يحضُر اسم اليمن، الذي يشهد نزاعًا مسلحًا داميًا منذ نحو ستة أعوام، في التقارير الدولية كأكثر بلد تنتهك فيه حقوق الإنسان في العالم. وإزاء هذه الممارسات ظهرت مدافعات شجاعات عن حقوق الإنسان، ونظير دأبهن منقطع النظير لفتن أنظار العالم إلى ما يحدث في بلدهن، ولاقى هذا العمل تقديرًا، فتم منحهن جوائز رفيعة المستوى. وفي اليوم العالمي للمدافعات عن حقوق الإنسان، نستعرض نساء يمنيات حصلت على جوائز عالمية، في العام ٢٠٢٠.
جائزة "مارتن إينالز"
مع مطلع 2020، أعلن عن تكريم المحامية هدى الصراري، بجائزة مارتن إينالز الحقوقية، التي تمنح لأبرز المدافعين عن حقوق الإنسان في العالم. حصول الصراري على هذه الجائزة رفيعة المستوى، كان تكريماً لجهودها، وشجاعتها في التطرق لمسألة غاية في الخطورة، وهي قضية السجون السرية في عدن.
ومارتن إينالز هي جائزة تم إطلاقها في العام 1993، لتكريم المدافعين عن حقوق الإنسان وحماية الأفراد حول العالم. وقد سميت الجائزة باسم "مارتن إينالز"، الأمين العام السابق لمنظمة العفو الدولية.
يتم ترشيح فائز بالجائزة كل عام، ومن بين أعضاء هيئة المحلفين: منظمة العفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش، والاتحاد الدولي لحقوق الإنسان، والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب، وفرونت لاين ديفندرز، ولجنة الحقوقيين الدولية، وحقوق الإنسان أولًا، والخدمة الدولية لحقوق الإنسان، ودياكوني ألمانيا، وهريدوكس.
في حديث لـ"خيوط"، تصف هدى لحظة الإعلان عن فوزها بالجائزة، بأنها مزيج من المشاعر؛ شعور بالنصر للنساء اللاتي لسعتهن أشعة الشمس، وتشققت أقدامهن من الوقوف أمام المقرات العسكرية، والأمنية، للبحث عن ذويهن، وفي الوقت نفسه، شعور بالحزن لأن هذه الجائزة، لن تنقذهم.
تضيف: "كان ذلك تعبيرًا بأن صوتنا وصل، واعترافًا بقضيتنا، في اللحظة التي لم يكن أحد يسمعنا في الداخل، بل إننا تعرضنا للتخوين، والتهم الكثيرة".
عملت هدى الصراري منذ وقت مبكر في اتحاد نساء اليمن، وبقيت تدافع عن حقوق الإنسان لفترات طويلة، تقول إن هذا الاعتراف الدولي مدعاة فخر لها، وتعزيز لإيمانها بالعمل الذي تقوم به. وتؤكد استمرارها في المضي بالدفاع عن قضايا حقوق الإنسان: "سأكمل قضيتي التي ابتدأتها، ولن أتوقف، حتى يتم معاقبة المنتهكين، وجبر ضرر المظلومين، قد لا أعيش لذلك اليوم، لكنه سيأتي لا محالة، فالجرائم لا تسقط بالتقادم".
الدفاع عن حقوق الإنسان مهمة صعبة، يخوضها الشخص، كمغامرة، محاولًا حماية حياة الآخرين، لكن الأكثر صعوبة، العمل في بلد يعيش صراعًا محتدًّا مثل اليمن، ورغم أن كل الأنظمة القمعية يزعجها الأصوات التي تقف في صف الضحايا، وتعتبرهم أعداء لها، إلا أن وضع اليمن تعتبر خطورته مضاعفة. لكن الصراري تعتقد أن ذلك ليس غريبًا، وتقول: "رغم أن البعض يترك العمل الحقوقي، خوفًا من العواقب، لكن، من الطبيعي أن يكون المدافعون عن حقوق الإنسان منبوذين من كافة أطراف الصراع؛ لأنهم يقومون بتسليط الضوء على جرائم المنتهكين"، وتضيف، أنه في اليمن، حتى القضاء -الذي يعتبر الضامن الوحيد لحفظ كرامة الناس- يتم استخدامهم من قبل السلطات ضد المواطنين؛ لذا لم يتبقَّ جوار الضحايا، إلا هؤلاء المدافعين عن حقوق الإنسان، وفي النهاية يكتشف المدافعون أنفسهم وحيدين في وجه المدفع، يتعرضون للتهديد، والتشهير، والقذف، هذا إذا لم يتعرضوا للقتل.
