اشتهرت لحج (في جنوب اليمن) بصناعة الحلوى منذ فترة الخمسينيات، واقترن اسمها بالمحافظة حتى باتت تُعرَف بـ(الحلوى اللَّحْجِيّة)، إذ تعدّ من أطباق الحلويات التي يتفنن في صناعتها الإنسان اللَّحْجِيّ، لِمَا لها من مذاق متفرد اكتسبت من خلاله شهرةً مميزة بين مختلف أنواع الحلويات اليمنية.
كيف تُحضَّر؟
على اختلاف أنواع الحلوى إلَّا أنّ صناعتها غالبًا تقوم على مكونات رئيسة مشتركة، مثل: الماء، والسكّر، وملح الليمون، والزيت، ومكونات أخرى حسب نوعها ولونها ومذاقها وسماكتها.
يقول محمد لصور- أحد رواد صناعة الحلوى اللَّحْجيّة: "إنّ صناعة الحلوى تتطلب توفير معدّات خاصة، مثل الحلة النحاسية، وهناك نوعان منها: حلّة نحاسية (أبو خيط) وتطبخ نصف كمية، وحلة نحاسية (أبو ثلاثة خيوط) وهي لطبخة كاملة، وتوفير عود خشبي لتحريك الحلوى، إلى جانب مجارد نحاسية أو حديدية لقشطها أثناء عملية الطبخ، فهي تتطلب وجود شخصين (وسطي) لتحريكها، و(رداد) لقشطها" .
ويتابع لصور: "يعد الماء، والسكّر، وملح الليمون من المكونات الرئيسة لصناعة الحلوى مع بعض الإضافات لتأخذ مسمياتها المعتادة، فبإضافة النَّشَا، والزيت وتحريكها لساعات يصير المنتج مضروبًا (حلوى المضروب)، ومع إضافة اللوز و(الفول السوداني) تنتج ما يسمى (الخلطة)، ويضاف في العادة إلى ذلك البهارات المطحونة الخاصة بالحلوى (القرنفل، والهيل) لإكسابها المذاق المميز.
وعن تحضير حلوى الهريسة، يتابع لصور: "يضاف الماء حتى الغليان، ثم السكّر، ويتم تحريكهما داخل الحلة النحاسية لمدة تصل إلى نصف ساعة، ويضاف جوز الهند (النارجيل) مع اللوز و(الفول السوداني)، وزيت السمسم (زيت الجلجل)، بعد ذلك يتم وضع المكوّن في إناء مخصص، يوضع من جديد على النار من ساعة إلى ساعة ونصف، ويستمر تحريكها حتى تتماسك، ثم تُخرج ساخنة ليتم دهنها بزيت السمسم (الجلجل) ووضعها في صحون لعرضها للبيع، وهناك أنواع من الحلوى يدخل في مكوناتها اللبن وتعرف بحلاوة اللبن".
مسميات تجارية حديثة
وعن الحلويات اللَّحْجيّة القديمة، يقول لصور: "هناك أنواع قديمة للحلوى والتي يفضّلها أغلبية السكان، وعادةً يتناولها البعض مع القهوة السادة، وهذه الأنواع: المضروب، والحلوى الرطب (أبو قشرة)، والخلطة، والقرمش وهو نوع من الكعك يتوفر في أماكن بيع الحلوى اللحجية دون غيرها، ويطبخ مع السكّر أو بدون سكّر، ويعجن دقيقه بالسمن مع إضافة حبة البركة، وتعدّ حلوى (الصابون الأبيض) هي أشهر الأنواع، وهناك أصناف من الحلوى اللحجية وبمسميات تجارية مختلفة ظهرت مؤخرًا، مثل: (الشبح، والنارجيل، واللبن، والديش، والعرائسي، وحلاوة مكة، والطحينية)، وغير ذلك من الأصناف المتعددة" .
