رغم الجهد الذي تبذله المعلمة أمل عبدالله، في تدريس مادة اللغة الإنجليزية، في إحدى المدارس الأهلية بمحافظة تعز (جنوب غربي اليمن)، بواقع 20 حصة أسبوعيًّا، وقد تصل إلى 80 حصة شهريًّا، لم تتحصل على مردود مالي مناسب لما تقدمه من اهتمام ورعاية بالطلاب، ومتابعة أنشطتهم وضمان استمرارية التأهيل، وسط تأكيد العديد من العاملات في القطاع الخاص، استغلالهن وعدم منحهن الحقوق وفقًا لقانون العمل المنظم، فضلًا عن عدم المساواة الحاصلة في المدارس الأهلية، التي تتعمّد دفع أجورٍ شهرية للنساء المعلمات، أقل من أجور المعلمين الذكور.
تقول المعلمة أمل لـ"خيوط": "تختلف الأجور من مدرسة إلى أخرى داخل مدينة تعز؛ الراتب الشهري يبدأ من (30 ألف ريال، بالعملة الجديدة المطبوعة المتداولة في مناطق الحكومة المعترف بها دوليًّا) في أول سنة، ويرتفع سنويًّا بإضافة 5 آلاف ريال، علمًا أن هذا المبلغ لا يكفي المواصلات وبدل المظهر أو المكافآت التي تمتنع إدارة المدارس عن صرفها للمعلمات والمعلمين".
في المدارس الأهلية، يتعرض المعلمون والمعلمات لهضم في الحقوق واستغلال للوضع، لا سيما أن الحرب قلصت عدد الفرص أمام الموظفين الحكوميين في قطاع التعليم، وأصبح عددٌ كبير من المعلمين حديثي التخرج بدون وظائف عامة، ما أفقد المعلم هيبته وحضوره بين الطلاب ووسط المجتمع، وجعله يبدو كما لو أنه عامل ضمن مؤسسة خاصة.
تستطرد أمل في حديثها: "المعلمات مضطهدات في المدارس الأهلية -إن صح التعبير- لأننا عندما نطالب بزيادة راتب، خاصة مع الظروف المعيشية الصعبة، والاقتصاد المتردي، وتهاوي العملة المحلية، تبرر الإدارة بأن الوضع يشمل الجميع، وأنها غير قادرة على رفع المستحقات، وقد تفكر في كثير من الأحيان بتقليص عدد المعلمين والمعلمات. أصبح الأمر وكأنه استغلال أو ابتزاز، اشتغِل بالحاصل أو نحن مستغنون عنك".
تتابع: "تصوّر؛ 30 ألف ريال (نحو 15 دولارًا بصرف عدن)، مقابل 80 حصة شهريًّا. عندما أتغيب يومًا واحدًا لظروف مرَضية، تخصم الإدارة ألف ريال، ولا تراعي أي ظرف أو انشغالات الحياة الطارئة. نحن -المعلمات- نتعرض لعدم المساواة في مسألة الرواتب، خاصة أن المعلمين الذكور يتقاضون أجورًا أعلى من المعلمات النساء".
لم تجد، كغيرها من المعلمات في مدينة تعز، من ينصف الجهود التي يقدمنها في سبيل تدريس الطلاب بأقل الإمكانيات، وتأهيل جيل قادم من رحم معاناة الحرب وقسوة ظروف العيش؛ إنهن مجبرات على العمل لتوفير متطلبات الحياة، مهما كانت المتاعب؛ لذا تلجأ بعضهن للعمل في المعاهد، وبعضهن الآخر في مهن أخرى غير التدريس.
تمييز واستغلال
تعتقد المعلمة أم أكرم، أن التمييز الحاصل في مدارس تعز الأهلية، ناتج عن استغلال الوضع الاقتصادي، وحاجة المرأة للعمل والحصول على أدنى متطلبات الأسرة، خصوصًا المعلمات اللواتي فقدن أزواجهن خلال سنوات الحرب، واضطررن للبحث عن فرصة عمل وتأمين لقمة عيش كريمة للأولاد الصغار.
منذ عامين، تتقاضى هذه المرأة نصف المبلغ الذي يتحصل عليه المعلم في المدارس الحكومية؛ قرابة 50 ألف ريال، تحاول الأم تسيير متطلبات المنزل، مؤكدة أنّ هذا المبلغ لا يلبي احتياجات الأسرة خلال مدة أقصاها نصف شهر، فيما تتكبد معاناة تحصيل تكاليف النصف الثاني من كل شهر.
وبحسب حديث أم أكرم لـ"خيوط"، فإن المدارس الأهلية لا تمنح المعلمين والمعلمات رواتبهم خلال الإجازة الصيفية، بل تقتصر عملية دفع المستحقات على أشهر الدوام المدرسي فقط، الأمر الذي يؤكّد استغلال مالكي المدارس الخاصة لهذه الفئة، في ظل غياب رقابة السلطات المعنية، وعدم وضع الجهات النقابية آليةً منظمة للعمل التربوي في القطاع الخاص.
فيما تقول ناشطات إن بعض القائمين على المدارس الأهلية يُميزون فئة المعلمين الذكور عن الإناث، ويفضلون التعاقد معهم برواتب أعلى أجرًا من رواتب المعلمات، مبررين أن الرجل يبذل جهدًا أكبر، أو يأتي من منطقة بعيدة، رغم انعدام وجود معايير حقيقية أو آلية واضحة لتحديد رواتب العاملين في القطاع التعليمي الخاص.
