عاد الحديث عن العلاقات بين الحوثيين والتجمع اليمني للإصلاح إلى الواجهة مجدّدًا، ولكن هذه المرة من بوابة السور الصيني العظيم، وهو ما سنتكلم عنه لاحقًا.
الخوض في العلاقة بين الحوثيين والإصلاح ليست وليدة اليوم، بل تعود لحين تمكُّن الحوثيين من العاصمة والزيارة التي قام بها زيد الشامي- رئيس الكتلة البرلمانية للإصلاح، إلى صعدة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، وأكدّها مكتب عبدالملك الحوثي بأنهم التقوا بوفد من التجمع اليمني للإصلاح، بهدف "العمل على طي صفحة الماضي والتوجه نحو بناء الثقة والتعاون في بناء الدولة...".
وكان الصحفي نبيل الصوفي، المستشار الإعلامي لطارق محمد عبدالله صالح، قد أورد ما زعم أنه مقتطفات من كلام أحد الوسطاء بين الإصلاح والحوثيين؛ جاء في إحدى هذه المقتطفات أنّ محمد اليدومي، رئيس الهيئة العليا للإصلاح عبّر لـمهدي المشاط- رئيس المجلس السياسي حاليًّا في صنعاء، في العام 2015، عن الرغبة بالتحالف معًا ضدّ من يرفض اتفاقهم، وأنّه قال له: "نحن جماعة موجودة في كل اليمن، وأنتم أصبحتم الحكام بالأمر الواقع، فدعونا نتفق بدون إعلان"، ويفهم من هذا أن السرية توفر للإصلاح حماية من نوعٍ ما، وهو الأمر الذي يرفضه الحوثيون كما يبدو.
كان يمكن للعلاقة بين الطرفين أن تتحقق بسهولة منذ البداية، فيما لو قدّما لبعضهما تنازلات من نوع معين. وهي تنازلات بكل تأكيد تتعلق بنصيب معتبر في مفاصل السلطة. هذه التنازلات لن تكون سابقة على الأقل بالنسبة للإخوان، فقد سبق لهم أن تحالفوا أثناء ثورة 1948، مع عبدالله الوزير وهو من بيت الإمامة، وفقًا لقواعد معينة، على الإطاحة بحكم الأئمة، فيما سمي بالثورة الدستورية.
برزت الصين كوسيط عابر للذاتية، يراعي مصالح مختلف الأطراف بقدر من الموضوعية على عكس الولايات المتحدة التي تفتقد هذه الصفة، وتقدّم نفسها وسيطًا وطرفًا في وقت واحد وفي مختلف النزاعات والقضايا، الأمر الذي يفسر عزوف الكثير من القوى عن قبول وساطتها.
كما كان الإخوان عضوًا مؤسّسًا لنظام صالح، ولم يُظاهروا عليه إلا مطلع الألفية الجديدة بعد أن حاول تقليص نفوذهم لأسباب ذاتية وموضوعية، وقد عبّر عن ذلك حميد الأحمر في لقائه الشهير بقناة الجزيرة عام 2008، حينما تباهى بقبيلته وشيخه صادق الذي سيوفر له الحماية من صالح، حينها لم يتحدث عن لجوئه للشعب، بل للقبيلة التي ينظر إليها كما هو حال الإصلاح، كمركز أهم في المعادلة السياسية والاجتماعية. في حالات كهذه يكون فقه الضرورة هو المرجعية، وهل من ضرورة أكثر من السلطة؟
تذويب الجليد المتراكم
في مارس/ آذار الماضي، تناقلت وسائل إعلام خبرًا عن زيارة سرية لوفد يمثل الإصلاح إلى طهران بتشجيع بعض الأطراف الإقليمية بهدف الترتيب لما بعد الحرب. هذه الزيارة من شأنها -بكل تأكيد- تمهيد طريق العبور الآمن للوساطة بين جماعة الحوثي والإصلاح، خاصة أنّ السعودية، على ما يبدو، تعول كثيرًا على دور الإصلاح القادم، إذا ما تخلص الأخير من جناحه المتمرد عليها.
