"خصارك علينا" لإطعام فقراء السردينَ في المكلا

مبادرة ستة صيادين شبان صارت حديث الساعة في حضرموت
ناصر بامندود
October 17, 2024

"خصارك علينا" لإطعام فقراء السردينَ في المكلا

مبادرة ستة صيادين شبان صارت حديث الساعة في حضرموت
ناصر بامندود
October 17, 2024
شباب يبادرون سمك السردين على المحتاجين في المكلا

قبل أربع سنوات، تحديدًا في عام 2020، عندما كان الصياد محمد باغويطة برفقة أصدقائه خالد بن سليم وعمار باغويطة على البحر؛ شاهدوا كميات كبيرة من السردين "العِيد"، فاتفقوا على توزيع كميات منه على أبناء حارتهم والحارات المجاورة، وفي اليوم التالي فعلوا الأمر نفسه، وتزايدت أعدادهم عن اليوم الأول، واستمرت بالتزايد طيلة موسم السردين، وكل عامٍ تتزايد الأعداد أكثر من العام الذي قبله، بسبب تناقل الأخبار بين أبناء الأحياء. 

في العام الحالي، أصبحوا ستة أشخاص صيادين، هم: محمد باغويطة، عمار باغويطة، سعيد بن زهيدان، عوض بن سليم، صالح مكوم، سعيد باحكم، بيد أن هذا العام وهذه المرة، نشر صديقٌ لهم فيديو بغتةً ومن حيث لا يعلمون حينما خرجوا من البحر ووزعوا الأسماك على الناس.

لينتشر هذا الفيديو كالنار في الهشيم على وسائل التواصل الاجتماعي، وتتكاثر الأعداد المتوافدة بشكلٍ أكبر على المبادرة، وصاروا يأتون من مناطق أوسع داخل المكلا؛ يتوافدون على مبادرة "خصارك علينا" ليصبح هؤلاء الصيادون الشباب حديثَ الناس هذه الأيام في مدينة المكلا، عاصمة محافظة حضرموت (جنوب اليمن). 

التسمية وحقائق السردين

"الخصار" كلمةٌ يقولها أهل المكلا غالبًا عن لحوم الأسماك، ومن هنا جاء اسم الحملة "خصارك علينا"، أما "العِيد" فهي تسمية تطلق في حضرموت على أسماك السردين الذي يبدأ موسمه من شهر سبتمبر/ أيلول، ويستمر حتى شهر أكتوبر/ تشرين الأول، ونوفمبر/ تشرين الثاني، وهذا موعد موسمه السنوي.

لا تقتصر مبادرتنا على موسم السردين (العِيد) فقط، فنحن نوزع طيلة السنة أصناف الأسماك المختلفة على الأسر الفقيرة التي في حارتنا "حي الشهيد خالد"، فكما يقال: "أهل مكة أدرى بشعابها"، ولكننا لا نستطيع فعل الأمر نفسه كما في موسم السردين؛ لأن الاعداد تكون كبيرة تفوق قدرتنا على مساعدتهم طيلة أيام السنة".

يقول الدكتور جعفر بن عمر باعمر، أستاذ الأحياء البحرية في جامعة حضرموت عن فوائد السردين، لـ"خيوط": "السردين غنيٌّ بالأحماض الدهنية غير المشبعة (الأوميغا 3)؛ أحد العناصر الغذائية المهمة التي يحتاجها الإنسان، وبنسبةٍ عالية تفوق الأسماك الأخرى الموجودة في السوق؛ لأنه يتغذى على الطحالب الصغيرة المجهرية والأسماك الصغيرة، وهذه التغذية المختلطة جعلت جسمه غنيًّا جدًّا بـ(الأوميغا 3)"؛ لذا ينصح باعمر بشدّة، بتناوله. 

أحد شباب المبادرة لتوزيع سمك السردين على الفقراء - المكلاء حضرموت

الصياد قائد المبادرة 

يحكي الصياد محمد باغويطة بشكل أكبر عن المبادرة لـ"خيوط"، بالإشارة إلى أنه لا يستطيع حصر الأعداد المستفيدة منها: "الأعداد كبيرة تفوق قدرتنا على تعدادها، وفي كل يومٍ نرى المزيد من الأشخاص الجدد، بيد أننا متعودون على بعض الوجوه التي نراها كل يوم". 

يتابع: "لا تقتصر مبادرتنا على موسم السردين (العِيد) فقط؛ لأننا نوزع طيلة السنة أصناف الأسماك المختلفة على الأسر الفقيرة التي في حارتنا "حي الشهيد خالد"، فكما يقال: "أهل مكة أدرى بشعابها"، ولكننا لا نستطيع فعل نفس الأمر طيلة السنة كما في موسم السردين؛ لأن الأعداد تكون كبيرة تفوق قدرتنا على مساعدتهم".

