في طريق جبلي شديد الوعورة والانحدار، تتهادى على مد البصر، مئاتُ المقطورات والشاحنات المحملة بصهاريج الماء؛ تقطع يوميًّا عشرات الأميال عبر مديريات الشرفين (شمال شرق محافظة حجة) باتجاه الغرب ناحية السهل التهامي ووادي مور عند مستقر سلسلة الجبال المعممة بالقرى الريفية ومدرجات مزارع "القات" الذي تشتهر بزراعته هذه المناطق.
منذ عقدين تقريبًا، صارت هذه الطُّرق اللولبية التي تستغرق الرحلة عبرها _ذهابًا وإيابًا_ من خمس إلى ثماني ساعات، السبيلَ المتاح أمام سكان المرتفعات الشمالية الشرقية من محافظة حجة، للتزوّد بالمياه في مواسم الجفاف، وشاهدًا عمليًّا على أزمة المياه التي تعيشها أغلب مديريات محافظة حجة، بسبب نضوب المخزون الجوفي خلال سنوات قليلة.
وتعود مشكلة المياه في شكلها الحالي بمحافظة حجة _وفقًا للسكان المحليين_ إلى مطلع الألفية الجديدة، حيث أدّى الحفر العشوائي للآبار الأرتوازية إلى نضوب المخزون الجوفي بشكل شبه كامل في كثير من المديريات، بسبب الاستعمال غير الرشيد للمياه في ري مزارع القات الذي تحتاج زراعته إلى كميات كبيرة من المياه، ولا سيما في ظل اتباع المزارعين لأسلوب الري بالغمر على الطريقة التقليدية.
وتزيد الحاجة إلى كميات أكبر من المياه الجوفية، كلما انخفض منسوب الأمطار الموسمية، التي قلّت نسبتها بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، لأسباب يعزوها البعض إلى التغيرات المناخية التي تشهدها المنطقة المدارية التي يقع اليمن في نطاقها.
لا شبكات مياه
على مستوى البنية التحتية، يقتصر وجود شبكات مياه نقية في نطاق محدود جدًّا من محافظة حجة، بينما الغالبية الأكبر من سكان المحافظة يعتمدون على السدود والخزانات الصغيرة والآبار اليدوية.
يقتصر وجود شبكات مياه نقية في نطاق محدود جدًّا من محافظة حجة، بينما الغالبية الأكبر من سكان المحافظة يعتمدون على السدود والخزانات الصغيرة والآبار اليدوية، التي أصبحت جزءًا من ضرورات التكيّف مع واقع الجفاف الذي تعيشه مناطق المرتفعات الشمالية من البلاد
هذه الحواجز والخزانات أصبحت جزءًا من ضرورات التكيّف مع واقع الجفاف الذي تعيشه مناطق المرتفعات الشمالية من البلاد، ولا سيما بعد نضوب أكثر من 90% من الآبار الأرتوازية والينابيع ومصادر المياه السطحية العذبة، التي كانت تسد حاجة السكان من الماء فيما قبل.
وتضاعفت حدة المشكلة في ظل أزمة المحروقات التي بلغت ذروتها بداية مارس/ آذار الجاري، الأمر الذي عمق أزمة المياه، بسبب التكلفة العالية التي يتطلبها نقل الماء عبر الشاحنات المحملة بالصهاريج، بما في ذلك المناطق التي توصف بـ"الحضرية"، التي أصبح فيها الحصول على الماء أمرًا بالغ المشقة، خصوصًا على الفئات الأشد فقرًا، وذوي الدخل المحدود، أو سكان المناطق الواقعة على مسافات بعيدة من أماكن التزود بالماء، كما هو الحال في مديريات الشرفين، التي قفزت فيها أسعار الماء إلى مستويات غير مسبوقة، راوحت 100 ألف ريال للصهريج الواحد، ترافقًا مع أزمة الوقود.
الحال لا يختلف كثيرًا في مديريات السهل التهامي، الواقعة في الجزء الشمالي الغربي من المحافظة، التي يعاني سكانها من شحة الحصول على مياه نظيفة للشرب، رغم الوفرة النسبية في مصادر المياه والمخزون الجوفي بالمقارنة مع مناطق المرتفعات الواقعة إلى جهة الشرق، إلى جانب قربها من بعض الأودية، مثل وادي مور الذي يعد أحد أطول وأغزر الأودية دائمة الجريان في اليمن، لكن المشكلة تتركز في غياب البنية التحتية الكفيلة بتوفير المياه الصالحة للشرب، والتخفيف عن سكان المناطق السهلية عناء البحث عن الماء لمسافات بعيدة، والندرة الكبيرة في وجود محطات التحلية.
حلول ظرفية
إلى قبل عامين، كانت مديرية حيران في صدارة القائمة على مستوى محافظة حجة من حيث معاناة السكان في الحصول على مياه الشرب، تليها ميدي وحرض وريف عبس، حيث كان يضطر سكان القرى والبلدات في هذه المناطق إلى المشي مسافات طويلة قد تصل إلى ساعات، نحو الآبار التي كان عددها محدودًا جدًّا، للحصول على مياه قليلة النقاوة، التي تُنقل عبر الصفائح البلاستيكية على ظهور الحمير، فضلًا عن المخاطر التي تترصد العابرين من جراء الألغام الأرضية التي ما تزال منتشرة بكثرة في تلك المناطق التي كانت مسرحًا للمواجهات بين القوات التابعة للحكومة المعترف بها دوليًّا وجماعة أنصار الله (الحوثيين).
إلا أن الوضع أخذ في التحسن قليلًا، بعد مساهمات قدمتها منظمات وهيئات إنسانية، لتوفير مياه صالحة للشرب للتخفيف من معاناة السكان؛ كانت بمثابة حول ظرفية تمثلت في إنشاء ست محطات لتحلية المياه، إلى جانب إعادة تأهيل بعض الآبار، وتوزيع خزانات بلاستيكية في عدد من المربعات السكنية والمخيمات في مديريات حيران وريف حرض وميدي.
مصادر محلية بمديرية حيران، قالت لـ"خيوط"، إن تلك المبادرات أزاحت جانبًا كبيرًا من معاناة المياه بمديريات السهل الغربي، إلا أن الحاجة إلى توسيع مشاريع مياه الشرب في تلك المناطق ما تزال ملحة.
يوضح محمد علي (35 سنة)، وهو من سكان بلدة بني فايد، لـ"خيوط"، أن "الوضع ليس مثاليًّا تمامًا، إذ ما يزال الناس يواجهون صعوبات، كأن تتعطل المنظومات الشمسية التي تعتمد عليها محطات التحلية في رفع الماء، أو تقل كفاءتها حين يكون الطقس غائمًا، ما يعني قلة كمية الماء اللازمة لتغطية الاحتياج".
يذكر أيضًا، أن مناطق مثل بني حسن الواقعة شمال مديرية عبس، لا يتوفر فيها أي محطات للتحلية، أو نقاط توزيع (خزانات)، إضافة إلى أن الصهاريج التي توزع المياه العذبة على المربعات السكنية، تتحاشى العبور باتجاه تلك المناطق، خشية الألغام التي لم تفلح جهود الفرق المختصة في تطهيرها كليًّا، كون زراعتها تمت بشكل عشوائي وكثيف في أجزاء واسعة من تلك المناطق.