كما هو معروف أن دائمًا هنالك دوافع لسلوكيات الإنسان؛ ومن عدة قراءات لواقع المجتمع اليمني فإن دافع الخوف والسلطة يكتسحان مساحات كبيرة وركائز أساسية، وجزء كبير من صيصان الخوف والسلطة المتهالكة، يتجلى في الرجل اليمني، بل يتم إزاحته على المرأة في مواضع عدة؛ مثل أن يتم التدخل وإجبارها على نمط معين في التعامل واللباس والحياة بشكل عام؛ ومن ثم يتم مهاجمتها إن لم ترتدِ السيادة الذكورية بألوانها وتفاصيلها.
وبالرغم من ذلك، فإن الهجوم واعتقاد أحقية السيادة الذكورية بالتدخل في مساحة المرأة الشخصية، يكشف عن مواطن الشعور بالتهديد والرفض من الرجل للمرأة التي تتحرك في مساحتها الشخصية، إضافة إلى جهل المرأة بضرورة الإيمان بالحقوق الذاتية من الداخل أولًا.
يستغل الشيطان الاختلافات لإعادة تفضيلها وسيادتها، وأحد فروعها هو اختلاف الجنس، الذي دفعت فيه المرأة ثمنًا كبيرًا، وتم استعباد جزء كبير من كينونتها، وكبت حريتها في تفاصيل كثيرة، ففي المجتمع اليمني لا يوجد احترام للحرية الشخصية باللباس للمرأة، ويتم إيذاؤها نفسيًّا ولفظيًّا وربما جسديًّا، ويتم تبرير ذلك بالآيات القرآنية التي يتم تحوير معانيها، والأحاديث المزورة والواردة من مصادر قليلة؛ بالإضافة إلى تبرير أحقية الرجل بالتحكم حتى بلباس النساء، وإذا لم يستطع التحكم في مواراتها عن الحياة باللباس الذي يحدده، يقوم بإصدار أحكام قاسية، كانعدام الشرف في انسدال شعر المرأة، حيث إن المفهوم العتيق عن المرأة بأنها عار في الوجود، وكأنهم يصححون خطأ في فكرة الخلق، ولذا فيجب مواراتها في الطبقات الكثيفة التي تصل إلى حد تقليل كمية أكسجين التنفس، حيث يتم تسويغه بمرجعيات مختلفة، كالدين والعادات والغيرة، التي ما هي إلا ستارة لمفهوم النرجسية.
تُعاقب المرأة كما الرجل في الدساتير الدينية والدولية؛ ولذا يلزم احترام حدودها الشخصية بغض النظر عن اختلاف روايات التفاسير الدينية والمجتمعية، حيث إن اختيار نمطٍ معين للمرأة في اللباس وغيره، يمس خصوصيتها الدينية والعقائدية فقط، وإن كان خاطئًا، وهذا هو ما يجب أن تؤمن به المرأة اليمنية، وإن اضطرت إلى أن تتماهى مع تقاليد المجتمع، خوفًا من ردّات الفعل العنيفة، التي تؤدي بها إلى كثير من المخاطر.
ومع الأسف، ليس وحده الرجل المدعم بالتقاليد والتفسير الديني الخاطئ إلى جانب التشوهات النفسية، هو المساهم الأوحد، بل إن المرأة أيضًا هي من تلقي على المرأة التي تختار نمطًا معينًا في لباسها، الاتهامات الباطلة، متجاوزة حدود الفرد الشخصية، وبغض النظر عن اختلاف تشريعاتها المختلفة، فالمرأة هنا في مساحتها الشخصية تنشر الرذيلة، ويتوجب معاقبتها. بالإضافة إلى انعدام التثقيف بالحقوق الإنسانية، لا سيما لدى المرأة نفسها.
أيديولوجية المجتمع اليمني
كثيرٌ مما يتعلق بالمرأة، يندرج تحت العار، ومحاولة دفنها وهي حية لم تنتهِ، وإنما تغير الأسلوب في ذلك، فصوت المرأة عورة، وجسد المرأة وما يصاحبه من طبيعة بيولوجية هو عورة أيضًا بلا شك، فهو الذي يستفز الذكورية ويؤدي إلى انعدام الأخلاقيات، لا سيما في المجتمع اليمني، حيث إن البعض يرغبون في تكليف أنفسهم بغير علمٍ، ككهنة؛ ويريدون أن يتحكموا بلبس الأخريات، وإذا لم يستطيعوا فإنهم سيهاجمون وسيؤذون ما استطاعوا إليه سبيلًا، سواء كانوا من الذكور أو الإناث، فالذكر وما تم التلاعب بحدوده، يتجاوزها إلى إقامة العقوبات في أحقية ممارسات الأخريات الشخصية.
وكذلك المرأة التي جُلدت في إثر تحميلها لعنة وجودها في الحياة، فإنها تزيح آلامها على المرأة الأخرى التي تقرر التحرك في مساحتها الشخصية، فالسبب الجوهري يكمن في المرأة ذاتها، تلك التي تؤمن بضرورة الخضوع للأحكام البشرية، بل واعتقادها بأن المفترض هو سيادة البعض في تحديد الأطر الشخصية، بل والتعدي إلى معاقبتهم.
وبغض النظر عن ضرورة التماهي مع تقاليد المجتمعات لظروف معينة، فإن المشكلة الأعمق هنا تكمن في تصديق المرأة بأنها تستحق العقاب المجتمعي أولًا، ومن ثم النار الإلهية بإكسسواراتها المختلفة؛ نظرًا لأنّها لا تتوارى تحت الطبقات، ولا سيما السوداء والمصممة بطابع خاص، والتي تختلف الروايات الدينية على ذلك، في حين أن الأكثر منطقيّةً وقبولًا هو ما لا ينص عليه أيديولوجية المجتمع اليمني في لباس المرأة.
استكشاف قوانين الطبيعة
تُعاقب المرأة، كما الرجل، في التشريعات والنصوص الدينية؛ ولذا يلزم احترام حدودها الشخصية بغض النظر عن اختلاف روايات تفاسير الدِّين والمجتمع، فإن اختيار نمطٍ معين للمرأة في اللباس وغيره، يمس خصوصيتها الدينية والعقائدية فقط، وإن كان خاطئًا، وهذا هو ما يجب أن تؤمن به المرأة اليمنية وإن اضطرت إلى أن تتماهى مع تقاليد المجتمع خوفًا من ردّات الفعل العنيفة، التي تؤدي بها إلى كثير من المخاطر.
كما يجب على الذكر اليمني أن يفقه ذلك ما استطاع؛ لأنه متضرر رئيسي في إثر هذا الصدد؛ حيث إن السيكولوجية المشوّهة للرجولة ستوقعه في فخ الانكسار، عاجلًا أم آجلًا، وتبعده عن مواضع إنجازاته الحقيقية، وفي صناعة جزء كبير من القرار بأوجهه المختلفة.
ينتصر قانون البقاء للأصلح أينما اتجه الإنسان، ويبقى الدينُ المصمم بما يتناغم مع طبيعة الفرد واحتياجاته وحدوده، وإن تم محاولة إطفائه. ودورنا أن نعيد استكشاف قوانين الطبيعة، ومن ثم التماهي معها، وألّا نعاندها، مثل محاولة ارتداء القطع المختلفة التي تناسب سنة الاختلاف مع الوصول ربما بعد ذلك إلى ثقافة واحدة.