عندما تشاهد أمًّا تحمل طفلها في مخيم للنازحين التي تغوص فيها البلاد من أقصاها إلى أقصاها، تنتظر حصتها من المعونات الإغاثية، التي تباعدت عملية توزيعها بعد وصول الصراع الدائر في اليمن إلى مستوياتٍ أصبحت تشمل المساعدات الإنسانية المقدمة للمحتاجين المتضررين من الصراع، هنا تشاهد مأساة الحرب التي عصفت بالملايين من اليمنيين ممن انتزعتهم من منازلهم ومناطقهم وحياتهم.
لا يختلف الأمر لمواطن بتر لغمٌ ساقَه، أو لدى أمّ مكلومة انتزع الصراع الدائر أحد أبنائها، خصوصًا في حال كان مواطن مدني، لا ناقة له بالحرب ولا جمل، وبات في غياهب سجون مظلمة معتمة هي كل ما أنتجته الحرب وكل ما قدمته الأطراف المتصارعة التي زرعت المعاناة والألم في كل بيت في اليمن، كما لم تتوقف غارات التحالف بقيادة السعودية والإمارات، إذ إن كثيرًا منها عبارة عن غارات عمياء طالت مواقع مدنية، وراح ضحيتها عشرات بل مئات من المواطنين الأبرياء.
في التاسع من سبتمبر/ أيلول أطلق فريق الخبراء البارزين الدوليين والإقليميين بشأن اليمن، تقريرهم الثالث حول الوضع في البلاد. ومن أبرز النقاط التي ركّز عليها التقرير الذي قدم إلى مجلس حقوق الإنسان، أن جميع أطراف النزاع استمرت بارتكاب انتهاكات للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
التقرير ناقشه في وقت متأخر من مساء أمس الثلاثاء 29 سبتمبر/ أيلول، مجلس حقوق الإنسان في دورته الخامسة والأربعون المنعقدة في جنيف منذ الرابع عشر من سبتمبر/ أيلول، التي ستستمر إلى السادس من أكتوبر/ تشرين الأول، الذي يشمل انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن.
تشكل المساءلة عنصرًا أساسيًّا لضمان العدالة للشعب اليمني ولتحقيق السلام، بحسب ما ورد في حديث رئيس فريق الخبراء البارزين كمال جندوبي، في جلسة مجلس حقوق الإنسان، الذي أكد أن الإفلات من العقاب من الانتهاكات الجسيمة المرتكبة في اليمن بسبب النزاع القائم، لا يزال مستمرًا بشكل واسع من قبل الأطراف التي أشار لها سابقًا
في كلمته التي ألقاها في جلسة مجلس حقوق الإنسان، أشار كمال الجندوبي رئيس فريق الخبراء البارزين إلى ما توصل إليه تقرير الفريق من وصول الانتهاكات في اليمن لمستويات خطيرة قد ترقى لجرائم الحرب، إذ تشمل المسؤولية وفق ما قاله الجندوبي في الجلسة جميع الأطراف، الحكومة المعترف بها دوليًّا وأنصار الله (الحوثيين) والمجلس الانتقالي الجنوبي، بالإضافة إلى التحالف بقيادة السعودية والإمارات.
وتشكل المساءلة عنصرًا أساسيًّا لضمان العدالة للشعب اليمني ولتحقيق السلام، بحسب ما ورد في حديث رئيس فريق الخبراء البارزين، الذي أكد أن الإفلات من العقاب من الانتهاكات الجسيمة المرتكبة في اليمن بسبب النزاع القائم، لا يزال مستمرًا بشكل واسع من قبل الأطراف التي أشار لها سابقًا.
ودعا فريق الخبراء مجلس الأمن لإحالة الوضع في اليمن إلى المحكمة الجنائية الدولية، وإلى توسيع قائمة الأفراد المشمولين بعقوبات مجلس الأمن.
قال فريق الخبراء في التقرير الذي استعرضه في جلسة مجلس حقوق الإنسان إن الإفلات من العقاب لا يزال مستمرًا دون هوادة بالنسبة لأولئك الذين يرتكبون انتهاكات خطيرة، إذ كان تقرير الفريق قد أفاد أن اللجنة الوطنية للتحقيق أحالت قرابة 1000 ملف للنائب العام في عدن، ولم يتم البت سوى بـ19 واقعة فقط، وأحيلت بعض القضايا للمحاكمة الجنائية، لكن وفق التأكيدات التي أوردها الفريق، فإنه لم يحاسب حتى الآن أي شخص على الانتهاكات التي حددها فريق الخبراء البارزين.
