من بين عظماء الأمّة الأحياء والمجهولين لغالبية الناس، يبرز اسم المؤرِّخ العالِـم والمحقّق الأكبر عبدالله محمد الحبشي (حفظه الله وأمدّ في عمره، ونفعنا بعلومه ومؤلفاته الغزيرة).
لم يصل من العلماء والمؤرخين والمحققين العرب في عصرنا الراهن ما وصل إليه في التأليف أو التحقيق، إذ تجاوزت مؤلفاته وكتبه المحققة المئة -وفيها ما لا يخطر على بال- كما ورد في سيرته التي نشرها موقع (الورّاق) العربي المتخصص.
من مواليد بلدة (الغرفة) غربي سيئون بحضرموت، (في جمادى الآخرة عام 1368هـ، أبريل 1949م) تلقّى دروسه الأولى في مدارس حضرموت، ثم ارتحل إلى عدن ثم صنعاء ليستقر به الحال هناك عددًا من السنين، باحثًا في مركز الدراسات والبحوث اليمني حتى ضاق به العيش في بلد لا يقدّر ولا يحترم علماءَه إلّا كلامًا، فهاجر قبل زهاء 30 عامًا إلى الإمارات العربية، ليعمل في دار المخطوطات بالشارقة، ليواصل ما نذر لها حياته: المكتبات والمخطوطات ورفد المكتبة العربية بتلك النفائس الغالية من جواهر الكتب.
أعظم ما ينماز به تواضع العلماء الجم بل والمبالَغ فيه، وندرة الحديث، والعزوف التام عن وسائل الإعلام، وهو الفائز بأكثر من جائزة عالمية وعربية في ميدانه حتى إنّ الزميل العزيز/ نبيل سعيد مطبق، بعد متابعات لحوحة ووساطات متعددة فاز قبل بضعة سنين بأول وآخر حديث إذاعي مسجل معه لإذاعة سيئون على مدى ساعة في إحدى رحلاته المتكررة لمسقط رأسه، وأذكر أننا في عام 2004م كنّا نبحث عن صورة شخصية له لمهمة صحفية في الأرشيف الضخم لصحيفة (الثورة) الرسمية بصنعاء، فلم نعثر على شيء، وهذا يكفي للتعرّف على مكانة هذا العبقري النادر في وطنه، أمّا عن مكانته في حضرموت وعند أهلها، فأخجل أن أعلنها.
كلمة حق فرضت نفسها -بلا مناسبة- لهذا العالِـم الكبير.
جاء في ترجمته في موقع (الورّاق):
"مؤلفاته كثيرة جدًّا، تجد قائمتها في خاتمة الجزء الثالث من كتابه (جامع الشروح والحواشي)، وهي (27) كتابًا مطبوعًا، و(26) كتابًا تحت الطبع، وأما أعماله في ميدان التحقيق فتناهز الخمسين كتابًا. ومن أهم كتبه المطبوعة: (معجم الموضوعات المطروقة) - مجلدان، وهو أجل كتبه وأكثرها فائدة، وموضوعه تسمية ما ألّف من الكتب في كلّ موضوع، وفيه ما لا يخطر على بال من ذكر نفائس المؤلفات، ودقائق الموضوعات، ويليه في الفائدة كتابه (جامع الشروح والحواشي) - ثلاثة مجلدات، وهو كتاب جليل، لا غنى للباحث عنه في تمييز الأشباه والنظائر في أسماء الحواشي والشروح التي وقع فيها الخلط في كتب فهارس المخطوطات والمطبوعات. و(تصحيح أخطاء بروكلمان)، و(تصحيح أخطاء معجم المؤلفين لكحالة)، و(مصادر الفكر الإسلامي) وخص بلاده اليمن بالكثير من أعماله، فشفى الغلة، وأزاح العلة، فمن ذلك: (حوليات يمانية)، و(معجم البلدان اليمنية)، و(فهرس المخطوطات اليمنية)، و(مراجع تاريخ اليمن)، و(الرحالة اليمانيون ورحلاتهم شرقًا وغربًا)، (والصوفية والفقهاء في اليمن)، و(معجم النساء اليمانيات)، و(مجموع المقامات اليمنية)، و(حياة الأدب في اليمن في عصر بني رسول)، و(دراسات في التراث اليمني)، و(تصحيح الأعلام اليمنية في كتابي هدية العارفين ومعجم المؤلفين)، وغير ذلك. وهو في علاقته مع الناس على قدم السلف الصالح، من التواضع ونكران الذات وإغاثة الملهوف، والتفاني في خدمة المسلمين (مد الله في عمره، ونفعنا بقربه، وجزاه عنّا وعن المسلمين كل خير)".