نساء بلا أوراق ثبوتية في "ريف إب"

يفقدن الكثير من الفرص لعدم امتلاكهن بطائق شخصية
بكيل عبدالجليل
November 4, 2024

نساء بلا أوراق ثبوتية في "ريف إب"

يفقدن الكثير من الفرص لعدم امتلاكهن بطائق شخصية
بكيل عبدالجليل
November 4, 2024
.

في مطلع يناير/ كانون الثاني من العام الماضي، تعرضت رباب محمد (53 عامًا)، للتعسف والتأخير في نقاط التفتيش على مداخل مدينة عدن، بسبب عدم امتلاكها هوية شخصية أو أوراقًا ثبوتية تعرّف بها أثناء سفرها برفقة ابنها الذي لا يملك هو الآخر، هوية شخصية، لزيارة أقارب لها في عدن. رباب من ريف مديرية السياني في محافظة إب، وهي أم لخمسة أبناء، تقول: "في كل مرة أفكر بالسفر لزيارة أقاربي في عدن أو مأرب، أشعر بخوف وقلق لا إرادي، ثم جاء موضوع النقاط والتفتيش ليأتي على ما تبقى"، يبدو أن مشكلة رباب تعكس حال الكثير من النساء في الريف، اللواتي لا تهتم أسرهن باستخراج أيّ وثائق ثبوتية، بما فيها الهوية الشخصية للمرأة.

نساء على هامش المواطنة 

في ليلة زفافها، توجّهت منى برفقة زوجها محمد، إلى أحد الفنادق في مدينة إب للنزول فيه، لكنهما فوجئا بموظف الاستقبال في الفندق يطلب من الزوج بطاقة زوجته أو بطاقة والدها، مؤكدًا له أن عقد الزواج لا يكفي لإثبات صلة علاقتهما. تقلد منى مستنكرةً، طلبَ الموظف: "هات بطاقتها أو بطاقة والدها، أيش يعرفني أنها زوجتك؟"، معتبرةً أن هذه الكلمات تطعن في شخصها وسلوكها، وتقول بحزن: "هذه هي المرة الأولى التي يطلب مني أحدٌ ما، بطاقتي الشخصية، حتى في عقد الزواج لم يطلب الأمين الشرعي مني البطاقة بل طلب بطاقة والدي!".

تعيش آلاف النساء في ريف إب (وسط اليمن)، دون هوية شخصية، تثبت هويتهن، وتمنحن حق المواطنة والانتماء، وتذلل لهن كثيرًا من الخدمات الاجتماعية، والمعاملات والإجراءات الرسمية، وهو ما لا تمنحه لهن هذه الحالة من اللاهُوية.

تذكر نساء في ريف إب، عددًا من الأمور والفرص التي تفوتهن أو يخسرْنَها؛ بسبب كونهن هامشًا، غير مقيدات في أيّ سجل رسمي يُثبت هُويتهن وصلاتهن بمن حولهن. رويدا عبدالله (30 عامًا)، أمّ لخمسة أطفال، أحدهم يعاني من الإعاقة، لم تتمكن من تسجيل ابنها لدى الصندوق الاجتماعي أو صندوق المعاقين؛ نظرًا لعدم امتلاكها بطاقة شخصية، فضلًا عن عدم وجود أي وثيقة رسمية لابنها.

تظل معاملات النساء -خاصة الريفيات منهن- في اليمن وفي إب على وجه التحديد، مرتبطة بوجود الرجل، فلا تقبل دعواهن أو حتى المرافعة عنهن دون بطاقة، وفي حال تطلب من المرأة، تقف فيها موقفًا عامًّا، يجدر بها أن تبحث عن رجل من أقربائها ليُعرِّف بها، ويشهد بأنها فلانة، رغم أنّ الدستور اليمني حفظ للمواطنين، ذكورًا وإناثًا، حق الحصول على البطاقة.

