من مستشفى لآخر ظل الشاب وائل أحمد (٣٦ سنة) -وهذا اسم مستعار بناء على طلبه- يتردد على أقسام الكُلى في صنعاء؛ لا للاستطباب، وإنما للبحث عن مريض يرغب بشراء كليته وتتطابق معه فصيلة الدم وتحاليل الأنسجة.
في كل مرة يزور فيها مراكز الكلى بصنعاء، كان وائل يحرص على اصطحاب نتائج فحوصاته الطبية التي تؤكد سلامته من أي مرض. "إلى الآن عثرت على واحد، وأُجريت لي الفحوصات وتحليل الأنسجة، لكنها لم تتطابق معه، وهناك اثنان راسلوني وأرسلت لهم تحاليلي يشوفوها عند الدكتور مع تحاليل مرضاهم، وعلى الله"، قال وائل لـ"خيوط".
وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعبر أصدقائه أيضًا، لا يكل وائل ولا يمل من البحث عن مشترٍ لكليته؛ ظروفه القاهرة أجبرته على ذلك. "ياخي أيش أسوّي؟ أروح أسرق!" ردًّا على سؤال: لماذا قرر بيع كليته؟
حتى العام ٢٠١٥، حين أخذت الحرب انعطافتها الكبرى، كان وائل يعمل سائق تاكسي أجرة، وما كان يجنيه من ذلك العمل كان يساعده على دفع إيجار البيت وتوفير احتياجات أسرته المكونة من أم وستّ أخوات، إضافة إلى زوجته وطفله. ساءت أحوال البلاد بفعل الحرب والحصار، وتردي الظروف المعيشية في عموم اليمن؛ الأمر الذي أصاب حياة الناس في مقتل، خصوصًا أن ظروف المعيشة حتى قبل اندلاع الحرب، كانت هشّة بما في ذلك موظفو مؤسسات الدولة.
تفاقُم الظروف المعيشية يومًا بعد آخر، وارتفاع أسعار متطلبات المعيشة بشكل غير مسبوق، دفع وائل في نهاية المطاف إلى عرض عضو من أهم أعضاء جسده للبيع، بغرض شراء باص يعمل عليه لتوفير احتياجات أسرته
بقاء الحرب والصراع أدّى إلى ازدهار البطالة وتدهور الاقتصاد الوطني، وعطّل الحياة. غابت المشتقات النفطية وارتفعت أسعارها بشكل جنوني، وأحيانًا كثيرة كانت تنعدم وتختفي، وبحكم أن حياة وائل كانت قائمة على سيارة الأجرة، فقد تحول إلى عاطل عن العمل، وعاجز عن إيجاد فرصة عمل بديلة. كما ظلت سيارته متوقفة عن الحركة لفترات طويلة. تكالبت عليه الظروف الصعبة وأصبح غارقًا في الديون، ما جعله يقدم على بيع سيارته التي كانت مصدر دخله الوحيد، خصوصًا بعد توقفها عن العمل؛ "كان عندي سيارة تاكسي، لكن من بعد ٢٠١٥، بدأت الأمور تتدهور، وتدهورت معها حياتنا ومعيشتنا". يقول وائل الذي يعمل الآن في غسل السيارات بدلًا من قيادتها. "الحمد لله على كل حال، الآن أعمل مُغسِّل سيارات بالشارع، وأملي بالله كبير بالفرج"، يضيف.
ساعات طويلة يقضيها وائل في الشارع تحت حرارة الشمس، منتظرًا مجيء سيارة ليغسلها بأجر زهيد بالكاد يكفي لإعالة شخص واحد، فما بالكم بأسرة مكونة من ٩ أفراد.
بقاء وائل وسط ظروف معيشية صعبة، جلب له المزيد من الهموم والمعاناة التي تفاقمت بتفاقم الظروف إلى أن وصلت حدّ طلب زوجته الطلاق منه دون رجعة؛ ولم يكن أمامه أي خيار سوى تنفيذ الطلب.
