(ت 1387هـ/ 1967م)
حسن بن محمد بن سعيد بن غالب الدّعيس، وُلد في بعدان، عزلة الدعيس، قرية "منزل سبأ"، في العام 1295هجرية.
تُوفي والده محمد بن سعيد، وهو في سن صغيرة، فتربى مع شقيقه الأصغر علي بن محمد بن سعيد الدعيس، في كنف ورعاية جدهما سعيد بن غالب.
أخذ مع أخيه الأصغر في علوم اللغة العربية والفقه وعلوم الحديث على يد العلّامة المؤرخ القاضي محمد الصباري، أحد أعلام مدرسة زبيد العلمية آنذاك.
كان الشيخ حسن الدعيس تربطه بالأمير إسماعيل باسلامة، علاقة ودّ ومصاهرة، وكان يحضر مجلسه في مدينة إب، فيشارك في كثير من المناقشات الفكرية والسياسية، وكان يدعو إلى مناصرة الإمام يحيى بن محمد حميد الدين على الأتراك العثمانيين، ثم بعد خروج الأتراك وتولي الإمام يحيى مقاليد الحكم، وقف على عدد من مظالمه، فشارك العلّامة محمد بن علي الأكوع والقاضي عبدالرحمن الإرياني وآخرين، في تأسيس "جمعية الإصلاح" في مدينة إب. وما إن علم الأمير أحمد بن يحيى حميد الدين، وكان آنذاك وليًّا للعهد، بأمر هذه الجمعية حتى ألقى القبض على رجالها، وسجنهم في قلعة القاهرة في مدينة حجة، وكان منهم حسن الدعيس، الذي كان آخر من أفرج عنه سنة 1948. وحين مرّ بمدينة صنعاء عائدًا إلى بلدته، التقى برجال الثورة الدستورية، التي كان الإعداد لها في مراحله الأخيرة، ولم يعد إلى بلدته إلا وقد أعلنت هذه الثورة، وعُيّن فيها وكيلًا لرئيس مجلس الوزراء. وحين وصل إلى مدينة إب، في طريقه من مدينة صنعاء، علم بفشل الثورة، ففرّ إلى مدينة عدن، ولم يعد منها إلا بعد أن منحه الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين الأمان. بعد ذلك عاد إلى بلدته، فوجد أملاكه قد نهبت، وحُبس أكبر أولاده، فمات غيظًا أو مسمومًا –على اختلاف الروايتين- بتدبير من الإمام أحمد.
ذكره الدكتور عبدالعزيز المقالح في "الموسوعة اليمنية" فقال عنه: "يعد أحد القادة الأذكياء في اليمن، وأحد زعماء الأحرار الممتازين. كان طوال حياته رجل فكر يؤرقه واقع اليمن، وكان كما أثبتت شهادات معاصريه، دائم الجدل حول قضايا بعينها، ومنها على سبيل المثال، قضايا الاستقلال الحقيقي، ومعايير التغيير، والمسؤولية الخلقية، وحرية الإرادة، وأمانة الاختيار، ومقام الإنسان في الكون، وقدرة الإسلام المبرأ من استغلال السلطة على رسم طريق الإنسان إلى المستقبل، وخطر الخرافة والجمود على عقل المسلم وتأثيرهما على دينه ودنياه.
كان من أنصار الإمام يحيى حميد الدين بالرجال والمال في الحرب ضد الأتراك، وقد أثر الشيخ الدعيس في جيل كامل من طلائع الحركة الوطنية في اليمن، وكان ثاني أقطابها إلى جانب صديقه محمد بن عبدالله المحلوي، الذي كان على اتصال وثيق به وتوافُق عقلي وروحي معه، وكان الدعيس أوسع شهرة، وأبرز شخصية في المجتمعات اليمنية، واسع التفكير، قوي التعبير، تسيطر لهجته على المستمعين، وكان أسلوبه قويًّا، وبديهته حاضرة طيعة، وكان يغشى المجتمعات اليمنية العالية، فيعجب الناس به أشد الإعجاب، حيث يفرض هيبته واحترامه وحجته القوية، وكانت السلطات تهابه؛ إذ كان صريحًا جريئًا، قوي السخرية، لاذع النكتة، وعندما ضايقته السلطة عاش عيشة الفلاسفة المصلحين مقتنعًا بآرائه، مدافعًا عنها بكل وسائله. اتهمه الإمام يحيى بالزندقة، وطعن عليه في معتقده، وشكّل محكمة لمحاكمته بتهمة المروق عن الدين، وإنكار البعث، ولكنه دافع عن نفسه أمام المحكمة وأمام الناس، فحاز البراءة، وكسب القضية، وعندما لمس أن الأفكار بدأت تستنير جاهر بآرائه ضد السلطة؛ فتم تقييده أولًا في البيت لمدة عشرة أيام، حتى مرض، ثم طِيف به ضمن من طِيف بهم في البلاد ممن طالبوا بتنظيم شؤونها، ورفع المظالم، وكانت خاتمة مطافهم سجن حجة، حيث عاش الدعيس ورفاقه قرابة أربع سنوات. ويبدو أنه كان على شيء من القدرة على فلسفة الأمور، ويبدو أن قدرته على ذلك كانت فطرية؛ فقد كان تلاميذه وأصدقاؤه ومن درسوه، يشبّهونه بسقراط، كما اقترن اسمه بوصف الحكيم أو الفيلسوف، والأثر الوحيد الذي خلّفه يقدمه كواحد من حكماء الشرق المنطلق من فكر الإسلام وإشراقاته التصوفية، ومن الباحثين في ذلك الفكر عن نهج عادل.