وفي ذات اللحظة، كان وفد آخر من الحزب نفسه يعقد اجتماعات سرية مع "مسؤولين أمريكيين وبريطانيين وأوروبيين"، ناقشت اهتمامات تلك الدول في قمع ما أسموه "التصعيد الحوثي في البحر الأحمر".
ستبرز مخاوف متعلقة بماهية الأيديولوجية التي ستحتل كامل خشبة المسرح فيما لو تصدر المشهد أحد الطرفين (الحوثيون - الإصلاح) بعد توقف الحرب. فبينما يرى البعض أنه بالإمكان ترويض هذا أو ذاك ببعض المحفزات المالية والدبلوماسية، يرى آخرون أنّ ذلك سيكون مجرد مسكن إلى أجلٍ ما.
ترى بعض المصادر كذلك، أنّ عجز الولايات المتحدة عن إيقاف هجمات الحوثيين في البحر الأحمر أو تراجعها عن فعل ذلك -كما ترجح قناة العربية- هو العامل الحاسم، وربما الوحيد الذي يدفع بالسعودية نحو الصين للتوسط بينها وبين (أنصار الله)، خاصة أنّ الصين وليست الولايات المتحدة هي التي أذابت الجليد المتراكم على العلاقة السعودية الإيرانية، ومن هنا فإن الدبلوماسية الصينية اكتسبت لديها قدرًا معقولًا من الموثوقية، فلماذا لا تستغلها في ملف آخر من الملفات الشائكة في المنطقة، وجميعها مترابطة منطقيًّا وموضوعيًّا؟
لقد قدّمت الصين نفسها شريكًا اقتصاديًّا محل ثقة، ولذلك نراها تجتاح إفريقيا متجاوزة النفوذ الغربي المكتسب تاريخيًّا بالاستعمار. الصين تتمدّد في البنية التحتية الإفريقية بسلاسة ويسر على صورة مدن حديثة صديقة للبيئة وتقنيات مختلفة الاستخدام هي الأحدث. ودبلوماسيًّا، برزت الصين كوسيط عابر للذاتية، يراعي مصالح مختلف الأطراف بقدرٍ من الموضوعية على عكس الولايات المتحدة التي تفتقد هذه الصفة، وتقدّم نفسها وسيطًا وطرفًا في وقت واحد وفي مختلف النزاعات والقضايا، الأمر الذي يفسر عزوف الكثير من القوى عن قبول وساطتها، ويمكن اعتبار طلب حماس لأن تكون روسيا طرفًا ضامنًا في المفاوضات مع أمريكا واسرائيل دليلًا حيًّا على ذلك.
الاختلاف في تعدّد الأهداف
نعود الآن لزيارة وفد الإصلاح للصين. تذهب بعض التكهنات إلى أنّ الوفد المبالغ في قوامه إنما توجه إلى الصين بدواعٍ سعودية لتسهيل تحديد موقعٍ ما للإخوان في مسار الحل القادم للأزمة في اليمن، وأنّ ذلك مؤشر على رغبة السعودية باستعادة بعضٍ من الدور الإخواني الموالي إلى جانب القائمة المحدثة للجنة الخاصة. بينما تذهب تكهنات أخرى إلى أنّ التجمع اليمني للإصلاح قد تيقن بترجيح كفة الحوثيين على خلفية مبارزة البحر الأحمر، وكنا قد أشرنا حينها إلى مرحلة إعادة التموضع بين القوى السياسية.
