استبقت جماعة أنصار الله (الحوثيين) حملة الاعتقالات الأخيرة التي تنفذها منذ يوم الخميس 19 سبتمبر/ أيلول، وما سبقها من حملات لم تتوقف طوال الفترة الماضية، شملت موظفي الأمم المتحدة وأعضاء المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية، الوطنية والدولية؛ بقرارات أثارت جدلًا واسعًا باستهدافها السلطة القضائية من خلال مشروع تعديلات قانون السلطة القضائية وما تبعه من تعيينات في مناصب عليا من خارج السلطة القضائية.
وتضمّن مشروع التعديلات الذي تم تمريره عبر مجلس النواب التابع لسلطة جماعة أنصار الله (الحوثيين) المنتهية ولايته، منح صلاحيات تُجيز لما حدّده مشروع القرار برئيس الجمهورية (جماعة الحوثي تطلق على رئيس سلطتها: رئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط)، للاعتبارات التي -وفقًا لقوله- تدعو إليها المصلحة العامة، أن يعين بقرار يصدر منه أعضاء في وظائف ودرجات السلطة القضائية من خارج أعضاء السلطة القضائية خلال فترة ثلاث سنوات من تاريخ صدور هذا القانون، ويتم اختيارهم من بين أساتذة كليات الشريعة والقانون بالجامعات اليمنية أو من علماء الشريعة الإسلامية الحاصلين على إجازات علمية في الفقه المشهود لهم بالنزاهة والكفاءة والإصلاح بين الناس.
وذلك مع عدم الإخلال بحق المحامي في الدفاع عن نفسه على قضاة المحاكم، ووضع المحامِين الذي يثبت تضليلهم للعدالة أو عرقلة إجراءات التقاضي بدفوع كيدية، ضمنَ قائمة الممنوعين من الترافع أمامها مدة لا تقل عن ثلاث سنوات، ويعمّم بذلك على بقية المحاكم.
ترى نقابة المحامِين اليمنيين أنّ تلك التعديلات استهدفت الطريق القانوني السليم في الإصلاح المرتقب، فبدلًا من تفعيل القوانين النافذة، والبحث عن أسباب الاختلالات القائمة وإيجاد المعالجات لها، حادت عن كل ذلك، لتخرج بتعديل تشريعي مصاب بعوار جسيم دستوري وقانوني وواقعي، وتؤكّد النقابة رفضها لأي مساس باستقلال القضاء، الذي يمثل حصن الحقوق والحريات.
ووقفت نقابة المحامِين في اجتماع طارئ عقدته الأسبوع الماضي، أمام مشروع تعديلات قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 1991، الذي قالت إنّها فوجئت بتقديمه من الحكومة لمجلس النواب، واستعرضه في جلسته المنعقدة الأربعاء 11 سبتمبر/ أيلول 2024، حيث قُرِّر التعديل بزعم أنه يأتي لضرورة الإسراع في إصلاح الاختلالات وأوجه القصور في أجهزة السلطة القضائية .
تعديلات في مرحلة حرجة
يقول محامون وخبراء في القانون، إنه من خلال إمعان النظر في التعديلات المقدمة، نجد أنّها تعكس رغبات فردية لإخضاع السلطة القضائية، وتحويلها من سلطة مستقلة إلى هيئة تابعة للسلطة التنفيذية.
وتؤكّد نقابة المحامِين اليمنيين أنّ إصدار المشروع الذي وصفته بالكارثي، جاء في خضم الاحتفالات بذكرى المولد النبوي، ليمثل انتكاسة تشريعية، ويعكس رغبة جادة في تمزيق اللُّحمة الوطنية وتعميق مفاهيم الانفصال التشريعي على أرض الواقع، وهو الأمر الذي يعكر صفو تلك المناسبة الشريفة، ويعمل على شق الصف الوطني، ويمثّل مساسًا بالوحدة التشريعية للبلاد .
يأتي ذلك مع عدم الحاجة لإجراء أيّ تعديلات قانونية في هذه المرحلة الحرجة، خاصة أنّ مشروع تلك التعديلات بعيدة كل البعد عن المنطق التشريعي السليم (عملي، علمي، فلسفي)، وأنّ كافة المبررات التي سيقت كانت أشدّ سوءًا من التعديلات ذاتها، حيث تدثرت بالإصلاح القضائي وهي بعيدة كل البعد عنه .
