رصاص عشوائي أطلقه الشيخ أحمد البيضاني (اسم مستعار) في عرس أخته، راح ضحيته مرام عبدالرحمن، وصالح ناجي (الاسمان مستعاران)؛ رُفعت القضية للمحكمة، وبعد جلسات متوالية حكمت المحكمة بدِيَةٍ لكلِّ مجنيٍّ عليه؛ لكن الذي لا يقبله عقل ولا نزل به شرع أن دية مرام كانت نصف دية صالح، وكلاهما نفسٌ بشرية معصومة، والله يقول: "النفس بالنفس"، "والجروح قصاص"، لكن حكمت المحكمة طبقًا لنصٍّ قانونيّ مخالف لشرع الله وكل المواثيق الدولية، وهذا النص المائل موجود في إحدى مواد قانون العقوبات التي تقول: "وَدِيَةُ المرأةِ نصفُ دِيَة الرجل".
ترسّخ القوانين اليمنية، بما فيها قانون الجرائم والعقوبات، ممارسات تمييزيّة ضدّ المرأة؛ إذ تتضمّن أحكامًا تُسهّل العنف والاعتداء وتكرّسه من قبل الرجل على المرأة، إذ يقول تقرير صادر عن هيومن رايتس ووتش لعام 2021، إن اليمن يستمر في تعريض النساء لـ"تمييز شديد في القانون والممارسة"، كما يأتي مُنذ أعوام في آخر قائمة الدول على مؤشر الفجوة بين الجنسين، العالمي التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي.
يأتي ذلك في الوقت الذي تحدد فيه المادة 42 من قانون الجرائم والعقوبات اليمني: "دية المرأة نصف دية الرجل، وأرشها مثل أرش الرجل إلى قدر ثلث دية الرجل، وينصف ما زاد، ويعتمد في تحديد نوع الإصابة على تقريرٍ مِن طبيبٍ مختص أو أهل الخبرة، وإذا طالت الإصابة أو سرت إلى ما لم يقدر أرشه، فيلزم حكمه بما تراه وتقدره المحكمة"، ويعتبر مختصون قانونيون هذه المادة مخالفةً لمبدأ المساواة الذي ينص عليه الدستور اليمني.
تطالب القاضية روضة العريقي، في تصريح لـ"خيوط"، بضرورة إعادة تصحيح تلك النصوص القانونية كما في هذه المادة (42) في قانون العقوبات، التي تُعتبر قصورًا وتمييزًا واضحًا ضد المرأة؛ فدِيَة المرأة كدية الرجل لا نصف دية الرجل، وأرشها كأرش الرجل، سواء كانت قليلة أو كثيرة.
في الوقت الذي التفتت فيه المرأة لحقها ورفعت صوتها مطالِبةً بإصلاح ميزان العدالة المائل، وتغيير القوانين التي تخالف الشريعة الإسلامية والدستور اليمني، والاتفاقات الدولية التي تعد الجمهورية اليمنية طرفًا فيها، فرضت جماعة أنصار الله (الحوثيين) قرارًا جديدًا يمنع المرأة من السفر من محافظة إلى أخرى ومن مدينة إلى مدينة إلا بـ"مَحْرم"، بينما الحكومة المعترف بها دوليًّا في عدن، أصدرت قرارًا مماثلًا.
في حين تنص المادة 20 من قانون من قانون الأحوال الشخصية رقم 20 لسنة 1992، على أنه: "يصح أن يتولى عقد الزواج عن طرفيه شخص واحد ينطق بصيغة الإيجاب والقبول في مجلس العقد"؛ ففي هذا النص تغييّب لحق المرأة في حضور عقد قرانها، ومِن ثَمّ يمكن لوليها الذكر أن يُزوّجها دون علمها بمن يرغب وفقًا لمزاج ولي أمرها، إضافة إلى أن المادة 156 من القانون نفسه تنص على أنه "لا يحكم للزوجة بأكثر من نفقة سنة سابقة على المطالبة القضائية ما لم يتفق الزوجان على خلاف ذلك".
