إلى جانب كونه رجل أعمال نافذ ظهر بقوة خلال سنوات الألفية الماضية، يعتبر حميد عبدالله بن حسين الأحمر (المولود في العام 1967)، من الشخصيات القبَلية المؤثرة في التجمع اليمني للإصلاح، بدأ بتكوين ثرواته في عمر مبكر، وساعده في ذلك نفوذ عائلته الكبير في مؤسسات الدولة خلال عقود مديدة؛ فوالده هو الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، الشخصية القبَلية النافذة، ذو التوجهات الإسلامية، المشارك في تأسيس حزب التجمع اليمني للإصلاح في سبتمبر 1990؛ الأمر الذي سهّل لحميد الأحمر الولوج إلى عالم المال والأعمال من أكثر الأبواب سعة وانفتاحًا، واكتساب شهرة واسعة في الأوساط السياسية بوصفه نائبًا في البرلمان، الذي رأَسَه والده منذ العام 1993 حتى وفاته في العام 2007.
بعد عشرة أعوام كاملة من مغادرته اليمن، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية قرارَها بإدراجه وتسع من شركاته العاملة داخل اليمن وخارجها، في لائحة العقوبات. فماذا تعني هذه العقوبات، وما تأثيراتها على رجل الأعمال والسياسي الأحمر وحزبه، من الناحيتين السياسية والاقتصادية؟
تعزز حضور حميد الأحمر السياسي أكثر منذ أن خرج حزب الإصلاح الذي كان يرأسه أيضًا والده، من شراكته السياسية مع المؤتمر الشعبي العام في الحكومة بعيد ثاني انتخابات برلمانية في عهد دولة الوحدة في أبريل 1997 والتحاقه بأحزاب المعارضة، مشاركًا بتأسيس ما أُسمِيَ بتكتل أحزاب المشترك المعارض لنظام علي عبدالله صالح، وهو التكتل السياسي الذي دعم وبقوة المرشح فيصل بن شملان في الانتخابات الرئاسية في سبتمبر 2006، ونجح تاليًا في احتواء ثورة فبراير 2011، التي أسقطت سلطة صالح الاسمية، وقيام سلطة انتقالية برئاسة الرئيس عبد ربه منصور هادي، بموجب المبادرة الخليجية، وهي السلطة التي كان لتجمع الإصلاح تأثيرٌ كبير فيها، وخصوصًا في حصة أحزاب اللقاء المشترك منها؛ الأمر الذي مكّن حميد الأحمر من تعزيز نفوذه أكبر بصفته رجل أعمال مؤثرًا وسياسيًّا طموحًا، في الوقت ذاته كان يبصر كرسي الرئاسة أمام عينيه.
وبعد انقلاب 21 سبتمبر 2014، الذي تمكّن من خلاله الحوثيون من الاستيلاء على السلطة في صنعاء بمساعدة من الرئيس السابق صالح وقواته وحلفائه، وما أعقبها من مواجهات عسكرية دامية، ومستمرة بأشكال عدة حتى وقتنا الحاضر، لجأ حميد الأحمر إلى خارج اليمن والاستقرار نهائيًّا في تركيا، التي بدأ منها مسيرة استثمارية جديدة بتأسيس مجموعة شركات، بعد أن وضع الحارس القضائي لجماعة أنصار الله (الحوثيين) بصنعاء، اليدَ على مجموعة من شركاته الكبرى، مثل: سبأ فون، وبنك سبأ الإسلامي، وغيرها.
وبعد عشرة أعوام كاملة من مغادرته اليمن، وتحديدًا بتاريخ 7 أكتوبر 2024، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية قرارَها بإدراجه وتسع من شركاته العاملة داخل اليمن وخارجها، في لائحة العقوبات.
فماذا تعني هذه العقوبات، وما تأثيراتها على رجل الأعمال والسياسي الأحمر وحزبه، من الناحيتين السياسية والاقتصادية؟ هنا نحاول المساهمة بالإجابة عن هذه التساؤلات.
أولًا: ماذا تعني العقوبات؟
تعني التصرف بأصول مملوكة لدول أو كيانات استثمارية أو أفراد من خلال: التجميد أو المصادرة أو منع البيع أو النقل لهذه الأصول، وكذا تقييد حركة الأفراد المدرجين في قائمة العقوبات بقرار الخزانة الأمريكية، بحسب ما تمليه هذه الخزانة وامتدادات تأثيراتها حول العالم.
ثانيًا: الأثر السياسي
ورد في القرار وصف حميد الأحمر بأنه أحد المؤيدين الدوليين لحركة حماس، وهو أحد أعضاء محفظة الاستثمارات السرية للحركة، وفي نفس الوقت رئيس لمؤسسة القدس الدولية الخيرية. ولذا، فقد اعتبروه شخصًا يقدّم الدعم المالي والمادي لكلٍّ من حركة حماس ومؤسسة القدس الدولية، حسب خلفيات القرار ومضامينه. وكما هو واضح، فإن كل هذه الأعمال تعتبر مشروعة من وجهة نظر الدولة اليمنية، وتحظى بتأييد مكونات المجتمع اليمني، السياسية والاجتماعية بمختلف توجهاتها، والأكثر من ذلك تحظى بتأييد شعبي واسع باعتبارها مساهمة لنصرة قضية عربية إسلامية عادلة لفلسطين وشعبها المظلوم الذي يكابد مرارة القهر والتشرد، من الاحتلال الإسرائيلي لأرضه، ومصادرة حقه في وطن مستقل، لكنها في التوظيف السياسي الأمريكي المنحاز لدولة الاحتلال الإسرائيلي، تدخل في نطاق دعم الإرهاب.
