على جوانب الشوارع وفي الأرصفة يسير المشاة. هذا هو المعتاد، وما ليس بمعتاد هو السكن في أرصفة الشوارع.
أُسر لم يكن الفقر هو العدوّ الأول لها، فقد سبقه الحرب التي دمرت منازلهم وشردتهم، وجعلتهم يفترشون الأرصفة، ويلتحفون السماء، ليس لأيام وليالٍ معدودة، بل لسنين.
فمن يسير إلى نهاية شارع الستين بمديرية الحالي في مدينة الحديدة، لا بد أن تلمح عيناه ما نحاول أن نطلق عليه في أقل الوصف "خيمة"، مكونة من ثياب رثة قديمة تسكنها أسرة من أب وأمّ، وخمسة أطفال؛ نازحين من مدينة حرض في حجة.
أسرة أخرى مكونة من أربعة أشخاص لا تملك حتى الثياب الرثة لتقيها حرارة الشمس، أو الأمطار والعواصف الرملية أو حتى نظرات المارة، فقد اتخذت من إطارات السيارات التالفة سورًا يحفظ لها ما تبقى من خصوصية حياة باتت على مرأى من الجميع.
أطفالهم لا يرتادون مدرسة ولا يملكون حتى وثيقة إثبات هُوية، تركوا كل شيء في منزلهم بمدينة حرض ولم يتبقَّ لهم شيء. نالت الحرب حتى من أجسادهم، فرب الأسرة بديع ناصر (اسم مستعار؛ حفاظًا على خصوصيته) (40 سنة)، مصاب بإعاقة دائمة بفعل رصاصة في العمود الفقري ولم يعد يقوى على المشي.
"تشير إيمان إلى أخيها ذي الأربع السنوات وفي وجهها ابتسامة تواري بها ملامح البؤس، تقول: "هذا أخي، عضه كلب في يده، أثناء بحثه في القمامة عن كراتين"
أما الأطفال الخمسة، فأكبرهم بعمر الـ13 وأصغرهم أربع سنوات. تراهم صباح مساء يتنقلون من مقلب قمامة إلى آخر، تارة بحثًا عن مواد بلاستيكية لبيعها، وتارة أخرى بحثًا عن كراتين يستخدمونها كوقود للطبخ. على أجسادهم ثيابٌ رثة، حفاة وشعثًا بما يوحي بالمعاناة.
إيمان (10 سنوات) روت لـ"خيوط"، كيف أنهم تركوا منزلهم في حرض هربًا من الموت بعد أن أصيب والدها، وكيف أنها لم ترتَد المدرسة كون والدتها ليس لديها المال، وأنها إذا ذهبت للمدرسة فمن سيساعد إخوتها في البحث عن قناني وعلب البلاستيك لبيعها وشراء الطعام بثمنها.
تشير إيمان إلى أخيها ذي الأربع السنوات وفي وجهها ابتسامة تواري بها ملامح البؤس، تقول: "هذا أخي، عضه كلب في يده أثناء بحثه في القمامة عن كراتين"، كانت كف شقيقها الصغيرة مجروحة إثر العضة بجروح عميقة ويظهر بها آثار خيوط جراحية.
في وطن مزقه الحرب، لم يعش الطفل تجربة تمزيق أوراق الدفاتر بعد أن ملّ من الرسم فيها، لم يضعها على حائط منزله ولم يتفاخر بها. أطفال في قارعة طريق تمر بها ليالٍ وأيام، وتمر بذويهم ذاكرة وخيال منزلهم الدافئ البسيط.
هكذا يعاني نازحون أجبرتهم الحرب على ترك منازلهم وقراهم ومدنهم بحثًا عن أسباب البقاء على قيد الحياة فقط، ليستمر الكفاح على قارعة الطريق.