المختصة في القانون والمحامية رانيا جمال، توضح لـ"خيوط"، أنّه يحق لولي المرأة عقد النكاح، لكن يجب على الأمين الشرعي أخذ موافقة المرأة قبل العقد، مؤكدةً أنّ الكثير من أولياء الأمور يعقدون دون استشارة المرأة، بل في بعض الأحيان تُزَوّج كرهًا برَجُلٍ غير مناسب لأن يكون شريك حياتها، في حين أنّ المادة الأخرى (156) من القانون مخالِفة للدستور، بل وتعتبر محل بطلان أمام الدائرة الدستورية في المحكمة العليا.
تؤكّد جمال كذلك، وجوبَ دفع نفقة المرأة إذا كانت مهجورة، وغير ذلك يعتبر حرمان المرأة من حقها في النفقة الشرعية من زوجها الذي يهجرها سنوات، ويقصر حقّها في المطالبة بنفقة سنة واحدة فقط، وحرمانها من حقّها في النفقة للسنوات الماضية، بينما يرى القاضي جياب الحدي، أنّ نصوصًا مثل هذه المواد تعتبر تمييزية ضد المرأة، حرمتها من حقّها في النفقة الشرعية طوال سنوات الهجران، وليس سنة فقط.
كما أنّ هناك تمييزًا بيّنًا في حق المرأة اليمنية من المشرع، فمثلًا المادة (72) من قانون الأحوال الشخصية رقم 20 لسنة 1992، تم حذفها كاملًا في التعديل الجديد للقانون، وكانت تنص على أنّه إذا طلّق الرجل زوجته وتبيّن للقاضي أنّ الزوج متعسف في طلاقها دون سبب معقول، وأن الزوجة سيصيبها بذلك بؤس وفاقة؛ جاز للقاضي أن يحكم لها على مطلقها، بحسب حالِه ودرجة تعسفه بتعويضٍ لا يتجاوز مبلغ نفقة سنة لأمثالها فوق نفقة العدة، وللقاضي أن يجعل دفع هذا التعويض جملة أو شهريًّا؛ بحسب مقتضى الحال.
تضارب واختلاف
لم يقتصر الدستور اليمني فقط على تأكيد المساواة بين الجنسين، بل طالَب الدولة بجعل ذلك التزامًا قانونيًّا. ولن يتحقق التكافؤ في الفرص بين الجنسين إلا بالقضاء على التمييز ضد المرأة، كما يجب على الدولة في حال ظهور أي تمييز، أن تُصدِر قوانين تجرّم التمييز وتعتبره عملًا مجرَّمًا يُعاقَب عليه مرتكِبُه.
تضيف العريقي، لكي تضمن المرأة اليمنية حقوقها المشروعة، يجب أن تخضع تلك المواد القانونية التمييزية إلى التعديل حتى يكون هناك مساواة بين الجنسين.
يجب نشر الوعي القانوني وتعريف المجتمع بحقوقهم المكفولة في الدستور، حتى يعلم المجتمع أن الدستور لم يظلم أو يميز بين الرجال والنساء، وإنما هناك بعضٌ من المواد التي يجب أن تخضع للتعديل؛ بحسب كلام المحامية رانيا جمال لـ"خيوط".
وتختم رانيا قولها، لم يكن القانون وحده من يهمش المرأة ويحرمها من حقوقها، بل إن العادات والتقاليد السلبية، التي تسيطر على المجتمع وتعتبر المصدر الثالث للقانون، حرمت المرأةَ اليمنية أيضًا من أبسط حقوقها التي كفلها الدستور اليمني. والملاحِظ للقانون اليمني يرى أنه لا يوجد قانون يساوي المرأة بالرجل، بل معظم القوانين تمييزية ومخالِفة للدستور وموادّه، وهذا شجّع على العنف القائم على النوع الاجتماعي، وأحدثَ تضاربًا واختلافًا كبيرَين بين الدستور والقوانين.
ينص الدستور اليمني في المادة (41) على المساواة بين جميع المواطنين، رجالًا ونساء، في الحقوق والواجبات، كما ينص في المادة (31) على أنّ النساء شقائق الرجال، ولهن من الحقوق وعليهن من الواجبات ما تكلفه وتوجبه الشريعة وينص عليه القانون.
بحسب الدستور اليمني كذلك؛ تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين، سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا، وتصدر القوانين لتحقيق ذلك، وتؤكّد الدولة العمل بميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وميثاق جامعة الدول العربية وقواعد القانون الدولي المعترف بها بصورة عامة. لكن الملاحَظ أنّ صياغة المادة (31) خفّفت ضمانة المساواة بين الرجال والنساء الذي تضمنته المادة (41) من الدستور اليمني.
