اكتفت بالدموع بعد كل جملة تقولها، وهي تشرح معاناتها من أشقائها الأربعة الذين استأسدوا عليها منذ سنوات، رافضين إعطاءها ميراثها من بعد والدها ووالدتها، وقالت لـ"خيوط": "ما أشتي من بعد أبي وأمي غير الذي يبني لي وعيالي غرفتين بدل بيوت الإيجار". رغم ضآلة مطلبها، لكنه يواجه دائمًا بالرفض.
مريم -اسم مستعار- تجاوز عمرها الخمسين عامًا، تُوفي زوجها بحادث مروري، ولديها سبعة أبناء؛ خمس بنات وولدان، تعمل في مهنة الخياطة، لمواجهة ظروف الحياة المُرّة التي وجدت نفسها تواجهها بضراوة.
قبل سنوات من وفاة زوجها، كان قد ادّخر من عمله في قيادة شاحنات النقل الثقيل، مبلغًا استطاع أن يشتري به أرضًا صغيرة في ضواحي مدينة ذمار، والتي تحلم مريم أن تبني عليها منزلًا، كما كان حلم زوجها أيضًا قبل رحيله المفاجئ.
تقول مريم: "يرفض إخواني تقسيم الورثة، ويكتفون بأن يعطوني كل سنة شوالة أو شوالتين ذرة أو شام -حبوب- رغم أن بعضها زرعه والدها "قاتًا"، وجزء كبير منها يتم زراعتها خضروات، على رأسها البطاطس والطماطم"، مر على ذلك الحال 12 عامًا منذ تُوفّي والدها. وتابعت: "قبل وفاة زوجي كنا مستوري الحال، رغم أن الدنيا حرب ومشاكل بس الحمد لله، لكن بعد وفاة زوجي طالبت بحقي".
تتذكر مريم أن شقيقها الأكبر صفعها وطردها من منزله، عندما أخبرته بضرورة تقسيم الورث. اقتسم أشقاؤها الذكور المزارع فيما بينهم، وبقيت مريم وشقيقتها دون الحسبة، فقد ألغيت من قائمة الورثة في نظر أشقائها فقط لأنها "أنثى".
قبل نحو عامين، أحد أشقاء مريم، ساومها لبيع كل ما تملك من بعد والدها له، مقابل أن يدفع تكاليف عملية لأحد أبنائها في العيون قبل أن يتسرب الظلام إلى مقلتيها، "رفضت أعمل له تنازل، العملية بثلاث مئة ألف، وهو يشتيني التنازل عن حقي الذي يقدر بعشرات الملايين"، قالت بغضب.
تنعكس تلك الظاهرة المجتمعية لتخلف قصصًا متعددة، ضحاياها هم النساء، تزيد من الأعباء على كاهل بعض النساء، إلى جانب ما تتسبب به هذه القضايا من عداوة دائمة بين أفراد الأسرة الواحدة، وتكرار العنف ضد الأنثى.
تكفل فاعل خير، بإجراء العملية ونجحت وباتت ابنتها، تمارس حياتها بشكل طبيعي، فيما شقيقها قاطعها من يومها وحتى الآن. تمتد ساعات عمل مريم على ماكينة الخياطة طوال النهار وجزءًا كبيرًا من الليل، لدفع احتياجات العيش لأبنائها وأيضًا دفع إيجار منزلها الصغير.
كانت مريم تبكي بألم بالغ، مما وجدته من أشقائها، وتركهم لها تواجه كل هذا وحيدة. أحد أشقائها الأربعة كان بارًّا بها ويزورها بين الفينة والأخرى ويدفع عنها بعض أشهر العام إيجار المنزل.
تقول إنها لا تريد محاكم حتى لا يزيد حقد إخوتها عليها أكثر، إضافة إلى أن دخول المحاكم يُحتاج له أموال طائلة ومعاناة وجهد كبير. وتنظر مريم إلى صعوبة مراحل التقاضي، وليست أكثر من الدخول في جولة جديدة من الفشل الذي يرافقها للبحث عن حقها.
دفعت ببعض أعيان القرية للتفاهم مع أشقائها حول إعطائها جزءًا من وِرثها بعد وفاة والدها ووالدتها، لتصل بعد ذلك إلى طريق مسدود.
نظرة دونية
إبتهال الكوماني- محامية تعيش في محافظة ذمار، ترى أن "النظرة الدونية للمرأة سبب في تهميشها"، وهي من تقف خلف "حرمانها من ورثها". بالإضافة الى أسباب مرتبطة بالثقافة المجتمعية، كالجهل وعدم معرفة كافية بالحقوق والواجبات.
وتقول لـ"خيوط": "هذا الجهل قد يكون من الطرفين، المرأة والرجل، فجهل المرأة بحقوقها وواجباتها من طرف، وجهل الآخر -الرجل- بهذه الحقوق من جهة أخرى، يؤدي إلى التجاوز وتعدي الحدود القانونية والشريعة.
