لطالما كانت جزيرة سقطرى وجهة سياحية مميزة، ومحطة للكثير من الأساطير وملتقى للحضارات القديمة، فموقعها الاستراتيجي جعَلها ذات قيمة كبيرة؛ كونها كانت قديمًا أسطولًا للجزيرة العربية ومصر والإفريقيتين والهند من ناحية، وطبيعتها الخلابة الساحرة وندرة أشجارها وأعشابها من ناحية أخرى.
تعتبر أقدمُ تسميةٍ وردت للجزيرة التسميةَ الفرعونية باسم "بأنخ"، ويعود تاريخه إلى ألفي سنة قبل الميلاد، وأطلق عليها الهنود القدامى عليها بالسنسكريتية وصفَ "دفيبا سوق حضارة"؛ أي جزيرة النعيم، وإلى التسمية السنسكريتية ينسب المؤرخون الروايةَ المنتشرة بينهم حتى اليوم بشأن الأصل اليوناني أيضًا لجزيرة "ديوسكوريدا"، ومن ثَمّ تسميتها الحالية سقطرى، سوقطرة، سقطرة... إلخ.
من يتعمق في تاريخ جزيرة سقطرى يجد أنها عرفت المهربين والمستعمرين والغزاة قبل أن تشهد الاستقرار، وعرفت المسيحية قبل الإسلام، ورغم أنها –حاضرًا- تفتقد الكثير من الخدمات، لكنها ما زالت تحافظ على جماليتها وتكوينها ولغتها، وتعد منطقة سياحية جذابة بكل ما يحيطها من أساطير وتاريخ قديم يجذب من يحب زيارتها والتعرف عليها ليجد تاريخًا غنيًّا بالحضارات والأساطير والموروث الثقافي والفلكلور.
في الكتب التي تناولت الحديث عنها لا يعرف بالتحديد متى تم استيطان الجزيرة لأول مرة ومن سكنها، لكن ما يعرف أن سكانها كانوا يتاجرون بالمرّ واللبان والبخور والصَّبِر وسائر النباتات العطرية الفواحة، وكان المصريون ينقلون للجزيرة الذهب والأخشاب الثمينة الفواحة. وتشير الأساطير القديمة إلى أن أصحاب مزارع اللبان في موسم جمعه يتعين عليهم أن يتحاشوا الوصال مع زوجاتهم وألّا يشاركوا في تشييع جنازة.
حتى الآن تحافظ الجزيرة على لغتها الخاصة وعادات ساكنيها، فتتسم وجوه سكانها بملامح السُّمرة البدوية وبلغتها التي قيل إنها قريبة من اللغة اليمنية القديمة السبئية.
بجانب شجر اللبان، تشتهر سقطرى -كما هو معروف- بأشجار دم الأخوين، والتي تدور حولها عدة أساطير تختلف باختلاف الديانة التي تتناول أصول هذه الشجرة وتاريخها؛ منها ما هو شائع في البحر الأحمر المتوسط كقصة أدونيس في سوريا، وهي قصص كانت الأساس الذي بنيت عليه قصة القديس جورج والتنين، وتدور حول القتال الشهير ضد التنين للحصول على بقعة مقدسة خالية من الآثام والشرور. في كل قصة يكون البطل إنسانًا أو إلهًا أما في سقطرى فقد كان فيلًا!
تقول الأسطورة الهندية في كتاب حمزة نعمان "أساطير من اليمن"، إن للثالوث الهندي براهما وفشنو وشيفا معبدًا في الهند يسمى معبد الفنتا، وكانت الجزيرة على صلة وثيقة بخليج عدن. وكان الفيل يمثل براهما أو فشنو، بينما التنين يمثل شيفا، وكان الدم الذي أريق في القتال المرير بين الفيل والتنين هو دم الأخوين. فقد التفّ التنين حول الفيل وأخذ يمتص دمه متلذذًا. ولما نزفت دماؤه وقع، وكان وقوعه على التنين فسحقه سحقًا، وفاضت روحهما معًا. فكان دم الأخوين رمزًا للصراع بين شخصيات الثالوث الهندي.