وعادةً ما تطبخ الحلوى اللحجية على الحطب وهو الأقل تكلفة، ولكن منتوجه يكون بطيئًا وكمياته قليلة، أما الكميات الكبيرة فتطبخ على الغاز للسهولة والسرعة، والفارق بينهما نصف ساعة، وتعطي نفس الذائقة والطعم، وأسعارها تتماشى مع السوق المحلي، رغم الغلاء الذي طرأ على المواد الغذائية- بحسب لصور.
عائلات تتوارث المهمة
في ذروة ازدهار السلطنة العبدلية خلال عقد الخمسينيات، ظهرت في عاصمة السلطنة الكثيرُ من المهن الجديدة، ومنها صناعة الحلوى التي كانت حكرًا على مدينة المخا وعدن قبل ذلك .
يقول حسين المداوي، بائع حلوى، إنّ عائلته توارثت صناعة الحلوى أبًا عن جَد، وإنّ حلاوة المداوي في لحج معروفة كعلامة في هذا المجال، وكانت الحلوى قديمًا تصنع من السمن البقري (البلدي)، وتُطبخ بزيت السمسم، وتغلف على أوراق شجر (البيدان) لتعطي لذة في الطعم وتحفظها لوقت أطول. ومع ارتفاع الأسعار استبدل البعض زيت السمسم (الجلجل) أثناء الطبخ، بزيوت نباتية، ومن ثَمّ دهنها بعد طبخها بزيت السمسم، وهذا ما جعلها تختلف عن الحلوى قديمًا .
وبسبب ارتفاع المشتقات النفطية والمواد الغذائية، اضطر بعض من رواد صناعة الحلوى لإغلاق محلاتهم، ويستمر البعض في تشغيل معاملهم الصغيرة بالرغم من الخسائر؛ لأنها حسب رأيهم مرتبطة بتراث المدينة، ولا ينبغي أن تغلق.
عنوان للمناسبات الاجتماعية
يقول الباحث محسن ناصر كرد: "تعدّ الحلوى من الأطباق القديمة التي ما يزال الإنسان اللحجي متمسكًا بها، وكانت توزع في المناسبات الاجتماعية كالزواج مثلًا، فعند الاتفاق بين الطرفين يتم توزيع الحلوى لأهل العروس وجيرانهم، ويسمى هذا اليوم بيوم (السديّة)، وكذلك توزع في الأعراس، وكهدايا، وكانت تُعطى للفلاحين عند الذهاب لأعمالهم في الحقول، خصوصًا في مواسم السيول، وتُؤكل عند العصر بما يسمى "العواف"، وبعد الغداء".
ويتابع كرد: "كانت تباع في المناسبات الاجتماعية الموالد (الزيارات)، وهي مناسبة يتم فيها توافد العديد من المواطنين ومن مختلف المناطق في المحافظة، ويخصصون هذا اليوم لبيع منتجاتهم، ويتم فيه بيع العديد من المأكولات التي تشتهر بها المحافظة، كالحلوى (المضروب) وغيرها، وقد تغنّى بذلك الفنان القمندان: "كم لي من المولد تخور، بأ لي مشبّك ولَّا مكركر".
وقديمًا كانت تطبخ بزيت السمسم (السليط الحالي، باللهجة اللَّحْجِيّة) وهذا ما يجعلها ذات جودة وذائقة متميزة، وكان للأمير عبدالكريم فضل -رحمة الله عليه- اثنتا عشرة معصرة للسليط الجلجل (زيت السمسم)، تزوّد به معاصر مدينة الحوطة لصنع الحلوى .
ويضيف كرد: "إنّ من أشهر وأقدم صانعي وبائعى الحلويات في لحج، صالح مبجر، وعبدالله الحبيشي، ولصور، ثم فتحت العديد من محلات بيع الحلوى، كالمداوي وغيره، حتى توسعت وازداد الإقبال على هذه المهنة؛ لأنها توفّر دخلًا للأفراد، من أشهرها الأنواع القديمة، والتي عادة ما يفضّلها السكان اللّحْجيون".