وتعتقد أن الأسباب التي تقف خلف حرمان المرأة من ميراثها "جهل المرأة اليمنية لحقوقها، وسيطرة الذكور على الأمور المتعلقة بالمال والميراث بشكل مطلق".
وتعتبر الكوماني أن "اليمن ضمن أكثر البلدان التي تتعرض فيها المرأة للعنف، يصل إلى حرمانها من ميراثها بحكم العادات والتقاليد ومخالفة ما ينص عليه القانون وحتى الشريعة الإسلامية".
وعن المنظور القانوني لميراث النساء في اليمن، تؤكد المحامية إبتهال الكوماني، أن الدستور اليمني ينص على المساواة بين الرجل والمرأة، وكذلك قانون الأحوال الشخصية اليمني، أوضح ميراث الرجل والمرأة، وفصّل ذلك وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية.
وفق الكوماني، تنعكس تلك الظاهرة المجتمعية لتخلف قصصًا متعددة ضحاياها هم النساء، تزيد من الأعباء على كاهل بعض النساء، إلى جانب ما تتسبب به هذه القضايا من عداوة دائمة بين أفراد الأسرة الواحدة، وتكرار العنف ضد الأنثى.
الكوماني، خلال مسيرتها المهنية، وجدت الكثير من القضايا المتعلقة بحرمان المرأة من الميراث، لتبقى قضية واحدة عالقة في ذاكرتها؛ "امرأة حرمت من حقها، وعندما طالبت به عبر القضاء تم التبرُّؤ منها".
وتروي أن امرأة من سكان إحدى المناطق الريفية بذمار، خلّف والدها تركة كبيرة، وبعد سنوات تكتشف بأنه تم تقسيم الميراث بين إخوتها الذكور وحرمانها من الميراث بحجة أنه لا يوجد لديهم امرأة ترث.
حاولت بشتى الطرق الحصول على حقها بشكل ودّي من خلال أعيان من العائلة لكن دون جدوى، لتقرر اللجوء إلى القضاء وترفع دعوى قضائية على إخوانها، لتكون ردة فعلهم بأن تبرؤوا منها، وبعد 15 سنة من "الشريعة"، توفيت هذه المرأة دون أن تحصل على حقها.
وتشير الكوماني إلى أن حرمان المرأة من ميراثها في بعض المناطق مستمر إلى الوقت الحالي، نتيجة الجهل والتمسك بالعادات والتقاليد الخاطئة، إذ ستظل المرأة تعاني العنف حتى يتم وضع حدٍّ لكل هذه التصرفات القائمة ضد حقوقها المكفولة شرعًا وقانونًا.
محاولة قتل
"عندما طالبت بنصيبها من الميراث، قام إخوتها بضربها بقسوة، وتقييدها، وحاولوا قتلها، وهم يقتادونها لمكان مجهول في القرية، صرخت بكل ما أوتيت من قوة عندما رأت أحد الدكاكين ما زال فيه ضوء في ظلام الليل، فقام الأهالي بإنقاذها والتواصل مع الاتحاد الذي قام بإسعافها وتقديم الخدمة الصحية لها، وتبني قضيتها الجنائية والحقوقية ومطالبتها بميراثها من أهلها"؛ قصة مؤلمة رَوَتها لـ"خيوط" خديجة داديه، مديرة إدارة الحالة في اتحاد نساء اليمن بذمار.
وتجزم أن قضية حرمان النساء من الميراث ليست وليدة اليوم، بل "للأسف قديمة جدًّا"، وأعادت ذلك إلى أن "المجتمع الذكوري لا يأخذ من تعاليم الدين إلا ما يتوافق مع رغباته".
ليست كل المجتمعات الريفية تَحْرِم النساء من حقها، لكنها في نظر القيادية في اتحاد نساء اليمن بذمار "قليل ممن يراعون حقوق النساء في الميراث". وقالت: "الأغلب إما يرفضونه رفضًا قطعيًّا أو يتحايلون على النساء بجعل نصيبهن في أوقاف أو ما قلّ ثمنه وتدنى".
تقدم خديجة داديه ثلاثة أسباب لتنامي هذه القضية في أوساط المجتمعات المحلية، هي: "عدم مراعاة أن للمرأة حق في الميراث مكفول شرعًا وقانونًا، و"العادات والتقاليد المجتمعية التي تجرّم المرأة التي تطالب بحقوقها من أهلها"، و"بطء تنفيذ العدالة القضائية، إذ يتطلب الدخول في حبال المحاكم الشائكة من المرأة مبالغ كبيرة إذا أرادت رفع قضية، ومع كل هذا لا يتم الإنصاف في وقته من قبل المحكمة.