من الأساطير أيضًا التي دارت حول الجزيرة أسطورة تتحدث عن الفينيق أو العنقاء، طائر الفينيقيين المقدس. كان هذا الطائر حسب تصورهم يعيش ما بين 500 إلى 600 سنة. ويحط ليموت في مدينة الشمس (هليوبوليس) بمصر. ويعتقد أنه ربما كان يأتي إلى مصر من جزيرة سقطرى.
كتب بيلينيوس عن العنقاء يقول: "هذا الطائر المشهور في جزيرة العرب بحجم النسر، له ريش فائق الجمال يطوق عنقه، وبدنه كله أرجواني، وريش ذيله فقط لازوردي اللون متداخل مع ريش مائل إلى الوردي"، وهو يكرس نفسه للشمس، وعندما يشيخ يبني لنفسه عشًّا من القرفة أو أغصان اللبان تجعله يفوح بعبق البخور، ثم يجثم في العش يلفظ أنفاسه. ومن عظامه ونخاعه تنشأ دودة صغيرة تتحول إلى طائر صغير، أول ما يقوم به هو دفن جثة والده، ثم ينقل العش إلى مدينة الشمس ويضعه هناك في المعبد القدسي، وتنهي دورة حياة شجرة النسب الكبرى بوفاة هذا الطائر.
الكثير من الرحالة قديمًا أتوا على ذكر الجزيرة في رحلاتهم، وقدّموا وصفًا لطبيعتها وساكنيها؛ ففي القرن الأول كتب عن سقطرى تاجرٌ يوناني غير معروف من مصر، له إرشادات بحرية بعنوان "رحلة في بحر إرتيريا" تتضمن الرحلة ووصفًا تفصيليًّا لجزيرة سقطرى: "ديوسكريدا كبيرة جدًّا، لكنها خالية رغم وفرة المياه، فيها أنهار وتماسيح، وكثير من الأفاعي والحرادين والعظايا الكبيرة التي تؤكل لحومها. فيما يُذوّب سمنها، ويُستهلك بدلًا عن زيت الزيتون، ولا تنتج الجزيرة الفاكهةَ والكروم والحبوب. وسكانها قليلون، يقيمون فقط في جزئها الشمالي المقابل للقارة اليابسة. وهم خليط من الأعراب والهنود، وحتى اليونانيين الذين انتقلوا إلى هناك لمزاولة التجارة ".
حتى الآن، تحافظ الجزيرة على لغتها الخاصة وعادات ساكنيها، فتتسم وجوه سكانها بملامح السمرة البدوية، وبلغتها التي قيل إنها قريبة من اللغة اليمنية القديمة السبئية، ولذاذة لحومها كما يصفها من زارها، فالمواشي هناك تتغذى على النباتات العطرية التي تترك أثرًا لذيذًا عند طهيها.
وما تزال تمثل الإلهام للشعراء والأدباء والمصورين، للخوض في غمارها أكثر، لكن الأدب السقطري لم يأخذ حقه بشكل كافٍ، رغم ما يحويه التراث الشعبي من قصص وحكايات شعبية تصيغ لنا طبيعة المجتمع على مر التاريخ. في كتاب فهد سليم "مختارات من الأدب السقطري" ضم أربعة فصول تتناول تاريخ سقطرى ولغتها وشعرها وغناءها، يقول الكاتب: "من يكتب عن سقطرى لا بد أن تتنازعه الخواطر وتتزاحم عليه الأفكار وتتكاثف عليه الموضوعات والعناوين"، ورجح الكاتب قلة الدراسات المنشورة عن الأدب السقطري إلى عدم وجود أحرف في لغتها، مما أدى إلى صعوبة في دراستها.