تُعدّ خديجة باكريت من الأكاديميات القلائل والقيادات النسوية البارزة في محافظة المهرة (شرقي اليمن)، حيث استطاعت أن تنتزع الكثير من المكتسبات التي تحققت للمرأة المهريّة، من خلال منصبها الرسمي كوكيلة لمحافظة المهرة، كما كرست باكريت جهودها في تشجيع النساء هناك على التعليم وإلحاقهن في مراكز محو الأمية، إضافة إلى مساهمتها في تشجيعهن على تمكينهن اقتصاديًّا من خلال دعم مشاريع معامل الخياطة وصناعة المعجنات والأطعمة، والتركيز على دعم ذوات الإعاقة.
لا تُفضل الوكيل المساعد لشؤون المرأة بمحافظة المهرة الحديث في السياسية كثيرًا، لكنها كانت قد دعت لعصيان مدني نسائي شامل في اليمن، للمطالبة بحقوق المرأة اليمنية سياسيًّا .
في حوارها مع "خيوط"، تتحدث خديجة باكريت عن شهر رمضان في المهرة، وعن جدوى تزايد المشاريع التي توفر فرص العمل للنساء في البوابة الشرقية لليمن، في ظل أوضاع الحرب المضطربة، في اليمن بشكل عام، كما أنها تتحدث عن واقع المرأة المهرية، ومواضيع أخرى ذات صلة.
حاورها: علاء محمد
*حدِّثينا بما تختزل به ذاكرة خديجة باكريت حول شهر رمضان في فترة الطفولة.
شهر رمضان المبارك من الأشهر التي لا يمكن أن تغيب تفاصيل أيامه أو تنسى لدى غالبية الأطفال، أتذكر أنني فترة الطفولة كُنت متعلقة بالأجداد، نسايرهم ونستمع إلى قصصهم ونصائحهم، وأتذكر أن شهر رمضان كان موسمًا لأجمل الألعاب الشعبية التي كنا نمارسها، كنا نلعب بأحجار نسميها (برت ارغد) في المدارس، وفي فترة الراحة كنا كطلاب نجتمع مع المعلمين ونُـكون حلقات لاكتشاف المواهب وعمل مسابقات للتزود بالمعلومات العامة.
وبعد تناول الإفطار وأداء كبارنا لصلاة التراويح، كنا نلعب لعبة "الحجار والتراب" ولعبة "الكيرم" في وقتها.
*برأيك، هل هناك فرق بين شهر رمضان في المهرة قديمًا، وفي الوقت الراهن؟
بالتأكيد هناك فروق كثيرة، صحيح أنه في ذلك الحين لم تكُن هناك كهرباء ولا تلفزيون ولا إنترنت ولا ثلاجة، كانت الحياة بسيطة بعيدة عن الضجيج الإعلامي والصراعات السياسية، لم تكن الناس تسهر كثيرًا، كان منتصف الليل هو الوقت المحدد لينام فيه الجميع، كان هناك ألفة وتآخٍ وتراحم بين الناس.
رسالتي إلى كل نساء المهرة أن يحافظن على عاداتنا وتقاليدنا ولغتنا التي نتميز فيها عن غيرنا، يجب على النساء في المهرة أن يعملن كثيرًا ويسعين لتحقيق أهدافهن، وأن يناضلن من أجل الحصول على حقوقهن"
كان أكثر الرجال يخرجون مع أطفالهم وفي أيديهم وجبات الإفطار، ويجتمعون بعد صلاة المغرب للإفطار، الغني يعطي الفقير دون أن يشعر وهكذا، كنا في المهرة كالبيت الواحد، كانت أيامًا حلوة جدًّا.
*حدِّثينا أكثر عن تدرجك في المناصب الإدارية حتى وصلت لمنصب وكيل لمحافظة المهرة.
أول عمل لي كان حينما تعاقدت في وزارة الإدارة المحلية لدى مكتب الشؤون الفنية في منصب سكرتارية الدائرة الفنية عام 2005، وكنتُ في هذي الفترة أجيد استخدام الكمبيوتر، ودرست بعض الدورات في العاصمة عدن، ومن ثَمّ الغيظة، وفي تلك الفترة كان راتبي التعاقدي 10 آلاف ريال فقط.
