من أسوأ ما خلّفته الأحداث في: تونس - ليبيا - مصر - اليمن - سوريا – السودان، إعادةُ تركيز أعين أجهزة الرقابة نحو الصحفيين والصحفيات إلى الحد الذي تحولت فيه مهنة الصحافة إلى نقمة تطارد منتسبيها في كل مكان.
كان كافيًا أن يخفي الصحفي هُويته خلف اسم مستعار للكتابة إلى حدٍّ ما من حدود القول المباح، لكن التقدم التكنولوجي والتطور المتسارع في هذا الجانب، وما صاحبه من تقنيات وخوارزميات، وسّع من وسائل المراقبة وجعل من الممكن لأجهزة المراقبة تتبع شخص لا يربطه بالمحيط الخارجي غير جهاز هاتف نقال في أي مكان حلّ وأي رسالة بعثها أو صورة تصفحها أو مقالة مكث فيها 10 دقائق أكثر من غيرها.
في هذا الواقع، تبدلت الشعارات التي كانت السمة السائدة لعصر ما قبل الطفرة الإلكترونية، وتحوّلت حرية الصحافة إلى هاشتاق ورسم بياني يحلل التفاعل المفترض.
بيئة مليئة بالأشواك
حرية الصحافة لم تعد تتوقف عند حدود التعبير عن الرأي فقط، كما أنّ الصحافة الجيدة راهنًا هي واقع مختلف عن مجرد كتابة مقالة، تتطلب الغوص في التفاصيل التي لا يراد لها الظهور والانتشار ما يمكن الجماهير العريضة من اتخاذ قرارها السليم في اللحظة المناسبة، وهذا القرار قد يحدو بحكومةٍ ما أو وزارة فيها إلى الاستقالة أو الاعتذار والتصحيح وتحمّل نتائج ما أقدمت عليه، وهنا فقط يمكن قياس أهمية الحريات الصحفية في العالم وما الذي يمكن أن تحدثه من تغيير في الواقع، وهي مهمّة من المؤكد أنها صعبة وتتطلب قدرًا واسعًا من الحرية والمسؤولية.
وهذا ما يؤكّد عليه الزميل بسام غبر، في حديثه لـ"خيوط"؛ أنّ حرية الصحافة تقود إلى الجودة الصحفية، والجودة الصحفية مرتبطة بمدى ارتباط العمل الصحفي بالبيئة التي يعيش فيها الصحفي.
الصحفيون اليمنيون ينظرون لليوم العالمي لحرية الصحافة كفرصة لإطلاع العالم على كيف يعمل الصحفيون اليمنيون، وفي أية ظروف يعملون، وما الذي يعيشونه ميدانيًّا، على كل المستويات، في كل مناطق النزاع.
يعيش الصحفي اليمني، وفقًا لغبر، في بيئة صحفية معقدة، كثيرًا ما يضيق فيها هامش الحرية إلى أدنى حد منذ سنوات، وعلى الرغم من ذلك يحاول بعض الصحفيين اليمنيين أن يُكوّنوا لهم تقارير وتحقيقات وأعمال صحفية نوعية تجسد معنى الصحافة الجيدة، وتتحلى بالمسؤولية، متحدين كل المعوقات للعمل الصحفي.
التأقلم مع الواقع المر
الزميلة صفية مهدي، تجد أنّ الصحفيين اليمنيين فقدوا الكثير من مساحة الحرية التي كانت متاحة، والتي ناضل لأجلها الصحفيون والصحفيات لسنوات طويلة.
وتؤكد لـ"خيوط"، أنّ الصحفيين اليمنيين رغم ذلك، يبحثون عن المناخ الآمن الذي يستطيعون من خلاله أداء الرسالة الإعلامية، ويحاولون قدر الإمكان التأقلم مع الظروف التي لم يعُد لمساحة حرية الصحافة فيها نصيب.
الأمر ليس مجرد شعور بالحرية، في واقعٍ تؤكّد فيه الإحصائيات الصادرة عن لجنة الحريات في نقابة الصحفيين اليمنيين، العديدَ من حالات الانتهاك الجسدي للصحفيين على امتداد الرقعة اليمنية، ووفقًا لنقابة الصحفيين اليمنيين في تقريرها للربع الأول من العام الجاري 2023، فقد وثّقت 20 حالة انتهاك للحريات الصحفية خلال الفترة (1 يناير - 30 مارس)؛ منها 6 حالات حجز حرية، و7 حالات تعامل قاسٍ مع صحفيين معتقلين، وحالتَي إيقاف راتب، وحالة اعتداء جسدي، وحالتَي تهديد، وحالة مصادرة مقتنيات.
يومٌ نذكر فيه العالم كيف نعيش
من جانبه، يقول الزميل الصحفي محمد علي محروس- مدقق المعلومات في منصة "حقيقة"، لـ"خيوط"، إنّ الصحفيين اليمنيين ينظرون لليوم العالمي لحرية الصحافة، كفرصة لإطلاع العالم على كيف يعمل الصحفيون اليمنيون، وفي أية ظروف يعملون، وما الذي يعيشونه ميدانيًّا، على كل المستويات، في كل مناطق النزاع.
وحسب محروس، فإنّ الصحافة الحرة تجسّد تطلع المجتمع الذي تعيش فيه، بينما نحن في اليمن نعيش عدم ثقة بين الصحفيين والمجتمعات، وهذا ما نلمسه ونعيشه كل يوم؛ نتيجة غياب الحرية الصحفية وحق الحصول على المعلومات.
في حين، يرى بسام غبر، أنّ حرية الصحافة تعني للمجتمع وجود أداء مهني سليم، باعتبارها مرآة المجتمع وعدم توفر المناخ الملائم للصحفي، يمنع هذه المرآة من نقل الحقيقة ويؤثر على جودة العمل الصحفي؛ وبالتالي المتضرر هو المجتمع.
وتضيف الزميلة صفية مهدي، أنّ الصحافة يجب أن تكون لسان حال المجتمعات في قضاياها المختلفة، والتي تعرض معاناة ومصالح الناس، وتعزز الوعي في أوساط المجتمع، وبكل تأكيد فإنّ المناخ المعادي لحرية الصحافة يعني أن تمر الكثير من قضايا الفساد، وحتى الحقائق يتم توظيفها أحيانًا بطرق تعبئة تحقق أغراض نافذين أو جهات سلطوية.
#اليوم_العالمي_لحرية_الصحافة #WorldPressFreedomDay