ويرى حقوقيون أنّ هذا التعامل يعدّ تهميشًا لدور المرأة المعلمة والمربية، باعتبارها المدرسة الأولى في المجتمع، ويخالف قواعد العمل المؤسسي، المبنية على عقود محددة تكفل للمعلم حقوقه، وتُلزمه بأداء ما عليه من واجبات تجاه المؤسسة التي تحرص على استمرار وتيرة نشاطها وجودة عملها الذي يعتمد على جودة الموظفين.
وأشاروا إلى ضرورة وجود لوحة منظمة للعملية التعليمية في المدارس الأهلية، تتبناها نقابة المعلمين اليمنيين، بحيث تتضمن توحيد مسألة الرواتب في القطاع التعليمي الخاص، لضمان حصول كافة المعلمين والمعلمات على حقوق متساوية، بعيدًا عن أساليب التمييز والتفضيل، ووضع حلول ومعالجات للعشوائية الحاصلة، والحد من نسبة الاختلالات، ورفع مستوى التنسيق بين المؤسسات الخاصة والحكومية وغيرها من النقابات؛ للمساعدة في جعل القطاع التعليمي أكثر ترابطًا، وتحقيق الهدف في بناء جيلٍ واعٍ.
تدني المرتبات
في المدارس الأهلية، يتعرض المعلمون والمعلمات لهضم في الحقوق، واستغلال للوضع، لا سيما أنّ الحرب قلّصت عدد الفرص أمام الموظفين الحكوميين في قطاع التعليم، وأصبح عددٌ كبير من المعلمين حديثي التخرج، بدون وظائف عامة، ما أفقدَ المعلم هيبته وحضوره بين الطلاب ووسط المجتمع، وجعله يبدو كما لو أنه عامل ضمن مؤسسة خاصة، يؤدّي مهمته المطلوبة مقابل الحصول على راتب لا يلبي احتياجاته، وفقًا لشهادة الكثيرين.
ظروف الحرب والحصار على مدينة تعز، وغلاء المعيشة، وتردي الوضع الاقتصادي، كل ذلك جعل المعلمين والمعلمات في أشد الحاجة للوظيفة، الأمر الذي يفسر قبول هذه الفئة مهنة التدريس مقابل أجور متدنية، والقبول مضطرًا لا يعني الرضا والقناعة، وتستدعي هذه المشكلة وجود قوانين تنظم علاقة المعلم بالمدرسة.
في حديثها لـ"خيوط"، تفيد المعلمة عفاف المجاهد: "أنا معلمة لمادة الرياضيات في إحدى مدارس تعز الأهلية، أستلم شهريًّا راتبًا يبلغ 45 ألف ريال. هذه المستحقات تعدّ قليلة مقابل ما أقوم به، وليس بأيدينا أن نحتج أو نعترض الإدارة، تجنبًا لقرارات الفصل التعسفي. المدارس الأهلية يستغنون عن أيّ معلم يبدأ بالمطالبة بأدنى حقوقه، أو يطلب إجازة مرَضية يومين أو ثلاثة أيام".
وتوضح أن رسوم تعليم الطلاب في المدارس الخاصة ترتفع عامًا بعد عام، وقد تصل تكلفة التسجيل في المرحلة الأساسية إلى 200 ألف ريال بالطبعة الجديدة، وتتضاعف مع الانتقال إلى مرحلتي الإعدادية والثانوية، ومع ذلك لا تراعي المدارس ظروف المعلم، الذي يتكبّد الكثير من المتاعب أثناء التدريس، مشيرة إلى أن هذا النوع من المدارس "تهتم باستقطاب الطلاب، وجني الأموال وتحقيق الأرباح في تنمية المشروع، بعيدًا عن الاهتمام بالكادر التعليمي أو هيئة التدريس".
هكذا يشكو معلمو ومعلمات المدارس الخاصة في مدينة تعز، من تدني المرتبات وحرمانهم أبسط الحقوق، وبحسب حقوقيين فإنه يتم صياغة عقود عمل عشوائية، وفقًا لما تقتضيه مصلحة المؤسسة أو المدرسة الأهلية، الأمر الذي يجعل المعلم محل الضحية، خصوصًا أن توقيع مثل هذه العقود لا تكفل له الحقوق والواجبات الوظيفية، ولا تحميه من الفصل المفاجئ أو الاستغناء دون إنذار مسبق.
نظرًا لظروف الحرب والحصار على مدينة تعز، وغلاء المعيشة، وتردي الوضع الاقتصادي، أصبح المعلمون والمعلمات في أشدّ الحاجة للوظيفة، الأمر الذي يفسّر قبول هذه الفئة مهنةَ التدريس مقابل أجور متدنية، والقبول مضطرًا، لا يعني الرضا والقناعة. وهذه المشكلة تستدعي وجود قوانين تنظّم علاقة المعلم بالمدرسة، وتُفعّل قوانين (العمل، والتأمينات) لحماية المعلم من التعسف والانتهاك.
وفيما يخص التلاعب برواتب المعلمات النساء، وتخفيض الأجور مقارنة بالذكور، يرى أساتذة علم الاجتماع أنه من الواجب توحيد مستحقات المعلمين والمعلمات في مختلف المدارس، والابتعاد عن النظرة التقليدية للمرأة، مشيرين إلى أن شذوذ هذه التصرفات تزول مع زيادة الوعي المجتمعي والتثقيف بأهمية مبدأ المساواة في العمل بين الرجل والمرأة.