أن المدافعات عن حقوق الإنسان في المجتمع اليمني، هن أكثر جراءة، وذلك لتعرضهن للإساءات المستمرة، والشتائم التي تطال حتى الأسرة، مما يحول الأسر لوسيلة ضغط ضدهن
السير في هذا العمل، يعود على الشخص بالكثير من المخاطر؛ تؤكد ذلك هدى، وتقول إن مجرد خوض الناشط في بعض القضايا يصبح معرضًا لكافة أشكال الخطر: "نتيجة لاقترابي من بعض الملفات، أعيش الآن خارج بلدي، ولا أستطيع العودة، وخسرت ابني نتيجة لانتشار ميليشيات تعمل خارج إطار القانون، بينما تُرتكب كل أنواع الجرائم دون أي رادع، وإلى الآن؛ لم يتم حتى التحقيق بمقتله".
وترى هدى، أن المدافعات عن حقوق الإنسان في المجتمع اليمني، هن أكثر جراءة، وذلك لتعرضهن للإساءات المستمرة، والشتائم التي تطال حتى الأسرة، مما يحول الأسر لوسيلة ضغط ضدهن.
وتضيف: "لكن النساء أثبتن شجاعتهن في هذه الحرب، من خلال العمل في الصفوف الأمامية، سواء بالمجال الحقوقي لأجل الضحايا، وفي الإغاثي، والإنساني، أو من أجل بناء السلام"، وتختتم حديثها:" رسالتي لكل المدافعين عن حقوق الإنسان المواصلة، والاستمرار، وهذه التركة الكبيرة من الانتهاكات، لا يجب التوقف أمامها، بل مؤازرة الضحايا، حتى تتحقق العدالة الجنائية، وعودة الدولة، ومؤسساتها، هذه مسؤوليتنا الأخلاقية، مهما كانت توجهاتنا".
جائزة "آنا بوليتكوفيسكايا"
أما رضية المتوكل وهي ناشطة حقوقية بارزة ورئيسة منظمة مواطنة لحقوق الإنسان- واحدة من أبرز المنظمات الفاعلة في مجال حقوق الإنسان في اليمن، فقد تم اختيارها من مجلة التايم ضمن 100 شخصية مؤثرة حول العالم لعام 2019، وفي أكتوبر/ تشرين الأول2020، أُعلن فوزها بجائزة "آنا بوليتكوفيسكايا" الشهيرة، نظير جهودها في توثيق الانتهاكات التي يتعرض لها المدنيون في اليمن.
وآنا بوليتكوفسكايا: هي جائزة باسم الصحافية آنا بوليتكوفسكايا تكريمًا لها، وتُمنح الجائزة للمدافعات عن حقوق الإنسان في مناطق الحروب والنزاع. تأسست الجائزة سنة 2007.
في السابع من تشرين أول من العام 2006، قتلت آنا بعد أن كشفت الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضد المدنيين في إقليم الشيشان، وهو غالبًا ما تسبب في موتها.
2015 اليمن لم يكن بخير أبدًا، لكن الوضع زاد سوءًا مع دخول الحوثيين [أنصار الله] إلى صنعاء في 2014 ، ومن ثم تدخل التحالف بقيادة السعودية والإمارات في
ومنذ ذلك الوقت تُمنح جائزة آنا بوليتكوفسكايا سنويًّا لإحدى المدافعات عن حقوق المرأة في أرجاء العالم.
وعن هذا التقدير، تقول رضية المتوكل إنه شعور رائع؛ "هذا تقدير لقدرة عملنا في مواطنة على إيصال أصوات الضحايا لمساحات أوسع داخل وخارج اليمن". وبحسب المتوكل، فإن هذه الجوائز باعتبارها شكلًا من أشكال الاعتراف الدولي، يساعد في تسليط الضوء على الحرب في اليمن.
بالطبع إن الحصول على هذه الجوائز العالمية يعطي دافعًا كبيرًا للمواصلة، لكنها بالمقابل تلقي المسؤولية على عاتق المدافعين، والمدافعات، بالإضافة إلى الكثير من الضغوط، لمواصلة العمل.
وتضيف المتوكل لخيوط: "لا يوجد ضغط أسوأ من ضغط النزاع المسلح في اليمن، وغياب الدولة عن كل محافظاتها، وهنا تأتي مسؤوليتنا في مواجهة هذه الأوضاع من أجل حماية المدنيين، والدفع باتجاه المساءلة، ووقف الحرب".