إضافة إلى أنّ مشروع التعديلات يشكّل انتهاكًا صارخًا لمبدَأَي الفصل بين السلطات، واستقلال السلطة القضائية، المنصوص عليهما في دستور الجمهورية اليمنية، وكافة الدساتير للدول المتحضرة، ولم يقف الأمر عند ذلك الحد، بحسب ما ورد في بيان صادر عن نقابة المحامِين اليمنيين، اطلعت عليه "خيوط"، بل إنّ المذكرة الإيضاحية مسّت مساسًا مباشرًا بقدسية الأحكام الدستورية، عندما صرّحت بأنّ الحكم الدستوري الصادر في القضية رقم (20/23) لسنة 1434هـ، في جلسة الدائرة الدستورية بتاريخ 26/5/2013م، بعدم دستورية عددٍ من مواد قانون السلطة القضائية، زاعمة أنّ ذلك الحكم إنّما أتى نتيجة لمماحكات سياسية بين شركاء الحكم حينذاك.
استهداف حصن الحقوق والحريات
ترى نقابة المحامِين اليمنيين أنّ تلك التعديلات استهدفت الطريق القانوني السليم في الإصلاح المرتقب، فبدلًا من تفعيل القوانين النافذة، والبحث عن أسباب الاختلالات القائمة وإيجاد المعالجات لها، حادت عن كل ذلك، لتخرج بتعديل تشريعي مصاب بعوار جسيم دستوري وقانوني وواقعي .
وتؤكّد نقابة المحامِين رفضها لأي مساس باستقلال القضاء الذي يمثّل حصن الحقوق والحريات، إذ يتجلى ذلك بإلغاء شرط المؤهل الجامعي ومؤهل معهد القضاء فيمن يعتلي منصة القضاء، واستبدال ذلك باستثناء يتضمن معايير مطاطية غير منتظمة (علماء الشريعة الإسلامية الحاصلين على إجازات في الفقه والمشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والإصلاح بين الناس)، وفقًا للتعبير الوارد في ذلك التعديل .
وأبدى محامون وقانونيون رفضهم لمشروع التعديلات، الذي حملَ في طياته استهدافًا مباشرًا بغية النيل من مهنة المحاماة؛ وذلك بإعطاء الحق لقضاة المحاكم في المادة (122) فقرة (ب)، بوضع المحامِين ضمن قائمة الممنوعين من الترافع أمامهم، بمدة لا تقل عن ثلاث سنوات، بمزاعم واهية عالجتها المادة (170) من قانون المرافعات النافذ، وهو ما يمثّل انتكاسة تشريعية وحقوقية فعلية.
المحامي عبدالمجيد صبرة، يرى في هذا الخصوص، أنّ هذه النصوص القانونية لا علاقة لها بالعدالة، ولا بحسن سير العدالة، وإنما صياغتها واعتمادها جاء لأغراض سياسية، لخدمة الأيديولوجية التي تنتهجها جماعة الحوثي ذات النمط والتوجه الفكري الواحد، حيث سيتم تعيين قضاة من طلاب معهد العلوم الشرعية الذين تُعِدّهم الجماعة منذ فترة، وهذا يعني استكمالًا للسيطرة المطلقة على السلطة القضائية.
كما سيتم استهداف كيان نقابة المحامين برمته من خلال النص الآخر؛ كون نقابة المحامين هي الكيان الوحيد الذي لا يزال يتمتع باستقلالية نوعًا ما، وإن كانت غير مكتملة.
وباختصار، فهذه النصوص التي تم تمريرها -بحسب صبرة- سيتم توظيفها في الغالب لاستهداف غير الموالين للجماعة من القضاة والمحامين، كما هو حال النيابة والمحكمة الجزائية المتخصصة، ولهذا يجب وقوف جناحَي العدالة، القضاة والمحامين، بشكل قوي وبكافة الطرق الممكنة للعدول والتراجع عن هذه التعديلات.
انتهاكات جسيمة للدستور
تم لمجلس النواب المنتهية ولايته، تمرير مشروع التعديل الخاص بقانون السلطة القضائية بعلاته وعلله ومرضه دون نقاش، كما هو المعتاد؛ الأمر الذي أثار سخط واستهجان ونقد العاملين والمختصين في الشأن القانوني والقضائي، حيث صدرت التعديلات، وتبعها في اليوم التالي تشكيل مجلس القضاء بناءً عليها.