بموجب ذلك وجه الفريق الأممي دعوة للمجتمع الدولي للقيام بدور أكثر نشاطًا في اليمن وإحالة الوضع إلى المحكمة الجنائية الدولية، وتوسيع قائمة الأفراد المسؤولين عن الانتهاكات المشمولين بقائمة لجنة العقوبات في مجلس الأمن.
انتظار العدالة
لا يزال اليمن يتعرّض للتدمير بطرق من شأنها أن تصدم الضمير الإنساني. وقد اختبرت البلاد حتى اليوم ست سنوات من النزاع المسلّح المتواصل، دون نهاية تلوح في الأفق، للمعاناة التي وقع الملايين من الأشخاص ضحية لها، ولم يكن ينقص بلد تعاني الأمرين من حرب وصراع وتدهور معيشي ومعاناة إنسانية سوى جائحة كوفيد–19 الفيروس الذي شكل عبئًا إضافيًّا على السكان، وخاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار العدد المحدود من مرافق الصحة العاملة، التي هي ذاتها غير مجهزة للتعامل مع هذا المرض، إضافة إلى التبعات الاقتصادية والمعيشية التي طالت نسبة كبيرة من السكان.
يتطلب هذا الأمر حسب ما استنتجته "خيوط" من التقرير السنوي لمفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، المقدم للدورة الخامسة والأربعون لمجلس حقوق الإنسان، إنشاء آلية عدالة جنائية دولية للتحقيق "مماثلة للهيئات المنشأة من أجل سوريا وميانمار"، فضلًا عن إجراء المزيد من المناقشات حول إمكانية إنشاء محكمة متخصصة للتعامل مع الجرائم الدولية التي ارتكبت أثناء النزاع، الآلية المقترحة هي (IIIM)، وهي آلية بصلاحيات أكبر من فريق الخبراء، وتسميتها موحدة في عدد من البلدان "آلية دولية محايدة ومستقلة".
يعتبر التقرير الثالث هو أول تقرير يقدم مباشرة إلى المجلس وليس إلى المفوضة السامية، بعد تعديل ولاية الفريق في سبتمبر/ أيلول من العام الماضي. قدم التقرير الأول 2018، والثاني 2019، للمفوض/ة السامي/ة قبل انعقاد الجلسة للتنقيح والإجازة، ثم تقدمه المفوضة بدورها للمجلس حين انعقاد الجلسة.
كرر فريق الخبراء البارزين الدعوة لما أسماها بالدول الثالثة، أن تكف عن نقل الأسلحة إلى أطراف النزاع، نظرًا للدور الذي تؤديه هذه الأسلحة المنقولة في إدامة النزاع القائم، وبالتالي احتمالية الإسهام في الانتهاكات، حيث لا يمكن لأي دولة الآن أن تدعي أنها غير مدرِكة لحجم ونطاق الانتهاكات التي تحدث في اليمن.
وكانت منظمات المجتمع المدني والمنظمات الإقليمية والدولية الأربعة والعشرون قد جددت دعوتها لمجلس حقوق الإنسان إلى اعتماد تقرير فريق الخبراء، بما في ذلك النتائج التي توصل إليها بشأن المساءلة، وإلى اتخاذ خطوات ملموسة في جلسة المجلس هذه لتمهيد الطريق نحو عدالة ذات مصداقية لليمن.
وأكدت رئيسة منظمة مواطنة لحقوق الإنسان رضية المتوكل، أنه بعد أكثر من نصف عقد على اندلاع هذه الحرب الكارثية، يجب على المجتمع الدولي ألّا يطلب من اليمنيين بعد الآن انتظار العدالة.
وأضافت قائلة: "أولئك الذين يفجرون حافلات مليئة بالأطفال، ويحكمون على الصحفيين بالموت، ويسرقون المساعدات الإنسانية، يجب إخطارهم بأنهم سيخضعون للمساءلة".
فيما قال جيريمي سميث، مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في جنيف، إنّ "الأشكال الحقيقية والملموسة للمساءلة والتعويض تعتبر جوهرية إذا أردنا أن ينتهي هذا الكابوس. فمصير الملايين على المحك.