تدرجت في التعيينات الإدارية مدة اثني عشر عامًا حتى تم تعييني مدير إدارة سكرتارية لقطاع الشؤون الفنية بالمحافظة لمدة سنتين ثم تعيّنت وكيلة لقطاع المرأة.
*في الفترة الماضية تزايد افتتاح عددٍ من المشاريع التي تُمكِّن المرأة في المهرة اقتصاديًّا، برأيك ما جدوى تلك المشاريع؟
طبعًا في هذي الفترة تزايد عدد مشاريع تمكين المرأة بسبب الغلاء المعيشي وتدهور الاقتصاد الوطني، أصبحت الكثير من النساء يبحثن عن مهن وأعمال من خلالها يستطعن مساعدة أزواجهن في توفير لقمة العيش، ولمساعدة عوائلهن بالنهوض، وهذه هي الجدوى من تلك المشاريع التي تجد -ولله الحمد- دعمًا رسميًّا من قبل محافظ المهرة.
*قبل فترة دعوتي لعصيان مدني نسائي شامل للمطالبة بحقوق المرأة اليمنية سياسيًّا، إلى مدى كان هناك استجابة من قبل صناع القرار في البلاد؟
للأسف لم يكن هناك استجابة، رغم الحديث الدائم عن أنه يجب إشراك المرأة؛ كون المرأة لها أدورٌ هامّة في المجتمع وفي بناء السلام في اليمن.
*كيف تقيّمين وضع اللجنة الوطنية للمرأة والمؤسسات الرسمية المعنية بالنساء في المهرة؟
اللجنة الوطنية للمرأة بالمهرة لها أدوار في تفعيل الأنشطة التي تختص المرأة في المجتمع وإقامة الدورات التأهيلية والمهنية. حسب الإمكانيات المتاحة لديها، وأريد أن أنوه إلى أن المؤسسات والجمعيات المعنية بالمرأة في محافظة المهرة ما تزال تحتاج الكثير من الدعم المادي والمعنوي لتسيير أنشطتها لتكون مؤثرة وذات فاعلية في المجتمع وفي أوساط الحركة النسوية.
*على الصعيد الشخصي والعائلي، ما هي الإنجازات التي حققتها خديجة باكريت؟
كان مسقط رأسي بدولة الكويت، حيث كان يعيش والدي هناك لطلب الرزق، أسوة بملايين المغتربين اليمنيين في الخليج ومختلف البلدان، وفي تسعينيات القرن المنصرم، وبالتحديد في حرب الخليج الثانية حينما غزا صدام حسين الكويت، غادرنا الكويت إلى محافظة المهرة، حينها كنت أبلغ من العمر ستة أعوام وأدرس في الصف الأول الابتدائي، وفي مدارس منطقة جادب مديرية حوف بمحافظة المهرة واصلت تعليمي النظامي إلى أن تخرجت من الثانوية العامة، ثم انتقلت مع عائلتي إلى مديرية الغيظة حيث كان يعمل والدي في مهن حرة. أحرص دائمًا على التواصل الأسري، وفي الوقت الراهن أنا امرأة متزوجة ولدي بنتان وولد، وأعتقد أن إنجازاتي هي العيش بسعادة وإسعاد أقاربي الذين أعتبرهم سندي وقوتي.
*ما هي الرسالة التي توجهينها لنساء المهرة في الوقت الراهن؟
رسالتي إلى كل نساء المهرة أن يحافظن على عاداتنا وتقاليدنا ولغتنا التي نتميز فيها عن غيرنا، يجب على النساء في المهرة أن يعملن كثيرًا ويسعين لتحقيق أهدافهن، وأن يناضلن من أجل الحصول على حقوقهن.
وأنوه بأنّ هذا الوقت يتطلب منّا أن نقف يدًا واحدة ضد العادات الدخيلة على محافظة المهرة، تلك العادات التي تُمثّل خطرًا يهدد مجتمعنا ويؤجج الصراعات، أدعو نساء المهرة إلى المساهمة في بناء ونشر ثقافة السلام في الوطن.