أعلنت المملكة العربية السعودية، التي تقود تحالفًا عربيًّا في الحرب الدائرة في اليمن، لم يتبقَ منه سوى الإمارات العربية المتحدة، عن مبادرة جديدة لإنهاء الحرب، في الوقت الذي تستمر فيه المعارك على أكثر من جبهة، ومواصلة أنصار الله (الحوثيين) هجومهم لاقتحام محافظة مأرب شرقي اليمن.
تتضمن المبادرة التي أعلن عنها وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في مؤتمر صحافي ورفضتها جماعة أنصار الله (الحوثيين) بشكل ضمني، وقف إطلاق نار شامل تحت مراقبة الأمم المتحدة، وإيداع الضرائب والإيرادات الجمركية لسفن المشتقات النفطية من ميناء الحديدة في الحساب المشترك بالبنك المركزي اليمني بالحديدة، وفق اتفاق استوكهولم بشأن الحديدة، وفتح مطار صنعاء الدولي لعدد من الرحلات المباشرة الإقليمية والدولية، وبدء المشاورات بين الأطراف اليمنية للتوصل إلى حل سياسي للأزمة اليمنية برعاية الأمم المتحدة بناء على مرجعيات قرار مجلس الأمن الدولي 2216، والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني اليمني الشامل.
وعلمت "خيوط" من مصادر مطلعة أن المبادرة السعودية، تأتي على إثر جولة قام بها مؤخرًا مبعوث الرئيس الأمريكي إلى اليمن تيموثي ليندركينغ، وأنها جاءت بالتوافق مع الموقف الأمريكي ومواقف الدول التي زارها ليندركينغ، الذي تنقل بين الدول الخليجية مثل سلطنة عمان وقطر والكويت.
حسب خبراء ومحللين سياسيين، تواصلت معهم "خيوط"، فإن الفجوة متسعة للغاية بين طرفي الحرب في اليمن، الأمر الذي سيصعب من عملية التجاوب مع المبادرة السعودية أو أي مبادرة أخرى لا يتم إتباعها بضمانات وموقف دولي صارم وموحد تجاه الطرف الذي يرفض أي توجهات لإحلال السلام وإنهاء معاناة الشعب اليمني
وفق المصادر، فإن المبادرة تحظى باهتمام دول مثل الكويت وقطر عرضت احتضان أي مباحثات قادمة بين طرفي الحرب في اليمن الحكومة المعترف بها دوليًّا وأنصار الله (الحوثيين)، في حال موافقة جميع الأطراف عليها.
المضي بالخيار العسكري
في الوقت الذي رحبت فيه الحكومة المعترف بها دوليًّا بالمبادرة السعودية، بشأن وقف إطلاق النار الشامل، وفتح مطار صنعاء لعدد من الوجهات، واستكمال تنفيذ اتفاق استوكهولم، ودخول السفن بكل أنواعها ما دامت ملتزمة بقرار مجلس الأمن، على أن تودع الأموال إلى البنك المركزي ودفع المرتبات منها على أساس قوائم 2014، ودعم العودة للمشاورات السياسية، كان موقف جماعة أنصار الله غير واضح بالموافقة عليها أو بالرفض الصريح التي جاء ضمنيًّا، وفق الناطق الرسمي باسم الجماعة محمد عبدالسلام والذي اعتبر المبادرة السعودية هروبًا للأمام من دولة مشاركة في الحرب على اليمن تبحث عن "التفلت" من الضغوط الإنسانية التي تتعرض لها، وهو موقف اتسق إلى حدٍّ ما مع الموقف الإيراني الذي اشترط، وفق بيان لوزارة الخارجية، رفع الحصار وإيقاف ما أسماه بـ"العدوان" على الشعب اليمني.
لاقت المبادرة ترحيبًا كبيرًا من المجتمع الدولي، إذ رحبت بها كل من سلطنة عمان وقطر والكويت والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والصين والاتحاد الأوروبي، فيما قال المتحدث باسم الأمم المتحدة فرحان حق، اليوم الإثنين 23 مارس/ آذار إن المنظمة الدولية ترحب بمبادرة السلام السعودية الجديدة لإنهاء حرب اليمن، والتي تتسق مع جهود الأمم المتحدة، في حين كشفت مصادر أممية مطلعة لـ"خيوط"، عن ظهور منتظر للأمين العام للأمم المتحدة للحديث عن المبادرة.
