تقليص مساعدات نازحي حجة

أسر كثيرة في مواجهة غير متكافئة مع البرد والجوع
محمد وهبان
January 15, 2024

تقليص مساعدات نازحي حجة

أسر كثيرة في مواجهة غير متكافئة مع البرد والجوع
محمد وهبان
January 15, 2024
الصورة لـ: حمزة مصطفى

"لم نعرف الاستقرار أبدًا، منذ طفولتنا ونحن نعيش النزوح من منطقة إلى أخرى"، بهذه الكلمات بدأ يحيى محمد (32 سنة)، من أبناء محافظة صعدة حديثه لـ"خيوط". 

يعيش يحيى مع أسرته المكونة من تسعة أفراد في إحدى مخيمات النازحين (شمال محافظة حجة)، وتعتبر دراجته النارية مصدر دخله الوحيد بالإضافة لبعض المساعدات الإنسانية التي تتضاءل تباعًا في الآونة الأخيرة إثر حالة اللاسلم واللاحرب التي يعيشها اليمنيون اليوم.

الجدير بالذكر أنّ مديريات محافظة حجة استقبلت أعدادًا كبيرة من النازحين القادمين من محافظة صعدة ومديرية حرض وميدي الحدودية، منذ اندلاع الحرب في اليمن مطلع 2015، وبحسب آخر إحصائية صادرة عن الوحدة التنفيذية للنازحين، بلغت أعداد النازحين أكثر من ثلاثة ملايين نازح منذ بداية الحرب، موزعين على 646 مخيمًا في 13 محافظة، بما في ذلك محافظة حجة، حيث وصل عدد النازحين بحجة إلى أكثر من 19 ألف نازح، بينهم أطفال ونساء، جميعهم بحاجة للمساعدات الإنسانية.

المشهد في حجة ما هو إلا عينة من مشهد أكبر يعكس ظروفًا معيشية بالغة القسوة يعانيها النازحون في اليمن، إثر صراع سياسي واقتصادي متصل منذ قرابة تسع سنوات، إذ أصبح الآباء غير قادرين على توفير متطلبات الحياة الأساسية لأسرهم، خاصةً بعد تأخير الحصة الغذائية المقدمة من برنامج الغذاء العالمي، وانقطاع مساعدات المنظمات المعنية بالإيواء والخدمات الأخرى التي يفتقر إليها النازحون في المخيمات.

الحاج عبدالله (53 سنة)، أحد النازحين الذين يعتمدون على المساعدات الإنسانية بشكل رئيس، إذ لا يملك أي وسيلة أخرى لكسب الرزق مع أفراد عائلته الذين يبلغ تعدادهم (43 فردًا)، ويتشاركون ثلاث خيام مهترئة لا تقيهم حرارة الشمس ولا برد الشتاء.

نزح الحاج عبدالله -هو وعائلته- من مديرية الظاهر، بمحافظة صعدة إلى محافظة حجة، وعن هذا النزوح وما تخلله من معاناة، خاصة مع قدوم فصل الشتاء، تحدث لـ"خيوط"، قائلًا: "لا نملك ملابس شتوية، ولا بطانيات لنغطي أنفسنا، والأقسى أنّنا لم نستلم أيّ مساعدة إنسانية من أي جهة منذ ما يزيد على ثلاثة أشهر، ونعتمد بدرجة أساسية على أوراق الشجر -ما يسمى بـ(الحلص)- لسدّ جوعنا". 

● "فقدت منزلي الأول في مسقط رأسي بوادي عبدالله، بمدينة حرض، بعد اندلاع الحرب بأيام، نزحت بعدها إلى مديرية عبس بني حسن، وبنيت منزلًا جديدًا هناك، وعندما أكملت بناءه وبدأنا بالاستقرار، لحقتنا الحرب بعد خمسة أعوام تمامًا، حينها نزحنا من بني حسن إلى منطقة (خيران المحرق)، لكن الحرب لم تأخذ بيتي فقط هذه المرة، بل أخذت أبي وشردت بقية أسرتي".

