قدمت المنظمات الإنسانية في اليمن دورًا رئيسيًّا في مساعدة القطاع الصحي ومد العون وتقديم الرعاية الصحية والطبية منذ اندلاع الحرب، حيث انتشرت في معظم مستشفيات محافظات الجمهورية.
محافظة حجة هي إحدى المحافظات اليمنية الأكثر تضررًا من الصراع الدائر في البلاد منذ ما يزيد عن ست سنوات، حيث يشكل سكان المحافظة ما نسبته (7.5%) من إجمالي سكان اليمن، وتحتل المرتبة الخامسة بين محافظات الجمهورية من حيث عدد السكان، إذ يقدر عدد سكانها، وفق نتائج آخر تعداد سكاني أجري في اليمن، نحو 1.4 مليون نسمة، بنسبة ينمو سكانها سنويًّا بمعدل 3.4%.
يعيش السواد الأعظم منهم حالة من الفقر المدقع؛ نظرًا لاشتعال الحرب في مديرياتها الساحلية والحدودية، بالتزامن مع انتشار الأوبئة والأمراض لأسباب جغرافية وبيئية مرتبطة بتلك المناطق وموجة النزوح للأسر والأهالي التي شهدتها غالبية القرى بالمديريات المتضررة من الحرب.
هذه الظروف والمعطيات زادت من الحاجة الملحة إلى عمل المنظمات الصحية الإنسانية في ظل غياب شبه تام لدور المستشفيات الحكومية وضعف أدائها وقلة إمكانياتها، ناهيك عن قلتها رغم اتساع رقعة المحافظة الجغرافي وكثافة عدد سكانها، فكانت الأهمية القصوى لدور تلك المنظمات للمرضى والمتضررين من النزاع القائم.
رحيل مفاجئ
في ظل هذا الوضع، غادرت معظم هذه المنظمات مستشفيات المدينة تاركة خلفها فراغًا كبيرًا، عجز بعده معظم المواطنين عن دفع تكاليف العلاج والعمليات الجراحية وعدد من الخدمات التي كانت تقدمها هذه المنظمات.
14 جهة شريكة تعمل في مجال الصحة في محافظة حجة، تقدم الدعم لـ148 مرفقًا صحيًّا بالمحافظة من توفير الأدوية اللازمة والمعدات الطبية إلى المرافق الصحية الأساسية والثانوية وإمداد تلك المرافق بالعدد الكافي من الموظفين لتعزيز قدرة المرافق الصحية
في صعيد متصل، ولأسباب مجهولة أوقفت منظمة أطباء بلا حدود أنشطتها في نهاية شهر مايو/ أيار المنصرم بعد عمل استمر لـ6 سنوات في تقديم الرعاية الصحية في أهم أقسام المستشفى الجمهوري بحجة - قسم التوليد وقسم العمليات وقسم الطوارئ والرقود، ليجد المواطن نفسه مضطرًا لتدبير تكاليف مختلف الخدمات التي كانت تقدمها.
وتعتبر منظمة أطباء بلا حدود من المنظمات التي ساهمت في دعم القطاع الصحي بمحافظة حجة والتي عملت في المستشفى الجمهوري بالمدينة منذ مطلع سنة 2015، وبحسب ما تم نشره على صفحتها فإن منظمة أطباء بلا حدود ساعدت في إجراء 4899 ولادة، وأكثر من 14000 عملية جراحية، فيما استقبلت المنظمة ما يقارب 187000 مريض في قسم الطوارئ.
في السياق، يقول مدير مكتب الصحة بمحافظة حجة الدكتور أحمد الكحلاني لـ"خيوط"، إن انسحاب منظمة أطباء بلا حدود أثر بشكل كبير على المستشفى الجمهوري مضيفًا بأنه لا توجد أي سياسة لعملية خروج هذه المنظمات بحيث نضمن تقديم الخدمة لفترة من 3 إلى 6 أشهر، كحد أدنى إلى أن يتوفر البديل.
ملايين المرضى ومستشفى واحد
يعتبر المستشفى الجمهوري، المستشفى الحكومي الوحيد في مركز المحافظة، حيث يتوافد إليه المئات من المرضى من مختلف مناطق المحافظة.
وكانت المنظمة قد أحدثت تغيرات كبيرة على المستشفى منذ دخولها، إذ باشرت عملها الإنساني وعملت على تأهيل الأقسام والقيام بعمليات التوسعة وإمداد المستشفى بالأجهزة الطبية الحديثة، مما أهل المستشفى لاستقبال الكثير من الحالات المرضية يوميًّا، وفقًا لحارس المستشفى محمد الشطبي لـ"خيوط".
ويسرد الشطبي الوضع الحالي للمرضى قائلًا: "نرى الكثير يوميًّا من القصص المحزنة حيث يتردد المرضى على المستشفى ويعودون من بوابته وعلى وجوههم خيبة الأمل، بعد أن يعرفوا عن توقف المنظمة عن تقديم الرعاية الصحية المجانية".
تجدر الإشارة إلى أن ضرر رحيل المنظمات لم يطل المرضى فقط، بل إن كثيرًا من الشباب الذين كانوا يعملون معها تضرروا أيضًا، ومنهم الشطبي وزملاؤه وبعض العاملين في المستشفى، حيث توقفت رواتبهم التي كانت تدفع لهم من قبل أطباء بلا حدود.
تأثير رحيل منظمة أطباء بلا حدود وعدد من المنظمات المغادرة، لا يقتصر على المستشفى الجمهوري، فالمنظمة دعمت منذ أكتوبر/ تشرين الأول سنة 2015 مستشفى عبس العام الواقع في مدينة عبس التابعة للمحافظة الذي يعتبر المستشفى الوحيد بالمديرية الذي يقدم الخدمة الطبية لأكثر من مليون شخص يعيشون في المدينة والمناطق المجاورة.