وقبل ذلك، لم تتمكن من الالتحاق بالجامعة، بسبب عدم امتلاكها بطاقة شخصية تعرف بها، وكل ما كان لديها هو شهادة الثانوية العامة، التي تحوي بيانات غير دقيقة فيما يخص الاسم وتاريخ الميلاد، تقول رويدا: "استغرقت شهرين للحصول على الاستبيان الذي يقوم مقام البطاقة الشخصية، لعدم وجود كروت البطائق المعهودة، ودفعت ما يقارب 40 ألف ريال يمني، لأحظى بهذا الاستبيان أخيرًا".

تظل معاملات النساء -خاصة الريفيات منهن- في اليمن، وفي إب على وجه التحديد، مرتبطة بوجود الرجل، فلا تقبل دعواهن أو حتى المرافعة عنهن دون بطاقة، وفي حال تطلب من المرأة تقف فيها موقفًا عامًّا، يجدر بها أن تبحث عن رجل من أقربائها ليعرِّف بها، ويشهد بأنها فلانة، رغم أن الدستور اليمني حفظ للمواطنين، ذكورًا وإناثًا، حق الحصول على البطاقة، إذ تنص المادة (49) من قانون الأحوال المدنية لسنة 1991، على أنه "يجب على كل شخص من مواطني الجمهورية اليمنية بلغ السادسة عشرةَ، أن يحصلَ من إدارة الأحوال المدنية والسجل المدني الذي يقيمُ في دائرتِهِ، على بطاقةٍ شخصيةٍ، فإذا أصبحَ المواطنُ ربَّ أسرةٍ وجبَ عليه أن يقدِّمَ بطاقته الشخصيةَ إلى إدارة الأحوال المدنية والسجل في دائرتِهِ للحصول على بطاقةٍ عائلية".

أسباب متداخلة والمرأة ضحية

أسباب عديدة تحول دون حصول النساء في ريف محافظة إب على وثائق شخصية، غير أن أبرزها، بحسب منى: عدم وعي الأسر بأهمية البطاقة، وبُعد الأرياف عن مصلحة الأحوال المدنية، وتكلفة التنقل والمعاملة التي تتجاوز القدرة المادية لكثير من الأسر، علاوة على وضع المرأة الريفية عمومًا، الذي انعكس سلبًا على حضورهن وحاجتهن لوثائق رسمية. أمين الشلح، موظف السجل المدني في فرع شبان، التابع لمصلحة الأحوال المدنية في إب، يؤكد أن من أسباب عدم حصول النساء في الريف على هوية شخصية: نقص الوعي بمدى أهمية البطاقة الشخصية عند أولياء الأمور، وعدم الاهتمام بحصول ذويهم على البطاقة الشخصية، وتدني مستوى الدخل للأسر الريفية، وبُعد المسافة بين الريف وفرع الأحوال المدنية، وارتفاع تكاليف النقل، إضافة إلى البيروقراطية القاتلة التي قد تجعل معاملة بسيطة مثل استخراج هوية شخصية تمتد أيامًا عدة.

من جهتها، تقول خولة الشرفي، رئيسة اللجنة الوطنية للمرأة، في محافظة إب: "إن العادات والتقاليد ضغطت كثيرًا على النساء في الريف، وحرمتهن من كثيرٍ من الحقوق ومتطلبات العيش البسيطة، وجاء الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به الأسر بسبب وضع البلاد ليكمل ما تبقى، ومن ثم الفئة الأضعف المتمثلة بالنساء والفئات الأشد ضعفًا، تحملت الكلفة الأكبر لهذا الحال الهش والقاسي".

وتشير الشرفي في معرض حديثها، إلى أنه حتى في فترات الاستقرار، كان يتم التعامل مع النساء كأعداد لا غير، مضيفة: "عدد لا بأس به من النساء من الجيل السابق، كن يملكن وثائق انتخابية، ليس لأن النخب والأحزاب تنظر لهن باعتبارهن مواطنات كاملات الأهلية، بل لأغراض الاستقطاب والتحشيد السياسي، وخدمة مصالح أصحاب النفوذ، للأسف الشديد، أما الكثير من نساء العقود الأخيرة فلا يملكن شهادة ميلاد، ولا حتى شهادة مدرسية".

