البطائق الشخصية في تعز لمن يدفع أكثر

النساء هن الأكثر معاناة من استغلال السماسرة
أبرار مصطفى
July 16, 2024

البطائق الشخصية في تعز لمن يدفع أكثر

النساء هن الأكثر معاناة من استغلال السماسرة
أبرار مصطفى
July 16, 2024
الصورة لـ: خالد البنا

رغم المآسي الكبرى التي يعاني منها سكان محافظة تعز (جنوب غربي اليمن)، بفعل الحرب والصراع المستمر بدون أي أفق لنهايته، فإنّ هناك نوعًا آخر من المعاناة قد يتصاغر للوهلة الأولى أمام كل هذه المآسي والتبعات التي وصلت إلى تمزيق وتقطيع أوصال المدن والطرقات، المتمثل بالحصول على وثيقة شخصية، كان اليمنيون لا يهتمون بها قبل العام 2015.

في الآونة الأخيرة، ازدادت هذه المشكلة فصولًا إضافية من المعاناة، وأصبح الحصول على بطاقة شخصية أمرًا معقدًا، قد يستغرق أشهرًا عدة من استخراجها، مع ظهور سماسرة بالأحوال المدنية ممن يعملون بشكل غير نظامي، سواء ممن يرتدون زيًّا رسميًّا أو غيره، يقومون بتذليل الصعاب لحصول المواطن على بطاقة شخصية عَظْمة واختصار الوقت، لكن مقابل مبالغ باهظة لا يستطيع الكثير من المواطنين دفعها.

مارية محمد، مواطنة من سكان مدينة تعز، تشرح قصتها عندما ذهبت لاستخراج بطاقة شخصية لها من فرع الأحوال المدنية في المحافظة، تقول لـ"خيوط": "ذهبت في الشهر الماضي بهدف تجديد بطاقتي الشخصية التي كانت قد انتهت، لكني فوجئت بالوضع الذي يحدث في الأحوال المدنية، من صعوبة استخراج بطاقة شخصية، مع أن الأمر لا يتطلب كل هذا، مجرد مطابقة البيانات ويتم طباعتها خلال أيام محددة، فوجئت بردّ الضابط المسؤول الذي يقوم بإدخال البيانات إلى الجهاز الذي يعمل عليه، يقول لي: ستتأخر طباعة بطاقتك، أو يمكن أن تقومي باستخراج بطاقة إلكترونية ذكية، من السهولة الحصول عليها خلال أيام قليلة".

رُصدت حالات عديدة لمواطنين يقضون أيامًا طويلة للحصول على ما يُثبت هويتهم؛ إذ إنّ هناك تجارب مريرة لبعضهم، منهم الشاب عبدالعليم سعيد، الذي قضى أيامًا محاولًا، عبثًا، استخراج بطاقة شخصية لأول مرة من أجل التنسيق والالتحاق بالجامعة، لكن دون جدوى.

أثناء إجراء المعاملات لمطابقة البيانات، كان هناك الكثير من الصعوبات والعراقيل التي يواجهها طالبو الحصول على البطاقة الشخصية، وخاصة النساء، مثل مارية، حيث تقف كثير منهن في طابور طويل دون حركة من الصباح حتى قرب الظهر.

تضيف مارية: "خلال هذا الوقت، نلاحظ إدخال نساء من خارج الطابور يتعاملن مع بعض مَن يُطلق عليهم بالسماسرة، ليسهلوا لهن عملية الدخول وإجراء المعاملات مقابل مبالغ مالية، إضافة إلى اختلاط طوابير الرجال بطوابير النساء، ولا توجد أماكن مخصصة لتسهيل إجراءات المعاملة للنساء، وسط استياء كبير، لعدم ترتيب أماكن مخصصة لهن".

سماسرة ببدلات رسمية 

تتضاعف أعداد السماسرة في الأحوال المدنية بمحافظة تعز، من الذين يعملون بشكل غير نظامي، حيث يستخدمون علاقاتهم مع مسؤولين لتسهيل الحصول على بطاقة شخصية، مقابل دفع مبالغ مالية.