ويتوافد العديد من الزبائن من مختلف مناطق لحج ومديرياتها، ومحافظات أخرى، وكانت تلف في ورق البيدان، وتباع في الزنابيل (تصنع من سعف النخيل)، لكن حاليًّا تغلف بأكياس وأوراق، وتباع بالرطل، ولكنها ما تزال محافِظة على شهرتها .
الحلوى القباطية
إلى جانب الحلوى اللَّحْجِية هناك الحلوى القُبَاطِيّة، والتي تنسب إلى مديرية القبيطة، إحدى مديريات محافظة تعز سابقًا، ولحج حاليًّا، حيث يحترف أبناؤها هذه الصناعة، واتخذوا من منطقتي الراهدة والعند أماكن لتسويق الحلويات .
عن صناعة الحلوى القباطية، يقول شوقي القباطي، أحد بائعي الحلوى القباطية: "لا تختلف صناعة الحلوى القباطية عن اللحجية من حيث استخدام السكّر، والنَّشَا، والماء، وكل نوع يأخذ اختلافًا في المكونات، فمثلًا الهريس يتم صناعتها من السكّر، والزيت، واللوز، ويضاف إليها القطر (نكهة)، أما الحلوى الزريقي فتتم صناعتها من السكّر، والنَّشَا، والزيت، والقطر الخاص بها، كما أنّ الحلوى القباطية يدخل في طبخها الحليب والقطر".
وهناك أنواع متعددة قد تصل إلى عشرة أصناف، منها: "العماني، الأميرة أو الملكة، خلطة باللوز، جلاكسي، حلاوة اللبن مضافًا إليها (النكهات)، سواءً الفراولة أو الموز، وغيرها".
مصدر رزق لكثير من الأسر
وما أن تقصد محافظة لحج حتى تجد الباعة يتوزعون في أماكن عبور المارّة والزائرين للمحافظة، لبيع الحلوى واللوز، والتي صارت جزءًا من إرث المحافظة التي تشتهر بها، ويتم لفّها بزنبيل (يصنع من سعف النخيل)، لحفظها من أشعة الشمس وضمان بقائها لفترة طويلة دون أن يتغير طعمها، ويتم تصنيعه من سعف النخيل خصيصًا لذلك بواسطة نساء متخصصات.
يقول المواطن محمود السالمي، الذي اعتاد شراء الحلوى اللحجية: "رغم الوضع الاقتصادي الذي يمر به المواطن، تجده يحرص على شراء الحلوى اللحجية، خصوصًا بعد كل وجبة غداء، والبعض يفضّلها مع القهوة، وكذلك في كل المناسبات الدينية، والزيارات، والهدايا، وكانت قديمًا تقدّم في الأعراس".
وتعد مهنةً ومصدر دخل لكثير من العائلات اللحجية، حيث يتم تصديرها للكثير من المحافظات اليمنية، وكذلك دول عربية وأجنبية، حتى أصبح اللحجي يهتم ويتفنن في صناعتها للحفاظ على شهرتها.
هكذا تغنى القمندان بها
يقول الدكتور هشام السقاف، أستاذ التاريخ بكلية التربية - جامعة عدن: "الحلوى اللحجية مهنة ارتبطت بالتشكل الحديث لسلطنة لحج العبدلية، وقد ارتبطت بتقاليد وثقافة المجتمع اللحجي، منذ عهد السلطنة العبدلية، وارتباط القمندان بحلويات بلاده لحج العبدلية وثيق في شعره".
وهذه بعضُ ما ورد في شعره، من أغنية (وينك با معك): "يا قرمش ومضروب، يا يعسوب محبوب، كالغصن الرطيب".
وفي مواضع أخرى، كأغنية (بس با توب)، يقول: "با يقع من بروده يوم هبوب، ذي تحبه حبوب، فت لك في الهوى قرمش ومضروب"، وكذلك: "با اسكب لكم في صياني من عسل نوب، في حفل شاهي على قرمش ومضروب، انتو حلاوة بغية فوق معصوب".