بعد أن انقضى عام شاق على العالم، قد يكون الأكثر ثقلًا منذ عدة عقود، خسرت البشرية عددًا هائلًا من الأرواح، بسبب فيروس كورونا (كوفيد-19)، وبالإضافة إلى أحداث أخرى ألهبت الحروب المستعرة في أكثر من مكان، ومن بينها اليمن، كل ذلك جعل من 2020، سنة كارثية، فقد انتشرت السوداوية والتشاؤم وانتظر الناس انقضاء هذا العام الأسود، وقدوم العام الجديد، ليعيشوا أملًا متجددًا بانتهاء الحرب وزوال الآلام.
صورة للتعب الذي صنعه عام 2020
مع بداية العام الفائت 2020، أعلن عن جائحة كورونا التي استمرت في تلبيد أيام السنة كاملة بالسواد الناتج عن كثرة الوفيات وتصاعد وتيرة الحروب، ولم يستجب قادة هذه الحروب لنداء الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بإيقاف الاقتتال وتوجيه الجهود لمواجهة الجائحة. لذلك ألقت الجائحة بقتامتها على الحياة، ومن نجا من الموت تلقفته الاضطرابات النفسية وتدهور الصحة واقتصاد المعيشة.
عائشة (اسم مستعار بناء على طلبها للحفاظ على خصوصيتها)، تقول لخيوط: "في ٢٠٢٠عشت أسوأ فترات حياتي على الإطلاق، ابتدأت بمشاكل مع زوجي الذي عاش حالة نفسية صعبة، انتهت بالانفصال، وبعدها دخلت مرحلة اكتئاب شديدة، وكنت كلما خرجت منها، حدث شيء سيئ يعيدني إلى نفس الدائرة". وتضيف أن يقينًا ما تضاعف لديها بأن عام 2020، هو الذي حمل معه كل ذلك السوء لها، ولذلك انتظرت نهايته، لتأمل ببدء حياة جديدة في 2021.
أما الشاب فؤاد عبدالرحمن، فيتحدث لـ"خيوط" عن خسارته الفادحة بفقدان أبيه: "مات أبي بطريقة مفاجئة، وما زال في عمر الأربعين. صحيح أن الموت يأتي لكل الأعمار، وفي كل الأعوام، لكن ما حدث خلال ٢٠٢٠، كان أكثر فتكًا، وأبي نموذج، لأعداد كبيرة جدًّا".
وبعد أن نصب العام السابق نفسه كعدو للبشرية، لم يتردد أحد في وصف مدى السوء الذي كان عليه. تقول عبير العامري، ناشطة شبابية، إن الأحكام على 2020، ليست آراء الناس فحسب، بل أرقام الوفيات هي من وضعته في هذا المربع. وتضيف عبير: "باختصار شديد، أصيبت الحياة فيه بشلل تام"، أما عن العام ٢٠٢١، فتقول بأنه لا يمكن الحكم عليه من بدايته، لكنها تأمل أن تتحسن شروط الحياة وتستقر.
الإعلامية، مايا العبسي، هي الأخرى تحدثت لخيوط فيما يخص العام الفائت، قائلة: "لا يمكن لأحد أن يتحدث عنه بشكل جميل، وذلك بسبب ما فعله بالبشرية، لدرجة أنه حتى الزلازل كانت فيه أكثر". لكن الإعلامية في قناة السعيدة تقول إنه يمكننا النظر إلى جوانب أخرى مهمة، حصلت فيه، مثل "الاهتمام بالتعليم عن بعد، وهذا سيسهل أشياء كثيرة على الناس"، كما ترى أن العلاقات الأسرية تعززت خلال العام 2020، على إثر الحجر الصحي المنزلي، بالإضافة إلى أنه خفف من حدة النزاعات، والصراع في العالم، وذلك لانشغال كل شخص بنفسه.
الطبيعي أن عام ٢٠٢٠ غادر، وقد كرس انطباعًا قاتمًا ومحبطًا في أذهان ونفوس الناس، لكن ثمة استثناءات، خرجوا منه بأمل كبير، وشعروا أنه أعطاهم نوعًا من الصحوة والوعي لمواجهة الصعوبات. جاود العواضي، ناشط شبابي، يتحدث عن مرور "ست سنوات عجاف من أعمارنا، مليئة بالمشاعر السلبية، حتى كانت النهاية مع 2020"، التي أدرك فيها بأن السنين تنقضي، وما عليه إلا أن يعيشها. ويضيف جاود: "قررت الارتباط بشريكة حياتي في العام السابق، لأجعل الحب والسعادة في مواجهة تلك السنة العجيبة. كل يوم يمضي من حياتنا، هو جزء منا يضيع، ولن يتكرر، وواجب علينا أن نعيش بإيجابية"، وعن أمله في العام الجديد، يقول: "أنا أيضًا، متفائل كثيرًا بعام 2021، وأتمنى أن يكون أفضل من سابقه".
