أثناء قيادة أيمن عبدالحميد (30 عامًا، مهندس صناعي)، لسيارته في قريته "ذي إشراق" التاريخية، تذكَّرَ منعطفات القرية الضيّقة والوعرة، وكيف اصطدم بدراجتين قبل سنوات، وكم كانت كلفة إصلاح الأضرار ومداواة سائق إحدى تلك الدراجتين. بجهود مجتمعية، بادر أهالي القرية إلى توسعة ورصف طرق القرية وشق الطريق الإضافية، بعد إهمالٍ رسمي دام عقودًا، كان ضحيته المواطنون.
المركز المهمل
تقع "ذي إشراق" في مديرية السياني، جنوب محافظة إب، كانت قديمًا مركزًا للمديرية قبل سبعين عامًا، ويسكنها أكثر من 5 آلاف نسمة، حسب تقارير سابقة للتعداد السكاني. ذكر متخصصون ألمان في بعثة للآثار نقوشًا سبئية تتحدث عن معبد "أشرقن"، والمرجح أن المقصود "ذي إشراق" التي كان فيها معبد قبل الإسلام، وفي عهد الخليفة الخامس عمر بن عبدالعزيز الأموي أمر ببناء جامع ذي إشراق عام 99 هجرية، بنفس مكان المعبد وسط القرية، حيث يصعب الوصول إليه، حسب أستاذة التاريخ المعاصر في جامعة صنعاء، الدكتورة ليبيا دماج.
أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة تعز، الدكتور صادق الصفواني، وهو من مواليد القرية، أفاد لـ"خيوط"؛ أنه أثناء الحكم العثماني لليمن، أصبحت ذي إشراق مركز ناحية لحكم منطقة شاسعة تتبع إداريًّا لواء تعز. وازدهرت ذي إشراق خلالها -إلى جانب كونها مركزًا إداريًّا ومركزًا علميًّا- بصفتها مركزًا تجاريًّا عبر سوقها الأسبوعي المعروف بسوق الخميس، موضحًا أنّه في عام 1938، قام الإمام يحيى حميد الدين وحاكم لواء تعز، علي الوزير، بتوسعة طريق القوافل القديمة الواصلة من مدينة القاعدة إلى السياني عبر قرية ذي إشراق؛ ليسمح بسير الناقلات الكبيرة بسهولة إلى السياني والعكس، وعُرفت هذه الطريق عند الأهالي بطريق الإمام، وما زالت هذه الطريق ماثلة للعيان منذ شقها حتى شهر أغسطس 2021، حسب الصفواني ودماج.
وقد استقطع ملّاك الأرضي الزراعية والمساكن في (ذي إشراق) من مساحة الطرق؛ ممّا تسبّب بتضييقها، وأدخلها بعضهم ضمن أملاكه، لتُمحَى الطريق القديم المنجزة؛ الأمر الذي فاقم من المعاناة.
دوافع المبادرة
معظم سكان القرية يؤكّدون وقوع ما يقارب عشرين حادثًا كل عام، تتفاوت أضراره، حيث لم تكن الطريق تتسع لأكثر من سيارة واحدة، إضافة إلى أنها محاطة بأشجار التين الشوكي من كل جانب، وقيام المواطنين ببناء أحواش لمنازلهم أو جدران لأراضيهم الزراعية؛ الأمر الذي أكل حيزًا كبيرًا من مساحة الطريق الرسمية.
في 16 أغسطس 2021، بدأت أولى خطوات توسعة الطريق بحدود 6 ملايين ريال تقريبًا، من تبرعات كافة شرائح المجتمع، حسب رئيس اللجنة المجتمعية وشيخ قرية ذي إشراق- همدان الصلاحي، حيث يقول: "من أبرز دوافعنا لتنفيذ المشروع بأقل الإمكانيات؛ ضيق الطرق في البلاد، فبعضها كانت على وشك الانسداد، وكذلك كثرة الحوادث، لا سيما الدراجات النارية، وتسرب فتياتنا من التعليم الثانوي، والحالات الإنسانية الطارئة، حيث تبعد أقرب خدمة صحية معقولة أكثر من ساعة إلى مدينة القاعدة، وبسبب التوسع العمراني داخل البلاد، فكَّرْنا بتهيئة الطرق من وإلى القرية، وتتفاوت ما بين كيلو ونصف إلى 2 كم".