في الصدد نفسه تحدث خالد إبراهيم المدير التنفيذي لمركز الخليج لحقوق الإنسان، مؤكدًا أن إفلات جميع أطراف الحرب من العقاب يعني تراكم انتهاكات حقوق الإنسان، ومن يوثقوا هذه الانتهاكات ويدافعوا عن حقوق الإنسان يواجهون المخاطر الكبيرة. أما الدكتور سايمون آدمز، المدير التنفيذي للمركز العالمي لمسؤولية الحماية، فقد قال "حان الوقت للتحقيق وكشف ومحاكمة هؤلاء المسؤولين عن الفظائع في اليمن.
كلفة باهظة للإفلات من العقاب
لليمن تاريخ طويل وحديث مع كلفة الإفلات من العقاب. ففي 21 سبتمبر/ أيلول 2014، سيطرت جماعة أنصار الله المسلحة (الحوثيين) على العاصمة اليمنية صنعاء بالقوة، بدعم من الرئيس السابق علي عبدالله صالح. وتصاعد الصراع مع التدخل العسكري للتحالف بقيادة السعودية والإمارات في 26 مارس/ آذار 2015. ومنذ ذلك الوقت وحتى اللحظة، استمر القتال وأدّت كل جولة جديدة من جولات العنف إلى زيادة معاناة المدنيين.
منذ آخر مرة تناول فيها مجلس حقوق الإنسان أزمة اليمن، واصل التحالف بقيادة السعودية والإمارات غاراته الجوية العشوائية وغير المتناسبة، التي أثرت على المدنيين والأعيان المدنية، وواصلت الأطراف المتحاربة شن الهجمات البرية العشوائية. كما أودت الألغام الأرضية التي زرعتها جماعة أنصار الله (الحوثيين) بحياة العشرات من المدنيين، بينما يستمر تجنيد الأطفال واستخدامهم، لا سيما من قبل أنصار الله (الحوثيين).
وثقت منظمة "مواطنة" لحقوق الإنسان خلال الفترة بين 1 سبتمبر/ أيلول 2019 و31 أغسطس/آب 2020، نحو 28 غارة جوية استهدفت مدنيين وأعيان مدنية في تسع محافظات يمنية، تركزت معظم هذه الهجمات في محافظتي صعدة والجوف، حيث قتلت ما يقارب من 109 مدنيًّا، بينهم 47 طفلًا و21 امرأة، وجرحت 80 آخرين، بينهم 37 طفلًا و18 امرأة
كما أن عمليات الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب لم تتوقف. على مدار العام الماضي، أدّت تصرفات الأطراف المتحاربة، بالإضافة إلى جائحة فيروس كورونا (COVID-19)، إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن بشكل خطير. وبدلًا من التقليل من تأثيرها على أنظمة الصحة والتعليم المنهارة أصلًا في اليمن، استمرت الأطراف المتحاربة في مهاجمة المرافق الصحية والتعليمية واستخدامها لأغراض عسكرية. وأثارت الهجمات التي استهدفت أهدافًا أساسية لبقاء المدنيين على قيد الحياة، وكذلك العرقلة الصارخة والمتكررة لعمليات الإغاثة الإنسانية مخاوف استخدام الأطراف المتحاربة للتجويع كأسلوب من أساليب الحرب. ويعاني النسيج الاجتماعي اليمني حالة من التشظي والتمزق، حيث يتم تضييق حريات التعبير والاحتجاج السلمي والممارسات الدينية وحرية التنقل بشكل متزايد، بالإضافة إلى تعزيز الانقسامات السياسية وغيرها من الانقسامات القائمة على الهوية من قبل من هم في السلطة.
في هذا السياق، وثقت منظمة "مواطنة" لحقوق الإنسان خلال الفترة بين 1 سبتمبر/ أيلول 2019 و31 أغسطس/ آب 2020، ما لا يقل عن 1304 مقابلة في اليمن، ونحو 28 غارة جوية استهدفت مدنيين وأعيان مدنية في تسع محافظات يمنية، تركزت معظم هذه الهجمات في محافظتي صعدة والجوف، حيث قتلت ما يقارب من 109 مدنيًّا، بينهم 47 طفلًا و21 امرأة، وجرحت 80 آخرين، بينهم 37 طفلًا و18 امرأة.
إضافة إلى ما لا يقل عن 78 هجومًا بريًّا أسفر عن مقتل نحو 84 مدنيًّا، بينهم 25 طفلًا و24 امرأة، وإصابة ما لا يقل عن 198 مدنيًّا، بينهم 55 طفلًا و42 امرأة. وقعت هذه الهجمات الموثقة في 12 محافظة يمنية، لكنها تركزت في محافظات الحديدة وتعز وصعدة. نفذت جماعة أنصار الله (الحوثيين) 47 هجمة من هذه الهجمات، ونفذت قوات التحالف بقيادة السعودية والإمارات والجماعات المسلحة الموالية لهم 23 هجومًا، بينما تتحمل القوات التابعة للرئيس هادي مسؤولية تنفيذ ثماني هجمات.
