رغم دفعها 150 دولارًا أمريكيًّا قيمة معين سمعي لطفلتها البالغة 3 سنوات، تفاجأت سميرة بتدهور وضعها بعد أشهر قليلة من استخدامه، في ظلّ تزايد الطلب على هذا النوع من الأجهزة المساعدة خلال السنوات الأخيرة في اليمن.
تكشف سميرة التي تسكن أسرتها في إحدى مديريات صنعاء الريفية، لـ"خيوط"، عن ملابسات تدهور الحالة السمعية لطفلتها الوحيدة مروى، حيث بدأت الأزمة من خلال حمّى شديدة، ولعدم قدرتها على التوجه إلى المستشفى، اكتفت بالكمّادات، لكن الحمّى كانت قد تسببت بالتهابات في أذنها، وبعد ستة أشهر، من ملاحظتها عدم انتباه الطفلة للأصوات، جاءت استشارتها لأحد الأطباء، الذي طلب بدوره عمل تخطيط للسمع، ليتأكد أنّ لديها ضعفًا، وينصح بعمل معينات سمعية لأذنيها، لمساعدتها على العيش بصورة طبيعية.
تضيف: "صُدمت بأنّ أسعار السماعات غالية جدًّا رغم انتشار محلات البصريات والسمعيات بكثرة"، قبل أن تسمح حالتها المادية بشراء جهاز "معين سمعي"، صناعة صينية، بسعر 150 دولارًا (حوالي 83 ألف ريال، بسعر الصرف في صنعاء 560 ريال للدولار الواحد).
بعد ستة أشهر، لاحظت سميرة أنّ طفلتها تعاني مع المعين السمعي، وتحاول إبعاده، مع حصول التهابات في الأذن، وعندما عادت إلى الطبيب ذاته، أفاد بأنّ السماعة سبّبت الالتهاب الشديد، وأنّ وزنها كان عاليًا وسبّب لها وشيشًا وتشوشًا طوال الوقت.
تؤكّد الدكتورة منيرة العبيدي والتي تعمل بأحد المراكز الخاصة بالسمع، أنه في العام الواحد هناك من الحالات التي يستقبلها المركز، ما بين 100 و200 حالة طفل، غير قادر على اقتناء سماعات، بسبب عدم قدرة أسرهم المادية على دفع ثمنها
وتُظهر بيانات الأمم المتحدة للتجارة، والتي قامت "خيوط" بتحليلها، زيادةً كبيرة في واردات اليمن من المعينات السمعية للفترة 2014 وحتى 2020، إذ ارتفعت كمية الاستيراد في العام 2019، بنسبة 76% من 17% للعام 2018، ومجموعها العام 103 آلاف و458 معينًا سمعيًّا.
واحتلت الصين المرتبة الأولى في كمية الواردات السمعية بنسبة بلغت 89%، تليها ألمانيا بنحو 6%، في حين توزعت باقي النسبة على أكثر من بلد مصدر.
هذه النسبة تتضاءل، عند الحديث عن القيمة، إذ إنّ الواردات من ألمانيا هي الأعلى بأكثر من ثلث إجمالي القيمة، يليها الصين بنسبة 23%؛ وهو الأمر الذي يفسّر اختلاف المعينات السمعية، بين المستوردة من ألمانيا بأسعار تتراوح بين 300 و500 دولار أمريكي، على عكس الأجهزة المعينة الصينية، رخيصة الثمن، التي يزيد الإقبال عليها بسبب الوضع المادي المتدني للغالبية من اليمنيين.
تزايد أعداد المراكز والمصابين
يلاحظ انتشار كبير للمراكز المتخصصة بالسمعيات، كما رصدت "خيوط" ذلك في العاصمة اليمنية صنعاء، فقد تم إحصاء أكثر من 10 مراكز عاملة تحت مسمى "البصريات والسمعيات"، بينما تظهر خرائط جوجل نحو 70 مركزًا عاملًا في هذا الجانب على مستوى المدينة بشكل عام، في حين تذكر بيانات وزارة الصحة والسكان للعام 2020، أنّ عدد المنشآت الخاصة المسجلة في البصريات العاملة في صنعاء، تصل إلى ٤٩ مركزًا.