تأثير الإنجاز
رفض بعض الأهالي إزالة المخالفات التي ارتكبوها منذ سنوات، كجدران الأحواش المنزلية؛ فاستعانت اللجنة بخطيب جامع ذي إشراق، الشيخ أحمد العميسي، لتوعية الناس، وبدوره أقنع الرافضين للمشروع، وتمت إزالة المخالفات بنجاح، حسب همدان الصلاحي.
وواجهت اللجنة تحديات تتعلق بتوفير المعدّات والآلات، لمحدودية الميزانية المعتمِدة على تبرعات من كافة شرائح المجتمع، فتواصلت بالسلطة المحلية التي تجاوبت بالدعم والإشراف الفني والتقني.
ويشير مسؤول اللجنة الإعلامية في المبادرة أحمد محمد عبدالعزيز، إلى أنّ اللجنة لم تضع ميزانية تقديرية؛ لأنّ المشروع اعتمد على تبرعات الأهالي، ففي البداية كان الغرض إزالةَ الأشجار المضايقة للطريق، لكن التجاوب والدعم شجّع اللجنة على التوسع.
ويوضح الصلاحي، أنّ المشروع أنعش المنطقة حضاريًّا، ووفر المواصلات المحلية لطالبات الثانوية المتسربات من التعليم بسبب بُعد المدرسة الثانوية قرابة كيلو ونصف، كما أصبح التنقل أكثر يُسرًا بالنسبة لحالات الإسعاف والمناسبات الاجتماعية التي تُحدِث ازدحامًا، لكن القرية ما زالت بحاجة إلى وحدة صحية ومدارس ثانوية؛ كون المسافات لا تزال بعيدة بالنسبة لسكان القرية الجبلية العليا.
ليست ذي إشراق وحدها من بادرت لتهيئة الحياة، بل سبقتها مناطق عديدة في مديرية السياني؛ كتوسعة ورصّ نقيل الظفير في عزلة عميد الداخل، وتوسعة ورصّ قرى الدار والسّحْب وذي المحاسن بعزلة النقيلين، وقرى كثيرة خارج المديرية، كعزلة العمارنة التي تتبع مديرية العدين (جنوب غرب محافظة إب).
مشاركة المرأة
التقت الصحفية بعشرات المشارِكات في المبادرة؛ فلاحظت أنّ نساء القرية أعددن الزاد، وتبرعن بالمال والحُليّ.
تتذكر بسمة صادق (مُرشِدة نفسية)، الحوادثَ التي عايشتها وسمعت عنها، وتأسف لأنّ قريتها لم تحظَ بالاهتمام اللائق بمكانتها التاريخية كونها كانت شعلة في التنوير العلمي والإسلامي، وترى أنّ القرية غدت عامل ارتياح للسكان المستقرين، وعنصر جذب للأغراب من خارجها.
كما تشعر جارتها سعاد السيد (ربة منزل عشرينية، من سكان القرية) بالفخر: "لم نضع أيدينا على خدودنا في وقتٍ عصيب تمر به بلادنا، فالتنمية في زمن الأزمات له أهمية مضاعفة"، آمِلةً في استمرار الرعاية والصيانة للطريق المنجزة دوريًّا.
تأهيل المُعِدّات
يوضح المدير السابق لمديرية السياني، أشرف الصلاحي: "أشرفنا على 40 مشروعًا في مديرية السياني، ما بين شقّ ورصّ وتوسعة الطرقات، بمبادرات مجتمعية، وبمعدات المجلس المحلي، بصفتهما جهتين رئيسيتين للتمويل، وقد صرفت 8 ملايين من وزارة الأشغال العامة ومكتبها في إب، لإعادة تأهيل وصيانة معدات العمل".
ليست ذي إشراق وحدها من بادرت لتهيئة الحياة، بل سبقتها مناطق عديدة في مديرية السياني، كتوسعة ورصّ نقيل الظفير في عزلة عميد الداخل، وتوسعة ورصّ قرى الدار والسّحْب وذي المحاسن بعزلة النقيلين، وقرى كثيرة خارج المديرية، كعزلة العمارنة التي تتبع مديرية العدين، جنوب غرب محافظة إب.
ويستمرّ سكان القرى المحليّون في تحسين الحياة، كأيمن عبدالحميد الذي يقود سيارته بأمان عقب توسعة الطريق المحيطة بمنزله في "ذي إشراق".