العمل في الدفاع عن حقوق الإنسان، مهمة إنسانية نبيلة، لكنها لا تلاقي دائمًا الساحة المناسبة، ولا طريقًا مفروشًا بالورد، بل هناك صعوبات وعوائق كثيرة في كل العالم، وفي اليمن، يزيدها صعوبة، وضع الحرب المستمرة منذ ست سنوات.
وتواصل رضية: "اليمن لم يكن بخير أبدًا، لكن الوضع زاد سوءًا مع دخول الحوثيين [أنصار الله] إلى صنعاء في ٢٠١٤، ومن ثم تدخل التحالف بقيادة السعودية والإمارات في ٢٠١٥، وما ترتب عليه من انهيار كامل للدولة، وسيطرة جماعات مسلحة مختلفة على كل اليمن، وارتكاب جميع الأطراف لانتهاكات جسيمة".
ليس من السهل العمل في ظل هذا الوضع المعقد، لكن رئيسة منظمة مواطنة، تقول إنه ما زال هناك مساحة لمن أراد وضع بصمته في عمل حقوقي مهني، ومستقل، وتستدل على ذلك، بعملهم في "مواطنة"، التي ترفع أصوات الضحايا، وتعمل في كل اليمن رغم العديد من المخاطر، بحسب تعبيرها.
تعتبر اليمن من أكثر الدول التي يتعرض مواطنوها للانتهاكات، التساؤل هنا: هل المدافعون، والمدافعات، وكل الناشطين في مجال حقوق الإنسان يقومون بما يجب عليهم؟ في هذا السياق تعبر رضية، عن فخرها بزميلاتها، وزملائها، في "مواطنة" لجهودهم، وتقول إن العائق الذي يقلل من الأداء، ويؤثر في الوضع العام، هو قلة المنظمات الحقوقية المستقلة، وتؤكد: "لو كان العمل الحقوقي المستقل والمهني متواجدًا لانعكس ذلك على واقعنا بشكل كبير"، وتختم حديثها بالامتنان لكل جهد مهني مستقل، فرديًّا كان أو مؤسسيًّا؛ لأن ذلك سيوجد طريقًا نحو يمن متعافٍ، ولو بعد حين.
تتعرض المتوكل للعديد من الانتقادات، والحملات الممنهجة، فيما يخص ذلك، تقول: "لا مشكلة في الانتقادات المهنية، أما بالنسبة للحملات التي تشن ضد "مواطنة" أو ناشطي حقوق الإنسان، قد يحتاج البعض للتوضيح لمن يلتبس عليه الأمر من خارج إطار الحملات المنظمة، ويبقى الرد الحقيقي هو المزيد من العمل".
وبخصوص المخاطر التي يتعرض لها الحقوقيون، تقول رضية: "الحقيقة أن اليمنيين كلهم آمنون بالصدفة؛ لأن المخاطر حولهم كثيرة، فما بالك بالعمل الحقوقي الذي يواجه أطراف النزاع بانتهاكهم". وهي لا تنسى توجيه تحية لكل المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان في أنحاء العالم، واصفة إياهم؛ ببارقة الأمل التي ستجعل هذا العالم أكثر عدلًا.
يمنيات حصلن على جوائز عالمية
وهناك يمنيات حصلن على جوائز عالمية هذا العام، مثل الناشطة والكاتبة الصحفية، بشرى المقطري، التي حصلت على جائزة "بالم" الألمانية لحرية الفكر، وذلك لدفاعها عن حقوق الإنسان والحريات في اليمن. كما فازت بشرى بجائزتين دوليتين قبل جائزة "بالم". وهناك أيضًا منى لقمان، التي فازت بجائزة السلام، وحقوق الإنسان الدولية.
وبكل تأكيد، هناك الكثير لم يحصلن على جوائز، من المدافعات عن حقوق الإنسان، لكن حتى وإن لم تحدِث الجوائز تأثيرًا مباشرًا، في التخفيف من معاناة الناس الذين يتعرضون للانتهاكات على أرض الواقع، إلا أن منحها لبعض المدافعات، يدل على وجود جهود تحاول الحد من هذه الانتهاكات، وتعبر عن تقدير للأصوات التي رفعت في وجه المنتهكين، رافضة التنكيل الذي يتلقاه الشعب اليمني، من قبل كل أطراف الحرب.