شكّلت هجمات الحوثيين في البحر الأحمر انقلابًا مهمًّا في المنطقة، فقد كانت سببًا في تغير طرق التجارة البحرية في المنطقة، وحرمت إسرائيل من وصول البضائع عبر البحر الأحمر. ونتيجة لهذه الهجمات اختلفت طرق التجارة البحرية في المنطقة لتمر عبر الرجاء الصالح في أطراف إفريقيا. بل وشكّلت تهديدًا حقيقيًّا لسلامة الملاحة البحرية العالمية، مما استدعى تدخل حلف دولي لحماية السفن، بما يسمى "حارس الازدهار".
حليف كمشكلة معقدة
صحيحٌ أن هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، انطلقت بسبب العدوان الإسرائيلي في غزة، غير أن هنالك منعطفًا آخر قد يؤثر على طبيعة الأوضاع في البحر الأحمر، وهي الحرب الروسية الأوكرانية. فعلى الرغم من أن الحرب الروسية الأوكرانية، بدأت بشكل رئيسي كمحاولة روسية للسيطرة على كييف، فإنها سرعان ما تحولت إلى نوع جديد من الحرب الباردة، خصوصًا مع تهديدات روسيا بتقديم أسلحة إلى دول معادية للدول الداعمة لأوكرانيا. فقد قال ديمتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي إن الرئيس فلاديمير بوتين، سمح، لأول مرة، بإرسال الأسلحة الروسية إلى مناطق هي في حالة حرب مع الدول التي تزود أوكرانيا بالسلاح. ولا شك بأن هذا التصريح يمثل تغيرًا كبيرًا في السياسة الخارجية الروسية.
إن محاولة الحوثيين استغلال حالة الصراع بين روسيا وأمريكا، قد تكون سببًا للحصول على أسلحة أكثر تطورًا، لها القدرة على تغيير الوضع العملياتي في اليمن. ومع ذلك، فإن العلاقات الروسية السعودية قد تشكل حجر عثرة أمام إيصال أسلحة نوعية للحوثيين.
وعلى الرغم من أن هنالك الكثير من الأطراف التي يمكن لروسيا أن تزودها بالسلاح، فإننا في هذه المقال سنركز بشكل رئيسي على الحوثيين. فقد مثلت هجمات الحوثيين على البحر الأحمر مشكلة معقدة بالنسبة لأمريكا، لا سيما أن هذه الهجمات تهدّد الملاحة في البحر الأحمر الذي يعتبر شريانًا مهمًّا في طريق التجارة العالمية. خصوصًا بعد إعلان الحوثيين امتلاكهم صواريخ فرط صوتية، وهو ما فتح الباب على التكهنات عن مصدر هذا النوع المتقدم من الصواريخ.
وتزامن ذلك مع اتهامات الولايات المتحدة لروسيا بإجراء مباحثات مع جماعة أنصار الله (الحوثيين) اليمنية لتزويدها بالسلاح، وفقًا لوكالة الصحافة الفرنسية. وقال المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن تيم ليندركينغ: "لا نعلم إن كان نقل الأسلحة يتم بينما نحن نتحدث، لكن الأمر بلغ حدًّا يستدعي أن ندق جميعًا ناقوس الخطر لضمان عدم حدوث ذلك".
وعلى الرغم من رفض مسؤول أمريكي كبير، تسميةَ الأنظمة المحددة التي يمكن نقلها، فإنه أكّد أن روسيا كانت تناقش تزويد الحوثيين بالصواريخ، إلا أن التكهنات تشير إلى صواريخ ياخونت. ومع ذلك ووفقًا لـ7 مصادر للوكالة الفرنسية، فإن روسيا لم تقرر بعد نقل صواريخ ياخونت، المعروفة أيضًا باسم "بي 800 أونيكس"، التي قال خبراء إنها ستسمح للحوثيين بضرب السفن التجارية في البحر الأحمر بدقة أكبر، وزيادة التهديد للسفن الحربية الأمريكية والأوروبية التي توفر الحماية لحركة الملاحة. وإن صحّت هذه الأخبار فلن تكون هذه المرة الأولى التي ترسل فيها روسيا هذا النوع من الصواريخ للشرق الأوسط، فقد قامت بتزويد حزب الله بنفس السلاح في وقت سابق. مما يعني أن هذا السلاح لا تفرض روسيا عليه حظرًا للتصدير.