كما وثقت خلال الفترة نفسها نحو 37 واقعة انفجار ألغام زرعتها جماعة أنصار الله (الحوثيين)، في ثماني محافظات يمنية، وما لا يقل عن 201 واقعة تجنيد واستخدام لعدد 349 طفلًا، بينهم خمس فتيات.
سحابة قاتمة تحيط بالنزاع
تقول "مواطنة" في بيان خاص أصدرته بهذا الشأن، بالتزامن مع جلسة مجلس حقوق الانسان، إن السحابة القاتمة للإفلات من العقاب التي تحيط بالنزاع اليمني، تعرِّض المدنيين للخطر، وتُطبِّع جرائم الحرب، وتسهّل في نهاية المطاف انتهاكات الأطراف المتحاربة. المنظمة ترى أن على مجلس حقوق الإنسان أن يستجيب لدعوات تمهيد الطريق نحو تحقيق مساءلة ذات مصداقية وإنصاف لليمن، بما في ذلك تجديد وتعزيز ولاية فريق الخبراء البارزين التابع للأمم المتحدة (GEE) خلال دورة المجلس الجارية الـ45.
في بيانها كشفت "مواطنة" أيضًا عن 105 واقعة اعتقال تعسفي، و98 واقعة اختفاء قسري، وثلاث وقائع تعذيب على يد جماعة أنصار الله (الحوثيين). وفي إحدى وقائع التعذيب، توفي شخص في موقع الاحتجاز في محافظة الحديدة. وفي الفترة نفسها، وثّقت مواطنة 75 واقعة اعتقال تعسفي، و32 واقعة اختفاء قسريّ، وواقعة تعذيب واحدة أدّت إلى موت الضحية، ارتكبتها القوات التابعة للحكومة المعترف بها دوليًّا في محافظة تعز.
وكان المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، بحسب بيان المنظمة، مسؤولًا عن 45 واقعة اعتقال تعسفي موثقة، و56 واقعة اختفاء قسري، و16 واقعة تعذيب. وتُوفي على يديه شخصان في أبين ولحج في مقرات الاحتجاز نتيجة لسوء المعاملة. كما وثّقت مواطنة قيام القوات المشتركة المدعومة من الإمارات أيضًا باعتقال تعسفي بحق شخصين في محافظة الحديدة.
فريق الخبراء البارزين يشدد في نفس هذا الإطار، على أن هذا الأمر لا يحدث فقط في سياق سير الأعمال القتالية، وعلى الخطوط الأمامية المتحركة باستمرار، بل يحدث أيضًا بعيدًا عن ساحة المعركة ويظهر أنماطًا من الضرر الذي يؤثر على الجميع في كل مكان.
في تقريره الذي يغطي الفترة ما بين تموز/ يوليو 2019، وحزيران/ يونيو 2020، حدّد الفريق مجموعة من انتهاكات قانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني. وتشمل هذه الانتهاكات: هجمات التحالف الجوية، القصف بقذائف الهون والصواريخ، الألغام الأرضية، الحرمان التعسفي من الحياة/ قتل المدنيين، الانتهاكات المتعلقة بالوضع الإنساني، الاختفاء القسري والتعسفي والتعذيب، وغيرها من ضروب سوء المعاملة، المتمثلة في: العنف القائم على النوع الاجتماعي، تجنيد الأطفال واستخدامهم في الأعمال القتالية والانتهاكات ذات الصلة، التمييز ضد الأقليات، انتهاكات تتعلق بنظام إدارة العدل.