تعقيدات الحرب
حسب خبراء ومحللين سياسيين، تواصلت معهم "خيوط"، فإن الفجوة متسعة للغاية بين طرفي الحرب في اليمن، الأمر الذي سيصعب من عملية التجاوب مع المبادرة السعودية أو أي مبادرة أخرى لا يتم إتباعها بضمانات وموقف دولي صارم وموحد تجاه الطرف الذي يرفض أي توجهات لإحلال السلام وإنهاء معاناة الشعب اليمني.
وفق هؤلاء الخبراء، فإن طرفي الحرب، خصوصًا أنصار الله (الحوثيين)، قد حسموا أمرهم في الحسم العسكري للحرب بعد ما حصروا معاركهم بشكل كبير في محافظة مأرب الاستراتيجية شرقي اليمن، والتي تعد مركز ثقل للحكومة المعترف بها دوليًّا، والتي تقف قواتها في موقف دفاعي عن مأرب والتصدي للهجوم المتواصل لأنصار الله (الحوثيين) منذ أكثر من شهر.
ويقول الباحث الاقتصادي ياسين القاضي لـ"خيوط"، إن الحرب خلفت تركة ثقيلة للغاية وانهيارًا شاملًا في جميع المجالات، وهو ما يجعل أي مسارات لإيقافها في موقف حرج لمواجهة هذه التركة، والتوجه لإعادة الإعمار التي ستكون مكلفة للغاية في ظل انعدام أي مبادرات اقتصادية واقعية بالتوازي مع التوجهات الدبلوماسية والسياسية الرامية لإيقاف الحرب.
وفي الوقت الذي يسود فيه ترقب كبير عن مسارات الأزمة بعد المبادرة السعودية مع استمرار المعارك خصوصاً في مأرب، يمضي الشعب اليمني غير مبالٍ بكل هذا الضجيج السياسي الذي يتناول أزمة معقدة استعصت على الحل، إذ يواجه حربه الخاصة في توفير لقمة العيش، وسط انهيار اقتصادي تسبَّب بتردٍّ معيشي كبير، وفاقم الأزمة الإنسانية التي فجرتها الحرب، وتصنفها الأمم المتحدة بأنها الأكبر على مستوى العالم.
في هذا السياق، يقول العامل في مجال البناء محمد عبدالله (50 سنة) لـ"خيوط"، والذي كان يقف على رصيف شارع بمنطقة القاع في صنعاء، ينتظر أي بارقة أمل بطالب عمال بناء، إنه لم يسمع على الإطلاق بالمبادرة السعودية، لكنه يأمل على كل حال بإيقاف الحرب، فقد تعب الناس منها ومن آثارها وتراجعت الأعمال وزاد الغلاء وتراجع الدخل بشكل كبير.
أما المواطن صالح السوادي والموظف في إحدى الدوائر الحكومية في صنعاء، فيؤكد لـ"خيوط"، أن أطراف الحرب اختطفت أرزاقهم وصادرت أعمالهم ورواتبهم، وتركتهم يكابدون معاناة قاسية لم يعد باستطاعتهم تحملها، مضيفًا أن الوضع في اليمن وصل لمرحلة لم يعد مجديًا الاكتفاء بإيقاف الحرب، بل يجب محاسبة جميع الأطراف التي تسببت في معاناة اليمنيين وتجويعهم وتردي أوضاعهم المعيشية.
ويشكو مواطنون في عدن من تردٍّ كبير للوضع المعيشي وانعدام الخدمات العامة مثل الكهرباء، الأمر الذي ضاعف معاناتهم بشكل كبير، في ظل توترات تشهدها العاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها دوليًّا، على إثر مظاهرات واحتجاجات تطالب بتحسين الأوضاع وتوفير الخدمات، بينما تراها مصادر حكومية أنها مسيسة للضغط على الحكومة وتطفيشها وعرقلة عملها.