يَعتبِر تقريرٌ لمنظمة العفو الدولية أنّ هذه المادة تؤيّد فكرة سيطرة الرجال على النساء. فيما يلفت المحامي الدكتور عبدالمؤمن شجاع الدين، في حديث لـ"خيوط"، إلى أن هناك الكثير من القوانين التمييزية التي ضربت خاصرة العدالة وطعنت قلب الدستور، ففي عشرات القضايا رأينا في القانون ما همّش المرأة وسلبها حقوقها، سواء كان في الدية أو الأرش أو النفقة وغيرها، مشدّدًا على أن الحل هو الطعن للمحكمة العليا بعدم دستورية هذه القوانين.
بحسب اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة (سيداو)، فإنَّ المعايير الاجتماعية والثقافية تعتبر سببًا للعديد من انتهاكات حقوق المرأة، و"تلتزم الدول باتخاذ التدابير المناسبة للقضاء على هذه المعايير ومنع التمييز على أساس النوع الاجتماعي والتمييز المتعدد الجوانب والعنف القائم على النوع الاجتماعي، وغير ذلك من انتهاكات حقوق الإنسان ذات الصلة".
قرارات وقيود
في الوقت الذي التفتت فيه المرأة لحقها ورفعت صوتها مطالِبةً بإصلاح ميزان العدالة المائل، وتغيير القوانين التي تخالف الشريعة الإسلامية والدستور اليمني، والاتفاقات الدولية التي تعدّ الجمهورية اليمنية طرفًا فيها، فرضت جماعة أنصار الله (الحوثيين) قرارًا جديدًا يمنع المرأة من السفر من محافظة إلى أخرى ومن مدينة إلى مدينة إلا بمحرم، بينما الحكومة المعترف بها دوليًّا في عدن أصدرت قرارًا مماثلًا، وهو منع قطع جواز سفر أو بطاقة شخصية إلا بوجود المحرم وبطاقته وموافقته.
من غير الممكن أن يتم صنع فارق في تغيير هذه التشريعات بالوقت الحالي، ويُعزى ذلك إلى "الانقسام الحاصل بين مجلس النواب، الذي يمثَّل السلطة التشريعية بين الحكومة المعترف بها دوليًّا والحوثيين، وكلاهما عاطلان عن العمل"، فضلًا عن أنّ مسودة المشروع "تحتاج إلى إعادة صياغة".
تقول رضية المتوكل، رئيسة منظمة مواطنة لحقوق الإنسان، إن الحرب زادت من الضغط والتمييز ضد المرأة بحرمانها حتى من حقوقها المكفولة في الدستور والقانون، مثل حق التنقل، حيث استحدثت الأطراف المختلفة، وخاصة جماعة أنصار الله إجراءات تمييزية تفرض على المرأة موافقة أو وجود المحرم أثناء التنقل، في مخالفة صريحة للدستور والقانون.
أما المحامية والناشطة في مجال حقوق الإنسان، عفراء حريري، فتتحدث لـ"خيوط"، عن أنّ قرار المحرم ليس له أي سند قانوني، سواء في مناطق "الحوثيين" لسفر المرأة، أو في مناطق الحكومة المعترف بها دوليًّا عند حجزها غرفة فندق؛ في الحالتين المحرم مطلوب، وعند استخراج جواز السفر، وتُبدي حريري -بخصوص طلب المحرم عند استخراج الجواز واتباع الأمر كالعُرف- خشيتَها أن يتحول إلى نص قانوني.
ويعتبر مختصون أنّ مثل هذه القرارات خلقت عوائقَ عديدةً تجاه المرأة المكبلة بالقوانين التمييزية والعادات والتقاليد والأعراف البالية التي تنتقص من حقها.
القاضية العريقي، تصف هذه القرارات بأنها عبثية، وتصب الزيت على النار، فوق ما تعانيه المرأة من قيود، أضافوا لها سلاسل أخرى غير موجودة في القانون اليمني والشريعة الإسلامية.