وقد جاء ذلك الأثر الفكري الذي خلّفه على شكل محاورة ثنائية تقوم بين مواطن يمني يحب بلاده ويرغب في تقدمها ومحافظتها على عقيدتها ووحدة أبنائها، وبين سائح هندي شاء حظه العاثر أن تكون سياحته في اليمن المتأخر المقهور. وجاءت المحاورة بعنوان "حوار مع سائح هندي"، وفي الحوار جعل من شخص الهندي لسانه في نقد الأوضاع، وتجسيد مثالب النظام، وجعله قادرًا على رؤية كل شيء في اليمن بعين فاحصة ناقدة، كما جعله يعرف من هموم اليمن ما لا يعرفه أهلها، فضلًا عن تمثله لمراحل التاريخ اليمني الحديث. وكان هذا الأثر الفكري من نتائج هزيمة اليمن بنظامها الإمامي أمام الغزو السعودي سنة 1353هـ/ 1934م، وهي الفترة التي انعكست ترديًّا في كل نواحي الحياة. والحوار المذكور يعد من أوائل الأدبيات المكتوبة، فقد كانت محاولة فكرية للاستفادة مما حدث، ويبدو أن الرجل الذي كان يتشبه دائمًا بسقراط قد لقي نهاية شبيهة بنهاية سقراط؛ حيث دُسّ له السم فمات به".
وجاء في مقال عنه بعنوان "الشهيد حسن الدعيس– محطات مهمة من حياة حكيم الأحرار" الآتي:
"كان همّ الشيخ الدعيس مُركَّزًا في الدفاع عن الوطن اليمني عمومًا، والمشاركة في حرب التحرير ومقاومة الاستعمار البريطاني، حيث سار على نهج أبيه وجدّه في محاربة الاحتلال التركي لليمن، واستمر في الكفاح ضد الأتراك، ودعَمَ الإمام يحيى في إرسال أموال الزكاة إليه، وتجلى هذا الموقف الوطني في سبيل تحقيق الاستقلال من الاحتلال التركي، والمشاركة في مقاومة الاستعمار البريطاني في كلٍّ من:
بعد استقلال اليمن من الحكم التركي، واستقرار حكم يحيى حميد الدين في صنعاء، قام بتولية الشيخ حسن الدعيس مهمة شيخ الضمان لمديريات "دَمْت" و"السدة" و"النادرة" و"الرضمة" و"الشَّعِر" و"بعدان" و"السَّبْرة"، لضمان جمع وتوريد أموال الزكاة عن هذه النواحي. كما شغل مدير إدارة مالية قضاء "النادرة" من عام 1335 حتى عام 1345 هجرية. وفي هذه الفترة –نظرًا للإحساس العميق لدى الشيخ حسن بحاجة سكان اليمن عامة للتعليم، وأهالي هذه المديريات خاصة، حيث كان الجهل والأمية متفشّيان بين المواطنين– قام الشيخ حسن ببناء مكاتب تعليمية في مراكز تلك النواحي (المديريات)، وألزم المواطنين بإرسال أبنائهم إلى تلك المكاتب للتعليم، في خطوة كانت هي الأولى من نوعها في اليمن، وكان يتم تمويل تلك المكاتب بجزء بسيط من أموال الزكاة، وهذا الأمر أثار حفيظة الإمام يحيى وسخطه؛ فأرسل أمير الجيش لمحاسبة الشيخ حسن، وطلبه إلى صنعاء للمحاسبة، واستمرت محاسبته أكثر من أربع سنوات، ولم يثبت عليه أي مخالفة أو تحقيق مصلحة ذاتية، وإنما كانت المحاسبة والطلب المستمر إلى صنعاء، بمثابة عقاب على قيام الشيخ حسن ببناء تلك المكاتب التعليمية، والتي تم تحويلها فيما بعد إلى مقرات للحكومة وعمال الإمام في تلك النواحي".
وتحدث عنه المؤرخ محمد بن علي الأكوع فقال: "الشيخ حسن الدعيس كان عبقريًّا، كما كان سياسيًّا حاذقًا".
وذكره المناضل العزي صالح السنيدار، فقال: "كان أحد الطلائع الثورية الذين أبصروا والناس كلهم ما زالوا عميانًا، ولما بلغ الإمام ما يقوم به من تشنيع، أراد أن يكسر من حدته؛ فسلّط عليه بعض المسؤولين، وادّعوا أنه ينكر القيامة، ويقول إنها كالرؤيا، ولكن كان أمامهم الدعيس وتجادل معهم وأنكر ما قالوه، وأنهم لا يفهمون، وأفحمهم حتى تراجعوا وسحبوا كلامهم، وأقروا له بعمق معرفته وكبر عقله".
وقال عنه الأستاذ إبراهيم المقحفي: "كان من كبار مشائخ بعدان، وله مشاركة في حركة الأحرار مع الدستوريين".
من كلامه المأثور قوله:
إن نجاح الحركة الوطنية يرجع إلى ثلاثة عوامل:
الأول: حركة الأحرار، وهم 1%٠
الثاني: جهود بعض أهل المعافر الحجرية، وتموينهم لحركة المعارضة، وهم 3%.
والثالث: عناد وإصرار بيت حميد الدين، وعدم استجابتهم لصوت الحق، وهم 96%.
المصادر: