترطون عند توقيع عقود رعاية للبرامج المسابقاتية في الإذاعات المحلية بصنعاء، خصمَ ثلاثين بالمئة من الجوائز التي تقدّم لأشخاص مقربين من الشركات، وبعضٌ من مديري هذه الشركات يشترط عدم دفع أو تقديم ما تم الاتفاق عليه إلا بعد أن يتأكد من أن بعض البرامج تحظى بمتابعة كبيرة، بينما يشترط بعضهم الآخر اختيارَ مذيعين محددين لتقديم البرنامج؛ وفقًا لما أشار إليه مديرو إذاعات محلية بصنعاء خلال أحاديثهم مع "خيوط".
يلفت منير يحيى- مدير العلاقات العامة بإذاعة "سمارة إف إم"، وهي إذاعة تبث في صنعاء وتشترك في بث برامج المسابقات في رمضان مع إذاعات أخرى في محافظات ذمار وإب وتعز، يلفت منير إلى أنّ إذاعته اتخذت قرارًا بعدم تكرار التعامل مع معلنين لم يلتزموا بتقديم الجوائز لمتابعيهم، يقول منير لـ"خيوط": "قمنا بعمل قائمة سوداء بشركات تجارية لن يتم التعامل معها لعدم احترامها للاتفاقيات التي أبرمت معنا"، لم تواجه إذاعة "سمارة إف إم" مشكلات كثيرة، لكن بعض المعلنين كشركة "بن عبيد"، لم يوفوا هذا العام بما تم الاتفاق عليه معهم، وفي حال استمرارهم بهذا التصرف، لن يتم التعامل معهم مستقبلًا".
حلول وقائية
في إحدى الإذاعات المحلية بصنعاء، كانت الجائزة المقدمة لأحد الفائزين في برنامج مسابقاتي كيلو لحمة لا تصل قيمته المالية إلى أربعة آلاف ريال، وفي بعض الإذاعات كانت الجائزة كرتون مياه معدنية لا تصل قيمته المالية إلى ألفَي ريال، هذه الجوائز تعكس الواقع المأساوي الذي وصلت له بعض الإذاعات التي أصبح القائمون عليها يتسولون المُعلِنين؛ كما يرى فضل الصباحي، المخرج الإذاعي في راديو "يمن إف إم".
ويضيف الصباحي في حديثه مع "خيوط": "على القائمين على بعض الإذاعات التي أهانت العمل الإذاعي، أن يتوقفوا عن العمل ويُوقفوا بثّ محطاتهم بدلًا من إذلال أنفسهم ومتابعيهم". يشير الصباحي إلى أنّ الإذاعة التي يعمل فيها تداركت الأخطاء التي تقع فيها الإذاعات الأخرى التي وقعت في فخ عدم التزام الشركات التجارية بعقود رعاية البرامج وتقديم الجوائز العينية والمالية لمتابعيهم. يقول الصباحي: "هذا العام اشترطنا على الشركات التجارية تقديمَ المبالغ المالية والجوائز العينية قبيل شهر رمضان، وفي حال لم توافق أيّ شركة على هذا الشرط، يتم إلغاء العقد معها قبل بثّ أي برنامج".