يعمل جيش من العمال في نظافة المستشفيات التي تنتشر في مختلف المناطق والمدن اليمنية، وسط بيئة موبوءة صحيًّا، نتيجة الزيادة الكبيرة لأعداد المصابين بفيروس كورونا، حيث تتفاقم الإصابات بصورة مهولة، وسط غياب الإحصائيات الرسمية الدقيقة، وتخلي السلطات الصحية في كافة مناطق البلاد عن الدور المنوط بها، من فرض وتنفيذ حزمة إجراءات احترازية وقائية للحد من انتشار الفيروس، والمساعدة في تقليل نسبة خطر الإصابات.
ويبدو الوضع الصحي أشد خطورة بالنسبة لعمال النظافة داخل المستشفيات، وهم الفئة الأكثر عُرضة للإصابة بفيروس كورونا. كونهم يعملون في عملية التنظيف وإزالة نفايات جميع المرضى المتواجدين في تلك المشافي، بمن فيهم مصابي فيروس كورونا.
وتكاد تنعدم عن غالبية عمال النظافة كثير من وسائل إجراءات السلامة الوقائية من خطر الإصابة بفيروس كورونا في معظم المستشفيات، التي صارت مؤخرًا بؤرة لانتشار الفيروس خلال موجته الثانية الفاقدة لكافة الإجراءات الاحترازية الضرورية والمهمة، تحديدًا في أوساط المواطنين.
نجيب هبة (30 سنة)، عامل نظافة في أحد المستشفيات بالعاصمة صنعاء، يخشى إصابته بفيروس كورونا خوفًا من نقله لوالدته المصابة بالسكري وضغط الدم.
ويقول نجيب لـ"خيوط"، إنه يحرص جاهدًا على عدم ملامسة نفايات مرضى الجهاز التنفسي بصورة رئيسية، محاولًا الابتعاد عن العمل بذاك القسم، ليعمل في نظافة بعض الأقسام الأخرى داخل المستشفى.
وتختفي بعض مظاهر الإجراءات الوقائية من الإصابة بالفيروس في المستشفى الذي يعمل فيه نجيب، خصوصًا لعمال النظافة، الذين يبذلون جهودًا جبارة في رفع وإزالة نفايات المرضى، التي تحتوي معظمها على فيروسات مُعدية وقاتلة.
ويوضح نجيب أن ما يحصلون عليه من راتب لا يكفي لتوفير مستلزمات الحماية من نفايات المرضى، في ظل عدم اهتمام كثير من المرافق الصحية بصحة عامل النظافة ومعيشته.
تتحمل السلطات الصحية وقيادات المستشفيات المسؤولية الأخلاقية والطبية، لعدم وضع احترازات ملزمة باتباع وسائل وإجراءات الوقاية المناسبة لعمال النظافة، والذين يتقاضون رواتب ضئيلة لا تكفي لتوفير مستلزمات الحماية من نفايات المرضى
كونه حقلًا مليئًا بمخاطر الإصابة بالفيروسات، تتخلى إدارة معظم المشافي عن دورها، في توفير كافة الوسائل الوقائية لعمال النظافة، وتذهب للتعاقد مع شركات خاصة بالنظافة، للقيام بذلك.
الطبيب طه الخالدي، البالغ من العمر (41 سنة)، يبدي انزعاجه من إيلاء إدارة غالبية المستشفيات مهمة النظافة لشركات نظافة خاصة.
يقول لـ"خيوط"، إن النظافة في المستشفيات أمر في غاية الأهمية، ليظل معقمًا وخاليًا من الفيروسات، حيث تقوم شركات وسيطة بالمهمة، لكن دون أن توفر الأدوات الأساسية الخاصة بالسلامة المهنية لعمالها.
الجيش المنسي توعويًّا
تتباين المهام التي يقوم بها عمال النظافة في المستشفيات، لكنهم جميعًا يعملون في بيئة خطرة صحيًّا على حياتهم وحياة أُسرهم، نظرًا لعدم خلو نفايات المستشفيات من مخاطر الإصابة بالأوبئة والأمراض المُعدية، نتيجة مخالطة العمال للمرضى ونفاياتهم.
وتغفل كثير من إدارات المشافي الاهتمام بدور عمال النظافة والأثر الخطير المُحدق بحياتهم، كما في وضعنا الصحي الراهن. إضافةً إلى ذلك يفتقد عمال نظافة المستشفيات من الجنسين، إلى التدريب اللازم في التعامل مع نفايات المرضى والمصابين، في كيفية الرفع والإزالة والتنظيف، وتعقيم مكان المريض، وعدم توعيتهم بمخاطر ملامسة نفايات المرضى وكيفية تجنب خطرها.
