معَ كلِّ تضييق يصدر من قبل سلطة الأمر الواقع في صنعاء، يقابله المجتمع بالرفض عبر الوسائل المتاحة، كما يستند في مواجهته تلك إلى الإرث والتاريخ اليمنيّ الكبير، والذي يجد اليمنيّون بأنّه التعبير الحقيقيّ عنهم، في حين تقع السلطة التي تقوم بمثل هذه الممارسات؛ على النقيض من التراكم اليمني الممتد لقرون.
في الفترة الأخيرة، ارتفع التضييق من قبل جماعة أنصار الله (الحوثيين) على ملابس النساء، ونوعها، وشكلها، ليتم الردّ عبر حملة واسعة تحت هشتاج #الهوية_اليمنية، والتي اجتاحت فيه صورُ النساء بملابس تراث ملونة مواقعَ التواصل الاجتماعي، كمحاولة لإبراز الهُوية اليمنية وعملية حصرها في لون واحد.
التصدّي للتضييق
هناك من امتدح الحملة، واعتبرها وسيلة مناهضة مهمة، بينما آخرون وجدوا بأنّها غير كافية، ومجرد حملة على مستوى مواقع التواصل لا أكثر، الكاتبة والشاعرة، والناشطة سبأ حمزة، شاركت بالحملة، وتعطي رأيها في طبيعة الحملة، وأهميتها، قائلة لـ"خيوط": "في البداية، الحملة كانت ردًّا على ما قاله مسؤولون في جماعة أنصار الله (الحوثيين) بأن فرض القيود على محلات العبايات وتعميم اللون الأسود هو جزء من الحفاظ على الهُوية اليمنية. لتردّ النساء على ذلك التبرير بنشر صورهن بملابس تراثية، لم يكن ردًّا على القرار بشكل مباشر".
ويلجأ الرافضون لأساليب غير مباشرة للاعتراض على مثل تلك القرارات والتصدّي للتضييق على المجتمع، وذلك عبر الطرق والأدوات المتاحة التي تخلق رأيًا عامًّا شعبيًّا موحدًا لمناهضة هذه الممارسات.
تؤكّد الآغا على أهمية هذه الحملة لإبراز الإرث التاريخي والوطني، كما أنّ المجتمع، بالأخص النساء، ومن قبل هذه الحملة أصبح لديهن وعيٌ عالٍ بأهمية التراث، والاعتزاز به، وإظهاره، والترويج له، بل إنهن يقمْن بعمل لم تفعله الحكومات، ولا الوزارات المختصة.
وعن فكرة الحملة ذاتها، تتحدث سبأ حمزة، قائلة: "فكرة الحملة إبداعية، وأظهرت التنوّع الغني الذي تزدهر به اليمن. ومن هنا، يأتي التحدي للسلطة فما هي الهُوية التي تريد السلطة أن تحافظ عليها في مجتمع طالما كان متعددًا في كل شيء؟!".
وتضيف أنّ النّاس في أوقات الصراع، يبحثون عن حاضنة تجمعهم ويتجهون نحو تراثهم من الثقافة، والفنون، التي يتّخذون منها كوسائل مقاومة للبقاء والنضال، فعندما يكون الحاضر قاتمًا يتم استحضار الماضي وإعادة إحيائه.
تعزيز التراث اليمني
كما شاركت في حملة الهُوية الوطنية العديدُ من النساء، وبمجالاتهن المختلفة، من ضمن أولئك، عارضات الأزياء، التي كُنَّ قد سبق أن أظهرن في أكثر من مناسبة، ذلك التراث المكرِّس للهُوية الوطنية، حسب تعبيرهن، وقمن بعروضٍ كثيرةٍ بملابس التراث.
وتؤكِّد الممثلة، والموديلز، سارة الآغا، لـ"خيوط"، أنّها قامت خلال الفترة الماضية بالعديد من الأعمال التي تُبرز التراث والهُوية اليمنية والتي تعبر حضارة عريقة، لأنّ هناك تقصيرًا كبيرًا في إظهار تلك الهُوية.
كما تعتبر سارة الآغا، وهي ملكة جمال العرب للسياحة، قائلة إنّ هذه الحملة مهمّة؛ لِمَا فيها من إثبات وجود للمجتمع، وأن ما يرتديه يعبر عن انتمائه ويعزز من هويته الوطنية.
في السياق، هناك توجهٌ كبير ابتدأ قبل فترة ليست بالقصيرة، يتضمن تكثيف حضور الملابس التراثية، وكانت الكثير من النساء تظهر بملابس تقليدية، من ضمن أولئك، عارضات الأزياء، إذ لا تعتبر سارة الآغا تلك الملابس مجرد تراث فقط، بل تمتاز بأناقة، وتتفوّق حتى على الملابس الحديثة، إضافة إلى أهمية التفاخر بالتراث وما تتميز به اليمن من حضارة عريقة.
الوعي المجتمعي
قبل هذه الحملة، كان هناك انتشار غير منظم لكل ما يعزّز وجود التاريخ اليمني، من ضمنها الملابس التراثية التي أصبح الكثير، من الرجال والنساء، يتفاخر بالظهور بها، لكن، عن ردّة فعل المجتمع، وهل وجدها كشيء تقليدي غير مناسب، أو محل اعتزاز، تتحدث سارة الآغا، والتي سبق أن نشرت العديد من الصور بملابس التراث، قائلة: "بالنسبة للمجتمع اليمني، بكل تأكيد يقابل ذلك بالإيجابية الكبيرة، ويرى بأنّها تمثّله، بل إنني وجدت الكثير من غير اليمنيين قد أعجبتهم جدًّا تلك الأزياء، والبعض تواصل معي لمعرفة تفاصيل عنه، وإلى ماذا يرمز، وكذلك قاموا باقتنائه وارتدائه".
وتشدّد حمزة على أنّ الهُوية متغيرة بتغير الزمان والمكان، وليست ثابتة أبدًا مهما حاول البعض فرض لون وصورة واحدة على المجتمع.
وتؤكّد أنّها غالبا لم تعمد إلى استفزاز الناس عندما نشرت صورًا وهي ترتدي ملابس بألوان وأشكال متعددة، مضيفةً أنّها تحترم العادات والتقاليد بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف عليها.
وأخذَت الحملة طابعَ الردّ على التضييق الذي يُمارَس تجاه ملابس النساء، إذ تشيد حمزة، بجسارة النساء اللاتي تجرأن، ورفعن صوتهن في وجه السلطات القامعة، وكذلك النساء اللاتي يناضلن ضدّ الاضطهاد، ولأجل العدالة.
بدورها، تؤكّد الآغا على أهمية هذه الحملة لإبراز الإرث التاريخي والوطني، كما أنّ المجتمع، بالأخص النساء، ومن قبل هذه الحملة أصبح لديهن وعيٌ عالٍ بأهمية التراث، والاعتزاز به، وإظهاره، والترويج له، بل إنّهم يقومون بعمل لم تفعله الحكومات، ولا الوزارات المختصة.
وإجمالًا؛ فقد ظهرت الملابس التراثية، كوسيلة للمناهضة أمام من يفرض اللون الواحد، وكذلك؛ تعزيزًا للهُوية اليمنية من خلال عرض إرث جدير بالاحترام، وهو ما يُستخلص من هذه الحملة التي برهنت أنّ المجتمع لديه وسائله البسيطة بالاعتراض، والتي توصل رسائل كثيرة، إلى جوار أنّها تُظهِر شيئًا كبيرًا متجذِّرًا في التاريخ اليمنيّ.