مواسم الزيارة في حضرموت

أعياد محلية وأسواق شعبية وكرنفالات فنون
هشام السقاف
October 27, 2022

مواسم الزيارة في حضرموت

أعياد محلية وأسواق شعبية وكرنفالات فنون
هشام السقاف
October 27, 2022

اعتاد أهالي حضرموت منذ مئات السنين إقامةَ أنواع من الاحتفالات الشعبية في المدن والأرياف في مواعيد مزمّنة كل سنة، وتكون عادة لإحياء ذكرى أبرز العلماء والمصلحين الاجتماعيين، كلًّا في منطقته، وتمثّل هذه الاحتفالات التي يطلقون عليها "الزيارة" مواسم سنوية شعبية تشكّل مجموعة من الفعاليات المتكاملة: صلوات، وقراءة القرآن، ومواعظ إسلامية، وقراءة سيرة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وسلم)، وترديد الموشحات والأناشيد... إلخ. ويرافق ذلك أسواق شعبية للحرف والصناعات والبضائع التقليدية ومهرجانات كرنفالية للفنون الشعبية، وتستقطب تجمعات جماهيرية غفيرة من داخل اليمن ومن الخارج أيضًا. وكانت هذه الزيارات مناسبات للقاء الناس بعضهم ببعض من كل المناطق (في عصور صعوبة المواصلات ووعورة الطرق)، وللتعرّف على المناطق المتباعدة وعادات أهلها، وظلت حتى اليوم محتفظة بجاذبيتها الشعبية وتقاليدها المتوارثة كأعياد محلية سنوية خاصة لكل مدينة أو بلدة في حضرموت.

وكان من بين أهم وأبرز أهداف إحياء هذه الزيارات هو أنّها "كانت تمثّل فترة هدنة بين القبائل المتنازعة تُعقَد فيها المصالحات وتسوَّى الخلافات التي قد يُكتَب لها صفة الدوام، وتكون نهاية لمآسي الثأرات والمنازعات التي تحصد الأنفس البريئة"، حسب ما كتبه لي في جوابه عن سؤالي له عن طبيعة ومردود هذه الزيارات الشعبية، وكيفية الاستفادة منها سياحيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا...إلخ في عصرنا الراهن، السيد الفاضل/ محمد بن عبدالرحمن بن عبدالله العطاس. 

وأضاف السيد العطاس: "يتدخل أحيانًا القائم بأمر الزيارة في المنطقة من ذوي الوجاهة، فيعقد صلحًا بين القبائل المتنازعة لمدة شهر أو أكثر لإقامة الزيارة في أمن وأمان لكل الواردين إليها، ويسمّى هذا الصلح "عُرضة" بالأمان في وجه صاحب الزيارة وضمانته، وقلّما ينتقض هذا العهد أو تخترق هذه العُرضة، بل ربما طال أمدها أكثر من المدة المحددة لها، رغبةً في حقن الدماء وإشاعة الأمن".

وعن الاستفادة من هذه الزيارات ثقافيًّا واجتماعيًّا، ذكر السيد العطاس: "أذكر أنّنا في أوائل الستينيات الميلادية، أخرجنا رواية الدكتور طه حسين "الوعد الحق"، وقام بتمثيل أدوار شخصياتها شباب من أبناء مدينة "حريضة" ممّن كانوا يغتربون ويعودون، وقد أحسنوا الأداء رغم شحة الإمكانيات وقلة الموارد وفقدان الوسائل يومذاك. وهذا نسجّله للتدليل فقط على إمكانية إقامة هكذا نشاطات أكثر تقدمًا الآن مع توفّر الوسائل المتاحة، ممّا يشجع على تنشيط السياحة الدينية والثقافية والتاريخية، إلى جانب الأنشطة التجارية والرياضية بإقامة المباريات بين الأندية محليًّا وإقليميًّا، لاكتشاف المهارات والمواهب وصقل القدرات على كل المستويات وتقوية أواصر التعارف والتقارب بين أبناء البلاد كلّها وبينهم وبين جيرانهم، ولعلّ هذه من أهداف المؤسسين على المدى البعيد وإن لم تكن في زمانهم منظورة أو متاحة، فالمعروف عنهم حبّهم للتجديد والابتكار في وقتهم والخروج على المألوف إذا كان مشروعًا ومباحًا"، حسب العطاس.

ومن أكبر وأشهر تلك المواسم (الزيارات الشعبية) التي ما زالت متوارثة منذ مئات السنين وقائمة حتى يومنا هذا؛ زيارة شِعب نبي الله هود (عليه السلام) في أقصى شرق وادي حضرموت، وتقام في الفترة من 6 حتى 13 شعبان من كل عام، و"زيارة الحول" بمدينة سيئون من 17 حتى 21 ربيع الثاني، و"زيارة الشحر" من 6 حتى 14 شوال، و"زيارة المشهد" من 10 حتى 15 ربيع الأول، وغيرها. 

اللافت في الأمر أنّ هذه المناسبات تُنظَّم من قبل الأهالي ولجان حاراتهم بسلاسة ودقة تنظيمية باهرة، ولا تتدخل فيها السلطات الحكومية والمؤسسات الرسمية إلا باليسير من الدعم المعنوي قبل المادي، وما زالت هذه المواسم لا تستغل بصورة أشمل وأعمّ اقتصاديًّا ولا ثقافيًّا، بالاستفادة من الإقبال الجماهيري عليها وللترويج لها داخليًّا وخارجيًّا. 

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English