منتدى قاضيات اليمن رفض هذه التعديلات المخالفة للدستور، بالتوازي مع الحرص على كل جهد يُبذل لتصحيح وضع السلطة، وفقًا للدستور والقوانين النافذة، محمِّلًا المسؤولية قيادةَ السلطة القضائية المعنية بالدفاع عن السلطة القضائية ومكتسباتها، وكذا وزير العدل الذي قدم المقترح باسمه، إضافة إلى مجلس النواب الذي يتحمل المسؤولية التاريخية، حيث أقر الاقتراح دون مراعاة الإجراءات المتبعة والنصوص الدستورية النافذة.
وأبدى منتدى قاضيات اليمن استغرابه وذهوله أمام ما جرى من إعداد مشروع تعديل بعض قوانين السلطة القضائية وإقراره من مجلس النواب في طرفة عين، إذ تضمن -بحسب منتدى قاضيات اليمن- انتهاكات جسيمة لدستور الجمهورية اليمنية، والانقلاب على حكم الدائرة الدستورية الصادر في 26/ 3/ 2013.
تمثّلَ ذلك في إعادة هيمنة السلطة القضائية ووضع يدها على السلطة القضائية من خلال منحها، في التعديل، صلاحيات تعيين قيادة السلطة القضائية وقضاتها بصورة مباشرة ودون معايير، وكذا إباحة تعيين كوادر قضائية من خارج أعضاء السلطة القضائية لا صلة لهم بالقانون، ويُكتفى بمسمى الإجازة العلمية في الفقه، في سابقة لم يحصل لها مثيل في العالم المعاصر.
فضلًا عن إعادة وزير العدل إلى عضوية مجلس القضاء الأعلى، ليستعيد مجددًا هيمنة السلطة القضائية على القضاة من داخل المجلس، خلافًا للحكم الدستوري. أيضًا، تضمّنت التعديلات نصوصًا عقابية للمحامين تتعارض مع أبسط مبادئ حقوق الدفاع. ودعا المنتدى قضاةَ اليمن لعقد اجتماع طارئ لتدارس الوضع، والخروج برؤية واضحة وموحدة بما فيها خيار الدعوة لاجتماع الجمعية العمومية.
قرارات الأمر الواقع
ووضع القانونيّ والمحامي عبدالعزيز البغدادي رؤيته في هذه التعديلات، حيث حمّل سلطات الأمر الواقع -التي تقاسمت العبث بهذا البلد منذ حوالي ثلاثة عشر عامًا، وفقدت اليمن خلالها ما تبقى من سيادتها، وفقدَ المواطن اليمني أسباب العيش الكريم، ومن المعلوم أنّ صفة سلطة الأمر الواقع، إنما تكون لفترة لا تتجاوز العام- حمّلها كامل المسؤولية الوطنية والقانونية والأخلاقية عن المناطق التي تحت سيطرتها منذ بسط سلطتها عليها، وتقوم بواجب حماية المنظومة التشريعية النافذة، وتسعى نحو حوار جادّ وصادق مع بقية الأطراف لإنهاء الانقسام، والترتيب لانتخاب مجلس نواب حر مستقل، غير موظف لدى أيّ سلطة سياسية أو تنفيذية.
كما أنّ لمجلس النواب المنتخب وحده وبكامل حريته، ممارسة صلاحيات السلطة التشريعية والرقابية المستمدة من الدستور المستفتى عليه، أو إجراء أي تعديلات ضرورية، وفقًا لدراسة مسؤولة وجادّة.
وحيث إنّ سلطات الأمر الواقع مؤقتة، فإنّها لكي تُبرهن على الإحساس بمسؤوليتها تجاه اليمن والإنسان اليمني، يجب أن تسعى بجدّ للحوار والاستعداد لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية حرة ونزيهة، تمارس كامل صلاحياتها الدستورية والقانونية واحترام مبدأ سيادة القانون والفصل بين السلطات والتداول السلمي للسلطة على كامل اليمن.
وقال البغدادي: "إنّ مجلس النواب من البديهي أنه المسؤول الأول عن إصدار أيّ قانون باعتباره السلطة التشريعية، والمجلس الحالي تقع عليه المسؤولية من جهتين؛ الأولى قبوله تمرير هذا القانون، وقبله ما يسمى: (قانون منع المعاملات الربوية) أو أيّ قوانين أو تعديلات، ومن جهة ثانية أنّ شرعيته منتهية منذ أكثر من عشرين عامًا، ومفهوم روح نص إحدى المواد أنّه إذا حالت ظروفٌ دون إجراء الانتخابات في موعدها، تمدّد مدة بقاء المجلس الحالي حتى زوال الظرف الطارئ، وينبغي ألّا تتجاوز مدة التمديد ستة أشهر أو عامًا بالكثير، كما في جميع دول العالم؛ أي إنّ المجلس منذ ذلك الحين بات حكمه حكم سلطات الأمر الواقع، وعليه مراعاة ذلك وعدم القيام بما لا يملك".