تقول رغد يوسف، لـ"خيوط": "حاولت استبدال بطاقتي، كون الصورة تلاشت ملامحها من البطاقة بسبب سوء الطباعة، ولم تعُد صالحة في بعض المرافق خاصة المصارف؛ لأنّها غير واضحة، وعند ذهابي إلى مصلحة الأحوال المدنية بتعز، فوجئت بعرض من أحد الأشخاص لمساعدتي في الحصول على البطاقة في وقت قصير، مقابل 25 ألف ريال، لأجل الانتهاء سريعًا من إجراءات استخراج البطاقة، كما قال لي".

اضطرت رغد، إلى دفع المبلغ بالنظر إلى عملها في أحد المتاجر وما تواجهه من مشكلات وعراقيل؛ كونها لا تمتلك هُوية تعريفية.

في حين، لا تزال غدير جميل، منذ أكثر من أربعة أشهر تحاول استخراج بطاقة شخصية، وبسبب الوقت الطويل لم تكمل المعاملة، الأمر الذي اضطرها إلى العودة مرة أخرى لاستخراج بطاقة إلكترونية ذكية. 

تقول جميل لـ"خيوط": "ذهبت لاستخراج بطاقة شخصية قبل ما يقارب أربعة أشهر، لكني عانيت كثيرًا من الحصول عليها، ذهبت لاستخراج بطاقة إلكترونية ذكية، ووجدت سعر الاستمارة داخل مبنى الأحوال المدنية 1000 ريال، بينما خارج المبنى نحو 500 ريال، وهي بالأساس مجانية، يتم تنزيلها من النت، وتقوم بتعبئة بياناتك الشخصية وتسلمها".

تبرز عديدٌ من التساؤلات في هذا الخصوص: إلى أين تذهب كلُّ مبالغ هذه الاستمارات التي باستطاعة الفرد أن يقوم بتنزيلها إلكترونيًّا من الإنترنت؟ إذ هناك كثير من المواطنين يدفعون هذا المبلغ كلَّ يوم في ظلّ مؤشرات واضحة على وجود تلاعب من إدارة الأحوال المدنية.

من جهتها، تشير فاطمة محمد، من سكان تعز لـ"خيوط"، إلى وجود سماسرة من داخل إدارة الأحوال المدنية، بالإضافة إلى استغلال بعضهم للوساطة عن طريق أصدقاء وأقارب للمسؤولين المعنيين، كما أنّ هناك عسكريين يعملون في حراسة المبنى يمارسون نفس هذه الأدوار التي يقوم بها السماسرة، مشدّدة على أنّ هذا الأمر هو الذي سمح بوجود فساد وسمسرة للمتاجرة ببطائق الهُوية الشخصية.

معاناة لا حدود لها

ترصد "خيوط"، حالات عديدة لمواطنين يقضون أيامًا طويلة للحصول على ما يُثبت هُويتهم؛ إذ إنّ هناك تجارب مريرة لبعضهم، منهم الشاب عبدالعليم سعيد، الذي قضى أيامًا محاولًا، عبثًا، استخراج بطاقة شخصية لأول مرة من أجل التنسيق والالتحاق بالجامعة، لكن دون جدوى.

مدير الأحوال المدينة في تعز، يُرجِع مشكلة أو موضوع البطائق الشخصية بشكل عام إلى ارتباطهم بمصلحة الأحوال المدنية في صنعاء، ونتيجة تأخر استخراج البطائق العَظْمة لأسباب غير معلومة، موضحًا أنّ الحل كان باللجوء إلى "البطائق الذكية" بديلًا عن البطائق الشخصية العظمة للتخفيف من معاناة المواطنين.

ذهب عبدالعليم إلى مقر الأحوال المدينة في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي 2023، لاستخراج بطاقة شخصية، كونه احتاج لها للتنسيق والتسجيل في الجامعة.

كانت "الطباعة" هي المشكلة التي واجهها هذا الشاب بعد استكماله المعاملات والإجراءات الروتينية، لكن منذ تلك الفترة التي تقدّم بها لاستخراج وثيقة شخصية في العام الماضي وحتى الآن في منتصف العام 2024، لم يتم طباعتها.