ويقول أشرف الصوفي وهو خبير متخصص في صحة البيئة، لـ"خيوط"، إن كثيرًا من العاملين في نظافة المستشفيات يكونون غير مُتدربين على العمل، والمستشفيات لا تعمل على مساعدتهم أو توعيتهم وتثقيفهم حول خطورة عملهم، والعمال لا يدركون مخاطر الإصابة.
ولا تحظى هذه الفئة العاملة باهتمام وسائل الإعلام والناشطين في منصات التواصل الاجتماعي، من جانب التركيز على دورهم الأساسي في نظافة المستشفيات والثناء عليهم، أو توعيتهم بما هو مناسب لأخذ احتياطاتهم اللازمة؛ كون مقرات أعمالهم في المستشفيات أكثر خطرًا. وغالبًا ما يعمل في تلك المهنة أشخاص تكون مستوياتهم التعليمية متدنية، والبعض لم يخُض أي طريقٍ للتعليم، ذكورًا وإناثًا.
جمعة شوعي، البالغة من العمر (58 سنة)، وهي عاملة نظافة في إحدى المستشفيات الخاصة في صنعاء، تقول لـ"خيوط"، إنها بدون عائل يتكفل بها وينفق عليها وبدون إي مؤهل دراسي، الأمر الذي دفع بها للعمل بالنظافة في هذا المرفق الصحي.
ويعمل هذا الجيش من عمال النظافة بصمت ودون ضجيج، يواجهون مخاطر الإصابة بفيروس كورونا القاتل، حيث لا يحظون بأي اهتمام إعلاميًّا وتوعويًّا. كما أنهم لا يحصلون على مرتبات مجزية نظير الأعمال التي يقومون بها، والمخاطر الصحية التي يتعرضون لها من بيئة عملهم.
مخاوف تعرضهم للإصابة
مع تزايد أعداد المصابين بفيروس كورونا، تبقى حالة الصمت في الإعلان عن خطورة الوضع الصحي من قبل السلطات المعنية، هي السائدة، إذ تستقبل المستشفيات في صنعاء وفق مصادر طبية، عشرات الحالات التي يشتبه إصابتها بفيروس كورونا.
ويثير هذا الوضع قلق عمال نظافة المستشفيات، الذين يفتقد أغلبهم لوسائل الإجراءات الاحترازية اللازمة، ليقوا أنفسهم من خطر الإصابة بالفيروس.
وتتحمل السلطات الصحية وقيادات المستشفيات المسؤولية الأخلاقية والطبية، لعدم وضع احترازات ملزمة باتباع وسائل وإجراءات الوقاية المناسبة، من التعقيم المستمر للأماكن الأكثر عرضة لتواجد الفيروس، وكذلك ارتداء الكمامات الطبية، والقفازات، بالإضافة إلى تعقيم اليدين، وتطبيق عملية التباعد الاجتماعي.
سمير العزب البالغ من العمر (34 سنة)، عامل نظافة بأحد المستشفيات الخاصة في العاصمة صنعاء، يقول لـ"خيوط": "نخاف من الإصابة بفيروس كورونا، لكن ما بيدنا شيء لنفعله"، مؤكدًا أن الشركات الوسيطة الخاصة بتوفير عمال النظافة من الجنسين للمستشفيات تقوم بالاستقطاع من رواتبهم الضئيلة، حيث لا تقوم بأي مسؤوليات تجاه عمال النظافة الذين يتعرضون للظلم والإهمال وعديد المخاطر التي تهدد حياتهم.
ويوضح جابر واصل، وهو مشرف في إحدى الشركات الوسيطة، في حديثه لـ"خيوط"، أن الرواتب محددة من الجهات نفسها وفق مخصصاتهم لعملية النظافة، ولا علاقة لهذه الشركات بوضعها وتحديدها، وذلك بحسب الاتفاقيات التي يتم توقيعها مع المستشفيات.
رغم جهودهم التي يبذلونها، ونظرًا لخطورة أعمالهم التي تجعلهم أكثر الأشخاص عُرضة للإصابة بفيروس كورونا، إلا أن الرواتب التي يتقاضونها نظير الأعمال التي يقومون بها، ليست مجزية ولا تكفي لتغطية مصروفاتهم الشهرية.
يضيف العزب، أنه يتقاضى 30 ألف ريال في الشهر، إذ يعمل نحو 8 ساعات في اليوم، وهو مبلغ ضئيل للغاية، لا يزيد عن أكثر من 50 دولارًا بسعر الصرف المتداول في صنعاء، والذي يصل إلى نحو 598 ريالًا للدولار الواحد.
ويجهل كثير من القائمين على إدارة تلك المستشفيات، الدور الكبير والمهم لعمال النظافة في المستشفيات، وتبقى جهودهم مجرد خدمة إنسانية أشبه بالمجانية، نتيجة عدم التقدير لأتعابهم ومعاملتهم بنظرة دونية.