أما معدّ المشروع، فيرى البغدادي أنه من الواضح أن هدفه تحقيق رغبات ليست مهتمة باحترام مبدأ الشرعية والمشروعية ولا بوحدة اليمن، أو ردود الأفعال تجاه التعديل الغريب عن بيئة القانون.
وبخصوص القضاة، قال البغدادي في رسالة نشرتها نقابة المحامين اليمنيين؛ إنها حكمت عقول كثير منهم على مدى عقود النرجسية التي تقتل الضمير والوجدان، وجعلوا العدالة مفهومًا قابلًا للاحتواء والتملك، ولم يروا أخطاءهم مثل رؤيتهم أخطاء الآخرين، وبئس المسلك، خاصة حينما يكون سالكه قاضيًا يفترض أنّ لديه القدرة على التمييز بين الحق والباطل، وشجاعة في اتباع طريق العدل والحرية مهما كانت التبعات، ومن المؤكد أنّ اعتبار سلطة القضاء دائرة مغلقة يتحكم فيها لوبي يمثّل مصالح العاملين فيها، مسلكٌ كارثي، ومثل هذه التعديلات والقوانين إحدى ثماره.
ومع ذلك، فهذا المسلك لا يعطي سلطة الأمر الواقع ولا أيّ توجه سياسي أو أيديولوجي، الحقَّ في أن يرثوا ما استولت عليه الدائرة المغلقة لتنقلها إلى دائرة أكثر انغلاقًا، فكلاهما مسلك خطر ويمس بنية الدولة في الصميم.
أما المحامون فيرى البغدادي أنه منذ صدور قانون المحاماة وعلى مدى عقود، لم يدفعوا بعمل النقابة إلى مستوى النقابات التي فرضت حضورها في الساحة الحقوقية والقانونية، بل والوطنية، إلى المستوى الذي يليق بمهنة المحاماة بصفتها مهنة علمية حرة، والمحامون شركاء القضاة في تحقيق العدالة، وليسوا مجرد عون في ذلك، كما يرى بعضهم، والفرق واضح بين المعين والشريك؛ فالمعين قد ينصرف مفهومه إلى التبعية للقاضي، وكأن العدالة مرتبطة بقناعته، وليست عملًا تشاركيًّا أساسه إعمال العقل في البحث واستجلاء أساليب ومتطلبات احترام الدستور والقوانين كمبدأ يتأسس عليه استقلال القضاء والقضاة، وبعض القضاة والمحامين، مع الأسف الشديد، يفهمون ذلك بصورة تخالف جوهر العدالة ومتطلباتها، مع التقدير لكل جهد قامت به النقابة في الدفاع عن المحامين، أيًّا كان حجمه، والتضامن معهم ضد كل الانتهاكات التي واجهوها، وما أكثرها، ومنها ما يشكّله هذا التعديل من خطر على مكانة مهنة المحاماة عند من يقدّرها حق قدرها.
أن من حق الإنسان اللجوء إلى القضاء وقول دعواه، صادقة أو كاذبة، والقاضي هو من يقرر بخصوصها، فإذا كان الأمر أن نلزمه بقول الصدق، فإن الصادق أصلًا لن يحضر أمامنا ولا قضية له، وما عمل القاضي في عمومه إلا تمييز الحق من الباطل والصادق من الكاذب، فكل تشريع بالهوى يخالف النظام".
ويضيف البغدادي: "إذا كانت المشكلة قد بُنيت على خطأ الاستعجال في سلق القوانين -كما أؤكد باستمرار- أقل ما يوصف به أنه غير موفق، فهل من المناسب مواجهة التعديلات المستعجلة بمجرد بيانات ومواقف مستعجلة؟! في حين أنّ الحكمة تقتضي البحث عن حلّ جذري حقيقي يتضمن:
أولًا- تقوم نخبة من القضاة والمحامِين بدراسة التعديلات بتأنٍّ؛ لأنّ ردود الأفعال والحلول المستعجلة لا تؤدي إلا إلى نتائج أكثر سوءًا ممّا تسبّبت به التعديلات المستعجلة. هناك مَن قد يرى أن أوان ذلك قد فات ووقع الفأس في الرأس، والرد يمكن تبسيطه في أن رأس الدولة أو سلطاتها المؤسسة ليس كرأس المواطن الفرد، وكل خطأ يمكن تصحيحه في أي وقت، المهم وجود إرادة التصحيح.