وقال مسؤولان إقليميان مطلعان على المحادثات، لرويترز، إن الحوثيين والروس التقوا في طهران مرتين على الأقل هذا العام، وإن المحادثات جارية لتوفير عشرات من الصواريخ التي يقارب مداها 300 كيلومتر، ويتوقع عقد اجتماعات أخرى في طهران في الأسابيع المقبلة. وعلى الرغم من عدم التعليق الروسي على الأمر، فإن محمد عبدالسلام المتحدث الرسمي باسم جماعة الحوثي، قال لرويترز: "لا علم لدينا بما ذكرتم". ويعتبر صاروخ ياخونت أحد أكثر الصواريخ المضادّة للسفن تقدمًا في العالم، وهو مصمم للتحليق فوق سطح البحر لتجنب اكتشافه، وتصل سرعته إلى مثلي سرعة الصوت؛ مما يجعل اعتراضه صعبًا.
تغيير قواعد اللعبة
هذا، وتشير بعض التقارير إلى أنه في أغسطس/ آب، روسيا تراجعت عن إرسال شحنة من الصواريخ بسبب الضغوط السعودية والأمريكية. قال فابيان هينز، خبير الصواريخ الباليستية في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، إن نقل روسيا صواريخ ياخونت إلى الحوثيين من شأنه "تغيير قواعد اللعبة" بالنسبة للأمن الإقليمي. وأضاف: "قدرة بي-800 أكثر بكثير من الصواريخ الباليستية المضادة للسفن وصواريخ كروز التي يستخدمها الحوثيون حتى الآن". وقال هينز إن روسيا ستحتاج إلى المساعدة في جوانب فنية لتسليم الصواريخ، بما في ذلك كيفية نقلها وتشغيلها دون أن تكتشف الولايات المتحدة الأسلحة وتدمرها، كما سيحتاج الحوثيون إلى التدريب على النظام.
في رأينا الشخصي، أن نقل الصواريخ الروسية إلى الحوثيين سيشكل نقلة نوعية، ولكن نقل مثل هذه الأسلحة قد يشكّل تهديدًا على السعودية، وهذا مما قد يعني اكتساب روسيا لأعداء جدد في منطقة الشرق الأوسط التي تحاول تثبيت أقدامها فيها.
إنّ محاولة الحوثيين استغلال حالة الصراع بين روسيا وأمريكا، قد تكون سببًا للحصول على أسلحة أكثر تطورًا، لها القدرة على تغيير الوضع العملياتي في اليمن. ومع ذلك، فإن العلاقات الروسية السعودية قد تشكل حجر عثرة أمام إيصال أسلحة نوعية للحوثيين.
أما في الداخل اليمني، فلا تبدو أطراف الحرب مستعدة للعودة إلى متارس المعارك، لا سيما أن الهدنة مستمرة منذ ما يقارب العامين والنصف؛ لذا فإن أيّ أسلحة روسية تصل إلى الحوثيين سيكون الهدف الرئيسي منها هو مهاجمة المصالح الغربية في البحر الأحمر، وليس تهديد السعودية أو فرض واقع جديد في الداخل اليمني.
ونحن لا نعتقد بأن الأسلحة الروسية المتطورة ستُستخدم في البحر الأحمر إلا في حالة تحوُّل الحرب إلى حرب إقليمية كبرى، أو تطورات متسارعة. بمعنى آخر؛ الأسلحة الروسية الفرط صوتية التي أشرنا إليها آنفًا ستستخدم ضد البوارج الأمريكية الغربية في المنطقة عندما تشتعل حرب إقليمية في المنطقة. وليس مستبعدًا أن نرى أسلحة روسية أخرى تستخدم أيضًا.
فما دون ذلك سيستمر الحوثيون في إطلاق هجماتهم في البحر الأحمر دون أن يستخدموا أي نوع من الأسلحة الروسية المتطورة، فليس من مصلحة روسيا الآن أن تتورط في استهداف بوارج عسكرية أمريكية.