على أمل التعويض
يقال إن اليأس يتسلل للإنسان، عندما يعيش أيامًا متشابهة، وما إن تلامس القسوة واقعه، يذهب نحو الأمل باندفاع أعمى، ليس كرغبة شخصية فحسب، وإنما وسيلة دفاع فطرية تظهر لحظة الصدمات التي تطرأ على حياته. هكذا افتتح اليمنيون العام 2021، بأمل مضاعف، وذلك لتعويض المشقة التي مرت عليهم.
أبرار الفهيدي، ناشطة وطالبة في كلية الإعلام، تقول إنها ابتدأت العام 2021، بتفاؤل كبير لإحياء أحلامها التي كادت أن تتحطم. وتضيف في حديثها لـ"خيوط": "نحن أمام خيارين؛ إما محاولة لاستعادة الحياة في أرواحنا، أو تركها للموت، والفناء، لا خيار ثالث". وتتحدث أبرار، عن تلاشي الأمنيات في العام المنصرم، "وكيف كانت الأماني تتلاشى من أمامنا، وبقينا نراها بلا أي حيلة"، لكنها تراهن على أن هذا العام "سيأتي بالخير، والعوض. سنحاول أن نجعله أفضل، وأن لم نستطع، سنستمر بذلك في العام الذي يليه دون يأس".
معتصم عبدالسلام، وهو إعلامي يمني، يذهب بعيدًا بآماله، قائلًا إنه يتمنى في العام الحالي ألّا يكون أفضل من العام السابق فقط، بل من الستة الأعوام الأخيرة، التي كانت صعبة جدًّا على كل المجتمع. ويضيف: "على مستوى البلاد ككل، أتمنى أن يحدث شيء يغير من واقع اليمن خلال هذا العام، لأنه، وفي حال تغير الوضع العام، ستتحسن الأوضاع الشخصية للجميع، وشخصيًّا أتمنى تحقيق طموحاتي المؤجلة، مثل تكملة الماجستير، وغيرها". ويختتم حديثه لـ"خيوط" بالتعبير عن أمله الكبير في قضاء اللقاح على فيروس كورونا هذا العام، وبخصوص المشكلة اليمنية، يقول: "قد يحدث حل ما في أي لحظة، ويحصل اليمني على الفرح، الذي افتقده منذ فترة طويلة".
أما بخصوص الأمل في تحرك الجانب السياسي، الذي بقي راكدًا طوال العام السابق، كبقية الجوانب، باستثناء التشكيل الجديد للحكومة المعترف بها دوليًّا، الذي أعلن عنه أواخر العام المنصرم، فقد لا يحدث تأثيرًا كبيرًا على مستوى وضع البلاد ككل، لكنه يبقى خطوة جيدة. في هذا الشأن، وعن احتمال إيجاد حل يضع حدًّا للحرب في هذا العام، يتحدث لخيوط، محمد سعيد الشرعبي، صحفي ومحلل سياسي، قائلًا: "لن تختلف مجريات العمل السياسي كثيرًا في عام ٢٠٢١ عن العام السابق، لأن أطراف الحرب تفضل القوة على الحوار، ويرفضون تقديم التنازلات من أجل إنقاذ الشعب، وما زال قرارهم بيد الخارج".
ويضيف أن هناك احتمالًا ضعيفًا بحدوث تقدم سياسي لمسار المأساة اليمنية، وذلك في حال تغيرت رؤية أمريكا للحرب باليمن، ومارست ضغوطًا على أكثر من طرف لإيقاف الحرب.
ختامًا، وبالتأكيد، لم تكن بلدان، مثل اليمن، بحالة جيدة، في بقية الأعوام، لكن عام ٢٠٢٠، كان أسوأ من كل الأعوام، بالإضافة إلى أنه شمل الجميع بسوئه ولم يستثنِ أحد، وحتى تلك البلدان التي اعتادت على الأمان، وصل بها العناء لدرجة أن الولايات المتحدة الأمريكية، التي تعيش بمأمن من كل صراعات العالم، أعلنت مع انتهاء العام 2020، عن تضرر ما يقارب عشرين مليون شخص أمريكي، بسبب انتشار فيروس كورونا (كوفيد-19). ومع دخول العام الجديد 2021، يأمل اليمنيون، مثلهم مثل بقية العالم، أن تنتهي آلامهم ومآسيهم.