ثانيًا- على ضوء الدراسة المتأنية للتعديلات، تُتخذ الإجراءات والمواقف المناسبة تأسيسًا على مبدأ عدم جواز إصدار أي تشريعات في هذه المرحلة، فضلًا عن كونها تمس استقلال القضاء وتشرعن للسلطة التنفيذية التدخل في شؤونه، ومن المؤكد أنّ المطلوب رفد مؤسسة القضاء بالكوادر المؤهلة الحاصلة على شهادة رسمية من كليات الحقوق أو الشريعة والقانون المعتبرة، وفي المقدمة المحامون، بعد تصحيح أوضاع المهنة والنقابة، طبعًا كما في بلدان العالم المتمدن؛ لأنّ المحامِين يوصفون بالقضاء الواقف، وليس بناءً على معايير مطاطة قابلة لتأويلات غير منضبطة، فالإجازة من أفراد يُطلق عليهم علماء، لم تعُد مستساغة؛ لتغير الظروف، والقانون والشريعة قواعد وأصول معروفة ومحترمة لدى جميع الدول التي تقيم للعدالة وزنها وتحترم الحقوق والحريات، وتُعمِل ذلك على أساس من العلم بالقانون ومبادئ الدستور".
جهود لمناهضة التعديلات
ونبّه المحامي إسماعيل المداني إلى ما قال إنها أخطاء فاحشة وردت في مشروع تعديلات قانون السلطة القضائية، وبوجه خاص في السلطة المطلقة التي خوّلها للقضاة في كافة الدرجات، في منع المحامي من مزاولة المهنة مدة ثلاث سنوات.
وأكد أن المحامِين خبراء في فقه الشريعة والقانون، أمضى بعضهم نحو 40 عامًا في الاشتغال بالعمل القانوني، وأنهم علاوة على ذلك مواطنون يكفل الدستور والقانون حماية حقهم في العمل، وأن حرمان أي مواطن من ذلك الحق يجب أن يُقيّد بضمانات تكفل عدم المساس به، إلا لظروف خاصة مع ضمان عدم التعسف في إيقاع تلك العقوبة المصيرية، وأنهم لا يقِلّون شأنًا عن زملائهم رجال القضاء، بل إنّ منهم مَن زهد في العمل القضائي واستقال منه ليعمل بمهنة حرة يشتغل فيها بما يستريح له ضميره. متسائلًا: هل أدرك مُعِدّو مشروع القانون عواقبه على العدالة؟! حيث لن يبقى محامٍ يملك الجراءة على معارضة أيّ قرار لقاضٍ أو الطعن فيه، خشيةَ ردة فعل القاضي الذي أُعطي سلطة قطع معاشه وسبب رزقه، ونحن ندرك أن الفساد وسوء الأداء يتعلق بإداء حوالي 80 من قضاة المحاكم الابتدائية.
القاضي العلامة/ أحمد الخبي، قال في هذا الخصوص: "حين أقرّر عدم تطبيقي للنص المتعلق بالمحامِين، فليس هذا من باب الجهل والتعالي، بل من باب التزامي بالنظام والقانون، النظام الذي يتسق وما استقرت عليه شريعة الله تعالى وشرائع البشر؛ أنّ من حق الإنسان اللجوء إلى القضاء وقول دعواه، صادقة أو كاذبة، والقاضي هو من يقرر بخصوصها، فإذا كان الأمر أن نلزمه بقول الصدق، فإن الصادق أصلًا لن يحضر أمامنا ولا قضية له، وما عملُ القاضي في عمومه إلا تمييز الحق من الباطل، والصادق من الكاذب، فكل تشريع بالهوى يخالف النظام".
وتؤكد نقابة المحامِين رفضها القاطع وموقفها الواضح تجاه مشروع التعديلات لقانون السلطة القضائية، وتهيب بجميع المحامين وأعضاء السلطة القضائية، الوقوفَ صفًّا واحدًا للتصدي لهذه التعديلات، كما تهيب باتحاد المحامين العرب وبجميع منظمات المجتمع المدني، الوقوفَ مع النقابة لمساندة موقفها المناهض لهذه التعديلات .