يتحدث لـ"خيوط"، عن أنّه جراء ذلك اضطر إلى البحث عن واسطة، فكان أحد الموظفين في الأحوال المدنية، الذي طلب منه 25 ألف ريال مقابل مساعدته في تسهيل طباعة البطاقة، التي لا تكلف في العادة سوى مبلغ رمزي في أغلب الأحوال، فقد كان المبرر بأنه سيقوم بشراء الحبر والعظمة من خارج مصلحة الأحوال المدنية. في حين عانى الشاب العشريني أسامة سعيد، هو الآخر، من عملية الحصول على البطاقة الشخصية؛ وذلك بسبب تأخرها في مصلحة الأحوال المدينة ما يقارب السنة، حسب قوله لـ"خيوط"، فيما سلك طريقًا آخر بدفع مبلغ من المال لأحد السماسرة، أقل مما دفعه عبدالمنعم، للحصول على جواز سفر بدلًا من البطاقة.

إبلاغ عن الاستغلال

في هذا السياق، يُرجع إسكندر المخلافي، مدير مصلحة الأحوال المدنية بتعز، في تصريح لـ"خيوط"، مشكلة أو موضوع البطائق الشخصية بشكل عام إلى ارتباطهم بمصلحة الأحوال المدنية في صنعاء، ونتيجة تأخر استخراج البطائق العظمة لأسباب لا يعلمها، موضحًا إن الحكومة المعترف بها دوليًّا في عدن، أوجدت حلًّا لاستخراج بطائق ذكية بديلًا عن البطائق الشخصية العظمة، للتخفيف من معاناة المواطنين.

وأضاف إنّ البطاقة الذكية ليس لها أي صعوبات في استخراجها، وبإمكان المواطن الدخول إلى بوابة وزارة الداخلية عبر الإنترنت لاستخراج الاستمارة مجانًا، ومِن ثَمّ يقوم بتسجيل جميع البيانات وإحضار جميع الوثائق المطلوبة في الاستمارة، ثم يحضر إلى مقر مصلحة الأحوال المدنية بتعز، لاستكمال الإجراءات فورًا. 

ويشير إلى أنّ البطاقة الذكية يتم استخراجها بشكل مستعجل ولا تستغرق وقتًا، ودون أيّ توقف أو عراقيل مثل البطائق الشخصية، فالبطائق الذكية المستخرَجة يوميًّا يصل عددها من 200 إلى 220 بطاقة ذكية، منوهًا بالدور الذي تلعبه مصلحة الأحوال المدنية بتعز في خدمة المواطنين، والعمل -وفق حديثه- في مساعدتهم بكل ما أمكن، داعيًا المواطنين إلى التعاون والإبلاغ عن أيّ شكاوى أو ابتزاز يتعرضون له في مصلحة الأحوال المدنية والسجل المدني بتعز، سواء في الإدارة العامة أو في الفروع الأخرى في المحافظة.

بحسب هذا المسؤول، فإنّ هناك تسهيلات تشمل كافة المعاملات والإجراءات عبر سندات رسمية من رئاسة المصلحة في العاصمة المؤقتة عدن للحكومة المعترف بها دوليًّا، وذلك للحصول على البطاقة الذكية معمدة من وزارة المالية، ويوضح طريقة دفع الرسوم من المواطنين الراغبين في الحصول على البطاقة الذكية، حيث إنّ "أيّ رسوم يتم طلبها من غير سندات رسمية، يجب إبلاغنا بها فورًا وسيتم اتخاذ الإجراءات اللازمة مع الموظف"؛ يقول المخلافي. 

وينصح مسؤولون في الأحوال المدنية بعدم التعامل مع السماسرة والموظفين غير المرتدِين الزي الرسمي، ومن يطلبون مبالغ مالية مقابل المعاملات أو استخراج البطاقة، في حين تظل المشكلة قائمة وتتفاقم باستمرار في ظل إقبال المواطنين على الحصول على الهُوية الشخصية وتعرضهم للاستغلال من سماسرة يتاجرون بالهوية الشخصية.

•••
أبرار مصطفى

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English