في ذات السياق، تقول الصحفية والناشطة سماح عملاق: "إن عدم حصول النساء في الأرياف على خدمات التعليم، هو السبب وراء عدم امتلاكهن بطاقة الهوية الشخصية، فالعلاقة ارتباطية، ومن ثم تولد المرأة وتموت وهي لا تملك أوراقًا ثبوتية".

وتضيف عملاق: "إننا في المجتمع اليمني، غالبًا لا نفكر في الأوراق الثبوتية باعتبارها وثيقة لإبراز مواطنتنا، بل وسيلة للحصول على خدمات التعليم أو السفر للحج والعمرة، وكثيرٌ من النساء محرومات من هذه الخدمات، ولا يفكرن بها أصلًا، وإذا فكرن في قضاء مناسك الحج والعمرة، فأغلبهن يؤدينها بعد سن الأربعين، حينها تذهب المرأة مع ولي أمرها لقطع بطاقة شخصية وجواز سفر لأجل هذا الغرض فقط".

البطاقة شرط لتلقي الغذاء 

ترى بعض النسوة اللواتي التقينا بهن في ريف إب، أن امتلاك هوية شخصية غير ضروري للنساء؛ كون الكثير منهن عاملات في الزراعة وتربية المواشي. "للموه تحتاجيها واحنا موجودات أصلًا، ما فيش مع الرجال بطائق، فما بالك بالنساء اللي 90% منهن ما بوش معاهن بطائق"؛ جملة قالتها إحدى الريفيات، تعكس مدى غياب الوعي لدى الكثير من سكان الريف بأهمية البطاقة الشخصية.

ساهمت منظمات الإغاثة العاملة في اليمن منذ اندلاع الحرب، في تحفيز كثير من المستفيدين على الحصول على إثباتات هوية حتى يتسنى لها تقديم المساعدات لهم، ما دفع مصلحة الأحوال المدنية إلى إنشاء فروع وتشكيل لجان للنزول الميداني إلى القرى والعزل النائية لتسهيل حصول المواطنين على بطاقة شخصية.

ساهمت منظمات الإغاثة العاملة في اليمن منذ اندلاع الحرب، في تحفيز كثير من المستفيدين على الحصول على إثباتات هوية حتى يتسنى لها تقديم المساعدات لهم، ما دفع مصلحة الأحوال المدنية إلى إنشاء فروع وتشكيل لجان للنزول الميداني إلى القرى والعزل النائية، لتسهيل حصول المواطنين على بطاقة شخصية.

يؤكد الشلح: "باعتباري مطلع على السجلات المدنية، ألاحظ تحسنًا ملحوظًا في عدد النساء اللواتي قدمن للحصول على هوية شخصية، والفضل يعود لهذه اللجان إلى جانب المنظمات والجمعيات ومشاريع استهدفها الصندوق الاجتماعي في القرى والعزل النائية". مشددًا على أهمية الحصول على البطاقة، لإثبات المواطنة والجنسية، إلى جانب حصول المواطن على كافة حقوقه، ومطالبًا أولياء الأمور بأن يهتموا بحصول أبنائهم عليها، وأن يصححوا بيانات أبنائهم في شهادة الميلاد وشهادة المدرسة، ليسهلوا من حصولهم على البطاقة الشخصية.

فيما تؤكد الشرفي، أنّ كثيرًا من النساء كن يجهلن بوجود لجان من الخدمة المدنية في الأرياف مهمتها إصدار بطائق شخصية لمن بلغن السن القانونية ولا يحملن الهوية، وتضيف: "بالرغم من أن النساء في الريف قد يجهلن وجود هذه اللجان لعدم وجود الإعلان المسبق، فإن كثيرًا منهن حصلن على الهوية الشخصية".

(تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية، الذي تنفذه مؤسسة ميديا ساك للإعلام والتنمية)

•••
بكيل عبدالجليل

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English