المساءلة ضرورة لتحقيق السلام
منذ سبتمبر/ أيلول 2019، عندما نظر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في آخر مرة في الملف اليمني، وبداية الدورة الحالية للمجلس، وثّقت مواطنة لحقوق الإنسان قيام الأطراف المتحاربة بعمليات قتل وجرح للمدنيين، وتجنيد واستخدام الأطفال، والاعتداء على المدارس والمرافق الصحية واحتلالها، والاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري بحق المئات، وفرض قيود على وصول المساعدات الإنسانية، واضطهاد الأقليات الدينية، وتضييق الخناق على ما تبقى من مساحة الحريات المدنية المحدودة في البلاد، كل ذلك دفع المنظمة لحث المجلس على المصادقة على تقرير فريق الخبراء البارزين، بما في ذلك نتائجه بشأن المساءلة. في هذا الجانب ترى المنظمة المهتمة بحقوق الإنسان في اليمن، أن على المجلس تجديد وتعزيز ولاية فريق الخبراء البارزين، بما في ذلك جمع وتوحيد وحفظ وتحليل الأدلة المتعلقة بأخطر الجرائم بموجب القانون الدولي وانتهاكات القانون الدولي المرتكبة في اليمن منذ عام 2014، وتوضيح المسؤولية عنها.
وقالت "مواطنة" إنه يجب على الدول، على نطاق أوسع، بما في ذلك الدول الأعضاء في المجلس، أن تبدأ على الفور في السعي لتحقيق خطوات ملموسة لتعزيز استراتيجية مساءلة وإنصاف شاملة وصادقة لليمن، بما في ذلك النظر في التوصيات التي قدمها فريق الخبراء.
كريستين بيكرلي، المديرة القانونية لشؤون المساءلة والإنصاف في مواطنة لحقوق الإنسان، تتحدث عن تقرير خبراء الأمم المتحدة بعد أكثر من نصف عقد من النزاع، وتشير إلى أنه أول من استجاب للنداءات الواضحة وضوح الشمس والصادرة عن أولئك الأكثر تأثرًا بهذه الحرب من أجل تحقيق مساءلة وإنصاف صادقين وتضامن دولي في هذا المسعى.
تقول كريستين، إن مسألة السعي وراء تحقيق العدالة لا تعتبر مجرد مسألة نظرية بالنسبة لليمنيين، فهي ستحدد عقودًا مما هو ممكن في دولتهم. ففي الماضي البعيد، توقفت الدول عن الاستهتار بارتكاب جرائم الحرب، ووقفت بدلًا من ذلك مع أولئك الذين يهدفون إلى تحقيق يمن تُحترم فيه الحقوق.
التونسي كمال الجندوبي رئيس فريق الخبراء البارزين، يرى في حديثه لموقع أخبار الأمم المتحدة أن اليمن جائحة للإفلات من العقاب، مثل الوباء كما يأسف، وتشبه إلى حد كبير مسألة الجائحة التي نعرفها، ألا وهي كورونا أو كوفيد-19.
الجندوبي أكد أن الفشل في اليمن كان فشلًا جماعيًّا، الأمر الذي يتطلب من المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤوليته الكاملة، وخاصة "الدول الثالثة" التي تؤثر بشكل كبير في هذا النزاع من خلال بيع الأسلحة لأطراف الحرب النزاع.
كان تقرير فريق الخبراء البارزين عبارة عن نداء إغاثة - إن صح التعبير - حتى يتحقق وقف هذه الجائحة التي يعيشها الشعب اليمني، وهي جائحة تمس الآلاف من الضحايا، المدنيين أساسًا، إذ يوضح الجندوبي أن الوقائع التي استند عليها التقرير والمنهجية التي استعملها، إن كان في هذا التقرير أو في التقريرين السابقين، أدّت إلى استنتاجات أن كل أطراف النزاع قد اقترفت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وأيضًا للقانون الإنساني الدولي، وبعض هذه الانتهاكات قد ترقى إلى جرائم حرب، ولا يستثني أحدًا، وليس هناك تراتبية في هذه الانتهاكات.
التقرير يشمل كل أطراف النزاع، بما في ذلك التحالف بقيادة السعودية والإمارات، وأيضًا الحكومة المعترف بها دوليًّا، وأيضًا سلطات الأمر الواقع، أنصار الله (الحوثيين) التي تسيطر على صنعاء وعلى معظم محافظات شمالي اليمن، والمجلس الانتقالي الجنوبي الذي يسطر على العديد من المناطق في جنوبي اليمن.
يشدد الجندوبي، على أهمية إحالة الوضع في اليمن إلى المحكمة الجنائية الدولية وتوثيق قائمة الأشخاص الخاضعين لعقوبات مجلس الأمن، وهي إحدى التوصيات التي قدمها الفريق باعتبار أنه يجب أن تكون المساءلة هي العنوان الكبير للمرحلة القادمة، علاوة على أن المساءلة هي إحدى العناصر التي ستساعد عملية السلام، وتساعد أيضًا عملية إعادة البناء في اليمن.