يشعر وائل بغصة كبيرة، خصوصًا بعد أن تركته زوجته التي كان يأمل أن تقاسمه همومه وتقف إلى جانبه كي يقوى على الصمود في وجه تحديات الحياة، لكنها قررت طلب الطلاق منه، الأمر الذي أضاف له مشكلة جديدة إلى جانب مشاكله الحياتية المتطورة.
تفاقم الظروف المعيشية يومًا بعد آخر وارتفاع أسعار متطلبات المعيشة جراء تدهور الاقتصاد وانهياره بشكل غير مسبوق، دفع وائل في نهاية المطاف إلى عرض عضو من أهم أعضاء جسده للبيع، وذلك بغرض افتتاح مشروع صغير يستطيع من خلاله العمل بشكل يومي، والإيفاء باحتياجات أسرته وطفله.
يقول عما يريد فعله في هذا الظرف: "أريد أن أوفر كل شيء لأهلي عن طريق شغلي، إذا بعت كِليتي سأشْتري "باص" واشتغل به عشان أوفر لقمة عيش لهم. أريد أن أفتح لي بيت وأتزوج وأُدرّس ابني. أريد أن أستقر؛ تعبت، تعبت كثيرًا، ولهذا سأبيع كليتي لأخفف على نفسي من هذا التعب الذي أرهقني وأرهق أسرتي أيضًا".
وردًّا على سؤال عما إذا كان قراره بيع كليته سيكون له مخاطر صحية أو مضاعفات على حياته مستقبلًا، يقول: سأبيع كليتي ولا مشكلة فيما سيحدث لي، أهم شيء أن أوفر لأسرتي لقمة عيش ومصدر دخل.
غير أن هناك مشكلة ستقف أمام الرجل دون تحقيق ما يريد، وهي ليست المخاطر الصحية التي ستترتب على استئصال كليته، فبحسب تأكيدات الطبيب فهمي الحناني، مدير قسم الكِلى في مستشفى الثورة بتعز، فإن "عملية الاستئصال للكلية لا تسبب أي مشكلة لدى الشخص "المُعطي"، كون الكلية الأُخرى ستتوسع بشكل أوتوماتيكي لتؤدي دور الكُليتين في آنٍ واحد، لكن المشكلة ستصبح عند الشخص "المُستقبِل"، لأن جسمه لن يتعايش مع الكلية الجديدة إلا عند تناوله للأدوية المثبطة للمناعة بشكل مستمر". ويضيف الحناني في حديثه لـ"خيوط": "في هذه الحالة قد يفقد "المستقبِل" حياته إذا تعرض لأي مرض، وهذه نتيجة طبيعية لفقدانه للمناعة، هذا إذا توفر العلاج المثبط للمناعة أصلًا، كونه شبه منعدم في اليمن".
ويؤكد الطبيب الحناني، على أن "القضاء اليمني لا يسمح ببيع الأعضاء البشرية والمتاجرة بها، بينما يجيز لمن أراد أن يتبرع فقط، لأحد أقاربه أو محبّيه، وذلك من خلال تصريح رسمي من المحكمة". كما يفيد بأن "عملية الاتجار بالأعضاء البشرية موجودة في اليمن، ولكن بالالتفاف والتحايل على القانون، من خلال ظهور البايع كمتبرع، بينما عملية البيع والشراء تبقى سرية بين "المُعطي" و"المُستقبِل".
ولا يوجد حتى الآن قانون رسمي في اليمن يجرّم بيع الأعضاء البشرية، عدا المادة (248) في قانون الجرائم والعقوبات لسنة 1994، بصيغتها التي كانت الحكومة اليمنية في العام 2014، بصدد تعديلها لتشمل كل من "يقوم بشراء أو بيع أو إهداء البشر أو يتعامل بالاتّجار بالبشر أو من يقوم باستقدام شخص إلى اليمن أو ابتعاثه خارج اليمن لغرض استغلاله".