يصور إعلام الإصلاح (المولع بالسرية) الزيارةَ بأنّها زيارة دولة، وأنّها لبحث أوجه العلاقة بين بلادنا والصين. فالوفد يضم تقريبًا أغلب وزراء الإصلاح في حكومة (الشرعية)، إلى جانب قيادات إصلاحية في مجلسي النواب والشورى، وكل الأخبار التي تتداولها مواقع الإصلاح الإخبارية تصور الوفد بأنه يمثل الحكومة أكثر مما يمثل الحزب. ودون الخوض في شرعية بعض الهيئات، يبرز سؤال ملحّ: هل يحق لطرف واحد أن يتحدث باسم حكومة تتمثل فيها عدة أطراف؟ وهل خول بذلك من قبل مجلس القيادة أو مجلس الوزراء؟
من أجل تسوية الملعب أمامها، حسب مصادر إعلامية، فإنّ "الرياض طلبت من بكين المساهمة في دعم التقارب بين القوى اليمنية وبصورة أكبر بين حزب الإصلاح وجماعة أنصار الله (الحوثيين)". وكانت قد نوهت إلى الزيارة المفاجئة إلى الصين التي قام بها وزير الدفاع السعودي قبل وصول وفد الإصلاح.
كما أنّ الزيارة كذلك تتحجج بالعلاقة بين الإصلاح والحزب الشيوعي الصيني، وأنّها علاقة وثيقة مع معرفتنا المسبقة بموقف الجماعات الإسلامية من الأحزاب والنظم الشيوعية، وما زلنا نتذكر موقف زعماء الإصلاح من مؤتمر بجين حول المرأة.
ما يدحض تلك الأخبار هو الخبر الاعتراضي الذي تداخل مع زيارة وفد الإصلاح للصين، الذي يقول محتواه: "وقعت الحكومة اليمنية، اليوم، بمقاطعة شينجيانغ الصينية، مذكرة تفاهم مع الشركة الصينية للطاقة والمعدات الكهربائية (TBEA Co., lTD)، وتنص المذكرة على "إحياء وتجديد وتطوير العلاقات اليمينة- الصينية في مجالات الطاقات التقليدية والمتجددة والمعدات الكهربائية، وفي مختلف المجالات التي تقع تحت نطاق وتخصص الشركة"، وقع الاتفاقية السفير اليمني في بكين، بينما كان الأولى أن يوقعها وزير الصناعة، وهو عضو في الوفد الزائر للصين.
وقد تناولت بعض وسائل إعلام ما جاء في موقع المونيتور الأمريكي أنّ زيارة هذا الوفد: "تهدف لدفع الصين للعب دور كبير في الملف اليمني، حيث تستعد السعودية لاستئناف مفاوضات السلام مع الحوثيين". وأن "تحريك السعودية لدور الصين، يأتي ضمن خطوات تهدف لاستئناف مفاوضات التطبيع بين صنعاء والرياض".
زيارة في محل تساؤل
ومن أجل تسوية الملعب أمامها، حسب مصادر إعلامية فإنّ "الرياض طلبت من بكين المساهمة في دعم التقارب بين القوى اليمنية، وبصورة أكبر بين حزب الإصلاح وجماعة أنصار الله (الحوثيين)". وكانت قد نوّهت إلى الزيارة المفاجئة إلى الصين التي قام بها وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان، والمسؤول الأول عن الملف اليمني قبل وصول وفد الإصلاح".
ولم تنسَ وسائل الإعلام القريبة من الإصلاح، التي تناولت هذه الزيارة بالتحليل والترويج، الإشارة إلى أنها أثارت حفيظة "القوى الممولة من الإمارات في اليمن، ممثلة بطارق عفاش والانتقالي الجنوبي"؛ لأن "حزب التجمع اليمني للإصلاح، أكبر المكونات السياسية للشرعية اليمنية، كشف عن "علاقات متينة" تربطه بدولة كبرى، مستعدة للعب دور الوساطة لدعم الجهود الإقليمية والأممية لإنجاز اتفاق السلام في اليمن". طبعًا، تفاخر أيّ حزب بعلاقته بدولة كبرى خارج أطر دولته، سيظل بالنسبة لنا موضع تساؤل.
الخلاصة: في ظل تشرذم وتشظي وانزواء القوى التي كانت تدعي إلى وقت قريب أنها الحامل للمشروع الحداثي للبلاد، وهرولة تكوينات من "القمة الطليعية" نحو بُنى ما قبل الدولة، تتجه تيارات أخرى لخلق فرص التفرد بالأمر وبناء مشروعها الخاص بدعم إقليمي لم يعد مستترًا.