وجاء تدخل المنظمة نتيجة لما يدور في شمال المديرية من قتال مستمر، زاد في ظله عدد المرضى وتطلب تدخل أطباء بلا حدود وغيرها من المنظمات لإنقاذ حياة المئات من الأشخاص، وجاء في تقرير نشرته منظمة أممية قبل عامين اطلعت عليه "خيوط"، حول المستجدات الإنسانية والوضع الصحي بالمحافظة، أن هناك 14 جهة شريكة تعمل في مجال الصحة بمحافظة حجة، وهي: (أطباء بلا حدود، والصحة العالمية، وصندوق الأمم المتحدة للطفولة، ووكالة الادفنتست، والمنظمة الدولية للهجرة، والمنظمة الدولية لإنقاذ الطفولة، ونداء الإنسانية، ومؤسسة بناء للتنمية، ومكتب إدارة التنمية التابع للمملكة المتحدة، ومنظمة عبس التنموية، ومؤسسة التنمية المستدامة)، ووفقًا للتقرير فإن هذه المنظمات تقدم الدعم لـ148 مرفقًا صحيًّا بالمحافظة من توفير الأدوية اللازمة والمعدات الطبية إلى المرافق الصحية الأساسية والثانوية وإمداد تلك المرافق بالعدد الكافي من الموظفين لتعزيز قدرة المرافق الصحية، وهذا يعكس حاجة المواطنين واعتمادهم على المنظمات.
تفتقر المستشفيات والمراكز الصحية بمحافظة حجة للكمية الكافية من الأدوية والخدمات العلاجية وخدمات الرعاية الصحية، حيث تتوفر الخدمات العلاجية بنسبة 16% فقط وبالنسبة لخدمات الرعاية الصحية الأولية فتبلغ 20% فقط
وأكد مدير مكتب الصحة بالمحافظة لـ"خيوط" بأن أكثر من 148 مرفقًا صحيًّا يعتمد في تقديم خدماته الطبية على تمويل ودعم المنظمات الصحية مهددًا بالتوقف، نظرًا لتوقف الدعم المقدم من المنظمات الداعمة للقطاع الصحي منها اليونيسف.
المأساة المرتقبة
تنتظر المستشفيات الحكومية والمرافق الصحية في حجة مستقبلًا مجهولًا بعد مغادرة معظم المنظمات الداعمة وتقليص عمل المنظمات القائمة، حيث كشف عدد من العاملين بها عن قلقهم من توقف أنشطة غالبية المنظمات العاملة في القطاع الصحي وتأثيرها على المستشفيات والمراكز والمواطنين.
ونوه عدد من العاملين، في حديثهم لـ"خيوط"، إلى حجم المأساة والكارثة الصحية التي تعيشها المحافظة، في ظل استمرار النزاع القائم وتردي الوضع المعيشي وتوقف الرواتب وانعدام دخل الأسرة.
وتفتقر المستشفيات والمراكز الصحية بمحافظة حجة للكمية الكافية من الأدوية والخدمات العلاجية وخدمات الرعاية الصحية، حيث تتوفر الخدمات العلاجية بنسبة 16% فقط، وبالنسبة لخدمات الرعاية الصحية الأولية فتبلغ 20% فقط، حسب الكحلاني.
وأضاف بأن التدخلات شحيحة في هذا الجانب، وهذا أثر بشكل كبير على تقديم الرعاية الصحية للمحافظة؛ نتيجة شحة كبيرة في توفير الأدوية والانسحاب المفاجئ للمنظمات العاملة في هذا المجال.
من جانبه، يكشف الدكتور محمد حزام، وهو يعمل ضمن فرق التطوع بالمرافق الصحية، لـ"خيوط"، عن دور منظمة اليونيسف وبرنامجها المنفذ، موضحًا أنها استهدفت بالتعاون مع البنك الدولي وحدات ومراكز صحية كثيرة، وفي مديريات عديدة، وأن رحيلها هي الأخرى سيكون كارثة، وسيشكل فراغًا لا يمكن تجاوزه.
ويؤكد حزام أن شريحة كبيرة من المواطنين والعاملين في القطاع الصحي لمسوا واستفادوا من دور المنظمات، منوهًا أن المشروع الذي كانت اليونيسف تنفذه توقف، ولم يتبقَ إلا في مديريات محدودة.
وناشد مواطنون المنظمات الإنسانية بإعادة النظر في هذا الأمر والعودة للعمل مرة أخرى، منوهين أن توقف المنظمات في ظل هذا الوضع الإنساني الاستثنائي، سيؤدي إلى تدهور الأوضاع الصحية وتضرر المواطنين بشكل غير مسبوق.
هذا وتتعرض النساء الحوامل، والأطفال بشكل خاص، للأمراض والأوبئة، وذلك لنقص اللقاحات وضعف أداء المرافق الصحية الحكومية والأهلية ومحدودية إمكانياتها، بالإضافة إلى سوء التغذية وانتشار الأمراض المعدية، بعد أن ساهمت المنظمات الدولية والمؤسسات المحلية في القيام بدور كبير في الرعاية الصحية خلال الفترة الماضية ما بين 2019 و2020.
ووفقًا للمعطيات السابقة والمؤشرات الجديدة، فإن الوضع الصحي سيصل إلى أسوأ حالاته مع تقليص عمل المنظمات العاملة في مجال الصحة ومغادرتها، في حين يتطلب الوضع القائم تظافر جهود المنظمات الدولية والجهات الحكومية والمؤسسات المحلية لمواجهة التحديات الصحية التي تعيشها المحافظة، مع بقاء واستمرار الحرب والصراع.