وبالنظر إلى هذه المعطيات، يمكن الاستنتاج أن قرار الخزانة الأمريكية ضد حميد الأحمر وشركاته المدرجة في العقوبات، يمكن أن يرفع من مكانة الرجل السياسية والشعبية وتعيده للواجهة كمناصر لقضية عادلة؛ الأمر الذي من شأنه تمكينه وحزبه (التجمع اليمني للإصلاح) من توظيف هذه العقوبة لمنافسة تيار الحوثيين المناوئ لهما، الذي يقدّم نفسه للعالم بكونه تيارًا مقاومًا داعمًا للقضية الفلسطينية ومظلوميتها التاريخية من خلال ما يقوم به من أعمال عسكرية تحت لافتة نصرة المقاومة ووحدة الساحات في قضيتهم العادلة ضد الاحتلال الإسرائيلي ومسانديه من الحكومات الغربية، وأبرزها حكومتا الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة (بريطانيا).
وبناء على ذلك، نستخلص أنّ الأحمر وحزبه قد وجدا مبررًا لتعزيز مكانتهما، بوصفهما داعمين للمقاومة الإسلامية في فلسطين، وانتزاع قدرٍ من الأضواء المحلية والدولية التي حصل عليها الحوثيون خلال عام كامل منذ السابع من أكتوبر 2023؛ الأمر الذي يُعتقد بأنه سيعزز مكانة الأحمر السياسية مع أية تسوية سياسية قادمة، بغض النظر عن تأثير تلك العقوبات الاقتصادية عليه.
التجربة التي مر بها رجل الأعمال اليمني حميد الأحمر، وبخاصة جمعه بين العمل السياسي والاستثماري في بيئات مضطربة ومتأثرة بالتجاذبات السياسية الحادة، أدت إلى تعرضه للعديد من المخاطر التي تهدّد بالقضاء على تراكماته الاستثمارية والمالية.
ثالثًا: الأثر الاقتصادي
بالعودة لقرار العقوبات الموجهة لشركات حميد الأحمر، يمكن ملاحظة أن تلك الشركات بانتشارها في دول عدة، يجعلها عرضة لأثر اقتصادي كبير عليه وعلى شركاته. وحتى تتضح هذه الصورة، نعرض هذه الشركات ومراكز نشاطها الاستثماري، بحسب ما تضمنه قرار العقوبات المتداول في وسائل الإعلام المختلفة، فيما يلي:
1) مجموعة الأحمر التجارية ومقرها في اليمن.
2) شركة الأحمر لتوليد وتوزيع الزيوت ومقرها في اليمن.
3) شركة سما الدولية للإعلام ومقرها في اليمن.
4) مؤسسة السلام للتجارة والتوكيلات العامة ومقرها في اليمن.
5) شركة سبأ فون الدولية المحدودة ومقرها في لبنان.
6) شركة سباتورك للتجارة الخارجية ومقرها في تركيا.
7) شركة سبأ للتجارة والاستثمار ومقرها في جمهورية التشيك.
8) شركة إنرجي ياتريملاري أنونيم سيركيتي ومقرها في تركيا.
9) محفظة شركة مساهمة لإدارة الاستثمار ومقرها في تركيا.
يتضح من بيان الشركات، أن مراكز أنشطتها موزعة في أربع دول، ولأن القرار -كما أوضحنا سابقًا- يؤدي إلى تقييد الحركة على كل من يُوضع في لائحة العقوبات من الأفراد، فإن حميد الأحمر لن يستطيع نقل مواطن استثماراته بسهولة كما كان قبل القرار. وبالإضافة إلى ذلك، واستنادًا إلى توضيحاتنا السابقة لمضمون قرارات الخزانة الأمريكية، يمكن استخلاص ما يلي:
- ستتعرض الشركات للإعاقة في مواصلة أعمالها كما كانت؛ فعملياتها التجارية تعتمد على التحويلات المالية بالدولار الأمريكي، عبر النظام المصرفي الأمريكي الذي لا يزال يهيمن على الاقتصاد العالمي.
- يمكن للخزانة الأمريكية أن تجمد الأصول والأرصدة التابعة للشركات؛ كونها مدرجة في لائحة العقوبات، ومن ثم فإن أنشطة هذه الشركات لا تستطيع مزاولة أي نوع من الأعمال إلا بإذن من الخزانة الأمريكية.
وبناء على ما سبق، يمكن القول إن حميد الأحمر قد تعرض من جراء القرار لخسارة اقتصادية بالغة، لا تقل أهمية عن خسارته السابقة عندما ترك صنعاء وغادر إلى تركيا؛ إذ فقدَ بعضًا من ممتلكاته وما كان يتمتع به من امتيازات ونفوذ لإدارة أعماله الاستثمارية، وتحقيق مكاسب كبيرة من قطاعات استثمارية عديدة.
ختامًا: نستنتج من أن التجربة التي مرّ بها رجل الأعمال اليمني، حميد الأحمر، وبخاصة جمعه بين العمل السياسي والاستثماري في بيئات مضطربة ومتأثرة بالتجاذبات السياسية الحادة، أدّت إلى تعرضه للعديد من المخاطر التي تهدد بالقضاء على تراكماته الاستثمارية والمالية.