من جانبه، يرى أمين شمسان، مدير التخطيط والمتابعة بوزارة حقوق الإنسان، أن قرار فرض المحرم هو سياسي بحت، حيث وجدت حكومة صنعاء أنّ الناشطات بدأنَ بالتمرد والخروج عن إطار طاعة الدولة، والسفر للمطالبة بحقوق الإنسان والرواتب وغيرها، حيثُ غدا صوت المرأة مسموعًا أمام المجتمع الدولي.
كما أنّ للطرفين مبررات للمحرم تم سماعها، إلّا أنّها لم تُنشَر على الأقل كي تُعرَف الأسباب الحقيقية وراء ذلك التعنت. ولا يجدي نفعًا الآن أن تزداد القيود على النساء في حالة لا سلام ولا حرب هذه؛ لأنّ النساء تصَدّرن مشهد تحمّل المسؤولية بشكل أكبر، وأقل فسادًا، وأكثر عددًا، وصِرن عوائل لأُسَر كثيرة، واتسعت رقعة نضالهن، وهذا يعني أنّ العودة إلى الوراء لن تحدث كما تريد هذه الأطراف.
محاولات للتغيير
في خضم هذا التضارب بين الدستور والقوانين التمييزية، والقرارات الجديدة ضد المرأة اليمنية، هناك أصوات شجاعة ومنابر عملاقة من نسويات في المجتمع المدني أوصلن معاناة المرأة للعالم.
في ديسمبر من العام الماضي، أُقيمت في عدن القمة النسوية السادسة التي حضر فيها أكثر من 200 قيادية من جميع محافظات الجمهورية، ناقشت كل قضايا النساء وهمومهن، ومنها القوانين التمييزية وفرض مَحرم لسفر المرأة، وجاء هذا متزامنًا مع حملة الـ16 يومًا لمناهضة العنف ضد المرأة.
كان هناك مطالبات بأهمية تناول ملف الانتهاكات ومستويات العنف ضد النساء وردود فعل المجتمع، وتقييم مساعي القمة النسوية واستراتيجية الحركة النسوية، والاستحقاق القانوني الوظيفي في وصول المرأة للمواقع القيادية، ودور منظمات المجتمع المدني والمنظمات النسوية في تحقيق العدالة الانتقالية، إضافة إلى انعكاسات العمل السياسي على سلك القضاء والقطاعين الأمني والعسكري وأجندة التنمية المستدامة.
تؤكد حريري أنه من غير الممكن أن يتم صنع فارق في تغيير هذه التشريعات بالوقت الحالي، وعزت ذلك إلى "الانقسام الحاصل بين مجلس النواب، الذي يمثَّل السلطة التشريعية، بين الحكومة المعترف بها دوليًّا والحوثيين، وكلاهما عاطلان عن العمل"، فضلًا عن أنّ مسودة المشروع "تحتاج إلى إعادة صياغة، وتسميتها تحتاج إلى تغيير أيضًا، بحيث تستوعب الكثير من القضايا والوقائع والمتغيرات، وتشمل أوضاع العنف ضدَّ المرأة في فترة الحرب والسلام".
القائمة بأعمال مدير منظمة اتحاد نساء اليمن بعدن، فالنتينا، تقول لـ"خيوط"، إن اتحاد نساء اليمن له دور كبير في دعم المرأة التي هي عمود الأسرة، بل هي المجتمع بأكمله، فهي من أنجبت الرجل، وهنا دور الاتحاد مع كل الكيانات التي تدعم حقوق المرأة، ولم تقف مكتوفة الأيدي، بل تقدّمت بمصفوفة المطالبة بتغيير هذه المنظومة التمييزية بقوانين عادلة منصِفة تعطي للمرأة حقوقها في موضوع الدية وغيرها.
وإجمالًا، تستخلص "خيوط"، أنّه لا يوجد في الشرع الإسلامي ما يُثبت أنّ دية المرأة نصف دية الرجل، ولكنه اتفاق العلماء، وهنا يجب الالتزام بما ورد في القرآن وليس بالاجتهادات، إذ ينص القرآن على: "النفس بالنفس"، "والجروح قصاص"، ولم يميز بين امرأة ورجل، وورد في حديثٍ صحيح منسوب للنبي قوله: "لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تُستأذَن"، في حين لم ترد أي آية في القرآن، تقول إنّ دية المرأة نصف دية الرجل، وهو ما يوجب تعديل هذا النص القانوني الوضعي لإنصاف المرأة.