يأتي ذلك، في وقتٍ تزايدت فيه نسبة اليمنيين الذين يعانون من ضعف السمع، في السنوات الأخيرة بفعل الحرب الدائرة في البلاد منذ العام 2015، وما رافقها من انفجارات أو سماع أصوات عالية بشكل مفاجئ، والتي تُعدّ من أبرز أسباب الارتفاع الملحوظ في أعداد مرضى ضعف السمع في اليمن.
وتُظهِر بيانات وزارة الصحة في صنعاء، التي قامت "خيوط" بتحليل ما أوردته لسبع محافظات، هي: صعدة، صنعاء، عمران، الحُديدة، ذمار، ريمة، المحويت، بين العامين 2014 و2020، تزايُدَ حالات مرضى الأذن الوسطى في السبع المحافظات، حيث احتلت محافظة صعدة المرتبة الأولى بنحو ثلث إجمالي الحالات المسجلة، فيما كانت محافظة عمران هي الأعلى في نسبة التغير، بحوالي 90% خلال الفترة من (2014 – 2020)، بينما الأقل محافظة ريمة بنسبة 9%.
إهمال حكومي وصعوبة توفير المعينات
في حديث لـ"خيوط"، تؤكّد الدكتورة منيرة العبيدي، والتي تعمل بأحد المراكز الخاصة بالسمع، أنه في العام الواحد هناك من الحالات التي يستقبلها المركز، ما بين 100 و200 حالة طفل، غير قادر على اقتناء سماعات، بسبب عدم قدرة أسرهم المادية على دفع ثمنها.
وتضيف أنّ السماعات ذات الجودة العالية غالية الثمن، مثل النوعيات السويسرية التي لا يقل سعرها عن 400 ألف ريال يمني (حوالي 800 دولارًا، بسعر الصرف في صنعاء(، لذا يكون ردّ والد الطفل المريض غير القادر على توفير مثل هذه النوعيات من السماعات، بأنه مضطر لترك طفله للوضع الذي يعاني منه من عدم السمع والنطق.
وفيما يتصل بأنواع المعينات السمعية، توضح العبيدي أنّ هناك سماعات تُباع في محال النظارات، لكنها غير طيبة. وتتابع أنّ هذا النوع من السماعات غير الطبية، يقوم برفع وخفض الصوت يدويًّا، كما لو أنها ميكرفون، ولهذا فإنّ من يقتنيها معرض لانحسار حالته السمعية، فإذا كانت نسبة الضعف 70 أو 80%، فإنّ تركيب السماعة يضرّ بقية النسبة؛ لأنها تقوم بعملية إتلاف للألياف العصبية الحسية بسبب الصوت المزعج والمرتفع.
كما تؤكّد هذه الأخصائية في السمعيات، عدمَ وجود أي دعم مقدم لمرضى ضعف السمع، سوى مساعدات محدودة ونادرة تقدّمها بعض المنظمات المانحة.
ومع ارتفاع الأسعار والمشاكل الصحية الناتجة عن السماعات الرديئة، يذهب الدكتور مختار علي أحمد، اختصاصي أمراض الأنف والأذن والحنجرة في مستشفى الثورة بصنعاء، إلى أنّ السبب في ذلك أنّ الجهات الحكومية شبه معطلة بسبب الأوضاع الراهنة في اليمن وليست معنية بالمواطن المريض، ولا تعمل حتى بالتنسيق الصحيح مع المنظمات المانحة، كما أنّ صندوق رعاية "المعاقين" (ذوي الاحتياجات الخاصة)، وفقَ حديث الدكتور مختار علي أحمد، لـ"خيوط": "هناك علامات استفهام حول أدائه، وغيرُ مؤهل، ويماطل المرضى لشهور وسنوات، وفي النهاية يوفر سماعات من الأنواع الرديئة والمتوسطة".
ويضيف أنّ ذلك يجعل المواطن مضطرًا للشراء بأيّ سعر، والتاجر لا يقنع إلا بالربح المرتفع، ويُخضِع هذه السلعة لقانون العرض والطلب، مع تدني متوسط دخل الفرد في اليمن، وعدم قدرته على تلبية احتياجاته من السلع الغذائية، وليس فقط السماعات الخاصة بمرضى ضعف السمع.