يصف باغويطة شعوره في مساعدة الآخرين وتخفيف الأحمال عنهم، بقوله: "كأنك ملكت الدنيا وما فيها، ويجعلك في قمة الرضا عن نفسك، وكلما شاهدتُ فرحة الناس تكون فرحتي أكبر منهم".

ضَعف القدرة الشرائية 

من يصدق أنّ مدينة المكلا الساحلية والمعروفة بثروتها السمكية، لا يستطيع الكثير من ساكنيها تناول الأسماك بشكلٍ دائم، حيث أشاد رئيس قسم العلوم المالية والمصرفية في جامعة حضرموت والخبير الاقتصادي، الدكتور محمد الكسادي، في تصريح لـ"خيوط"، بمبادرة "#خصارك_علينا"، متطرقًا إلى أسعار الأسماك بالتأكيد على كونها تعبيرًا قويًّا عن التكافل والتعاضد الاجتماعي في ظل ضَعف القدرة الشرائية للأسماك لدى شريحة واسعة من السكان، بحكم غلاء أسعار الأسماك؛ وذلك لأسباب، يُرجِعها إلى عملية تصدير الأسماك بكمياتٍ كبيرة، والصيد الجائر والتجريف، وخضوعها لقانون العرض والطلب، واقتراب سعر الدولار الواحد من ألفَي ريال؛ لذا فهي مبادرة طيبة -وفقًا لتعبيره- تجعل عددًا من السواد الأعظم في المجتمع الذينَ أصبحوا بحاجة للمساعدة، ينعمون بالأسماك مجانًا، فنحن نشدّ على أيديهم، وندعو المزيد من الصيّادين إلى الاقتداء بهم.

هذه المبادرة مهمة جدًّا، خصوصًا للنساء المنفصلات عن أزواجهن (المطلقات) ولذوي الدخل المحدود، فمعظم هذه الفئات حتى لو تذوقوا الصيد، فهم يأتون كل عدة أيام بقطعةٍ صغيرةٍ ويتقاسمونها فيما بينهم جميعًا؛ لذا يأملون من صيادين آخرين أن يحذوا حذوهم، ويخففوا الحمل قليلًا عن أهلهم المستضعفين".

بدوره، أثنى مدير الهيئة العامة لأبحاث علوم البحار والأحياء المائية- فرع حضرموت، صبري لجرب على الشباب المشاركين في المبادرة قائلًا إنهم أحيوا وجدّدوا موروثًا مجتمعيًّا قديمًا لأهل المكلا، إذ كان الصياد يأتي لجيرانه بحاجتهم من الأسماك، فكانوا يحصلون على حاجتهم من الأسماك مجانًا، لافتًا إلى أن هذه الظاهرة تناقصت بشكلٍ كبير بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية التي تعيشها البلاد وانعكاسها على كافة الشرائح، من بينهم الصيادون. 

وحث لجرب السلطةَ المحلية على توفير بترول مدعوم لهم، ليستمروا ويتوسعوا في مبادرتهم، وليتشجع صيادون آخرون على القيام بنفس الفعل. 

بسببهم عدنا لتناول الصيد

أم أيمن إحدى ربات الأسر المستفيدات من الحملة، تقول لـ"خيوط": "بسببهم عدنا إلى تناول الصيد بعدما عجزنا عن شرائها منذُ عدة أشهر، فقد وصل ثمن الكيلو (الثمد) إلى ثمانية آلاف، وأحيانًا 12 ألف ريال، الأمر الذي يفوق طاقتنا وقدرتنا الشرائية بكثير، ومع سماعنا بالحملة، تمكّن أولادي من أكل صيد الأسماك، وهو ما تحتاجه صحتهم ومرحلتهم العمرية بشدّة، فقد كنتُ أتألم حينما أراهم لا يحظون بنصيبهم من التغذية، على عكس الأجيال السابقة التي وجدت الأسعار رخيصة وفي المتناول".

وتردف أم أيمن: "هذه المبادرة مهمة جدًّا، خصوصًا للنساء المنفصلات عن أزواجهن (المطلقات) ولذوي الدخل المحدود، فمعظم هذه الفئات حتى لو تذوقوا الصيد فهم يأتون كل عدة أيام بقطعةٍ صغيرةٍ ويتقاسمونها فيما بينهم جميعًا؛ لذا نأمل من صيادين آخرين أن يحذوا حذوهم ويخففوا الحمل قليلًا عن أهلهم المستضعفين".

تختم حديثها بالقول: "محافظتنا غنية بالأسماك؛ لذا من المفترض ألّا يتفضل ولا يتصدق علينا أحدٌ بإعطائنا نصيبنا من حقنا الطبيعي، ولكن بسبب الأوضاع التي تعيشها البلاد، وعبث مصانع التصدير ومصانع طحن الأسماك، صارت أسماكنا صدقة!".

•••
ناصر بامندود

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English