النزوح على مراحل

حسن حليصي (30 سنة)، نزح من صعدة إلى محافظة حجة مع أبنائه التسعة، أكّد حليصي لـ"خيوط"، أنه يعيش مع أسرته في خيمة واحدة يتقاسمون المعاناة بانتظار أي مساعدة إنسانية تمكّنهم من الاستمرار في العيش، وبسبب أنهم لا يجدون ما يُسَدّ به الرمق، اضطر حليصي لإرسال ابنه الذي لم يبلغ الخامسة عشرة للسفر إلى المملكة العربية السعودية، البلد الثري المجاور لليمن، بطريقة غير شرعية، على أمل أن يساعده في توفير متطلبات الحياة الأساسية، وبالمثل وبسبب الأوضاع التي يعيشها النازحون بحجة، هاجر كثير من الآباء إلى المملكة العربية السعودية بطرق غير شرعية، بحثًا عن أعمال ربما لا تتناسب مع أعمارهم لتوفير حياة كريمة لأسرهم، وهو ما أكّده النازح محمد علي، الذي قال: "وصلت ديوني عند أحد التجار إلى مليون ومئتي ألف ريال يمني خلال العام الجاري 2023، فاضطر التاجر لإيقاف حسابي لديه، هذا بدوره تسبب في أن نتحول إلى تناول وجبة واحدة خلال اليوم كاملًا، بل إننا أكلنا أوراق الشجر، وهو ما لم أطِق تحمله؛ لذلك سافرت إلى صعدة للعمل بتهريب القات إلى السعودية رغم خطورة هذا العمل الذي قد أدفع ثمنًا له رأسي"، ينهي حلصي حديثه لـ"خيوط". 

محمد عيسى (32 سنة)، شارك "خيوط" قصة نزوحه، قائلًا: "فقدت منزلي الأول في مسقط رأسي بوادي عبدالله بمدينة حرض بعد اندلاع الحرب بأيام، وتحديدًا في 31 مارس/ آذار 2015، نزحت بعدها إلى مديرية عبس بني حسن وبنيت منزلًا جديدًا هناك، وعندما أكملت بناءَه وبدأنا بالاستقرار، لحقتنا الحرب بعد خمسة أعوام تمامًا في التاريخ ذاته 31 مارس/ آذار، حينها نزحنا من بني حسن إلى منطقة (خيران المحرق)، لكن الحرب لم تأخذ بيتي فقط هذه المرة بل أخذت أبي وشردت بقية أسرتي".

لا يحلم النازحون بحجة العودة إلى منازلهم بقدر ما يحلمون بالحصول على وجبة تعيد الطاقة لأجسادهم المتعبة، هكذا تقلصت الأحلام كما يصورها عيسى: "إن عادت حرض، وتم إعمارها -وهذا حلم بعيد المنال- فمن يعيد لنا أبي وذكريات العائلة الواحدة، العوض ليس منزلًا وحسب، فالعودة تحولت إلى مواجهة مع ذاكرة مكتظة بالألم والفقد". 

غياب المساعدات

لا يعد الحصول على الغذاء مشكلة النازحين الوحيدة، بل إن عدم توفر الاحتياجات الأساسية كالإيواء والخدمات الصحية والدعم النفسي، وبعد المراكز التعليمية عن مخيماتهم، إلى جانب تضافر الظروف الطبيعية صيفًا وشتاء؛ جميعها عوامل تحوِّل حياة النزوح إلى أزمة إنسانية حقيقية.

هذا ويعتبر مخيم (المطيهرة) شمال محافظة حجة، من أكبر مخيمات النازحين في المحافظة، حيث بلغ عدد الأسر فيه ما يقارب 1400 أسرة يعانون من انقطاع جميع الخدمات الإنسانية، وبحسب مندوب المخيم علي مطيع، الذي تحدّث لـ"خيوط"، عن معاناة النازحين في هذا المخيم بقوله: "أكثر الأسر تسكن في خيام لا تقيهم حرارة الصيف ولا برد الشتاء، يعانون من الجوع ووصل الحال ببعضهم إلى بيع الأواني المنزلية للحصول على الغذاء".

وأضاف مطيع: "نطالب المنظمات الدولية وكل من له شأن، بالتدخل لإنقاذ حياة النازحين؛ فبعض الأسر تكتفي بوجبة واحدة، وآخرون دفعتهم الظروف والحاجة إلى أكل أوراق الشجر أو ما يسمى بـ(الحلص)، وأبسط ما يمكن به وصف الوضع في مخيمات النازحين، أنه كارثي". 

ووفقًا لتقرير الاستجابة الإنسانية لصندوق الأمم المتحدة للسكان في اليمن، الصادر بشهر فبراير/ شباط 2023، الذي أكّد على أنّ اليمن تواجه واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم، فهناك 12.6 مليون شخص بحاجة إلى المساعدات الإنسانية، ويعاني نحو 80% من السكان، من أجل الوصول للغذاء ومياه الشرب الآمنة والخدمات الصحية الكافية، ووفقًا لموقع منظمة الغذاء العالمي، فإن مستوى الجوع الحالي في اليمن غير مسبوق، ويسبب معاناة شديدة لملايين من السكان، حيث يعاني 17 مليون يمني من انعدام الأمن الغذائي، ويعد معدل سوء تغذية الأطفال من أعلى المعدلات في العالم. 

محدودية الخدمات

الخدمات الصحية هي الأخرى شبه معدومة وغير كافية في مخيمات النازحين، ففي مديرية أسلم (شمال حجة)، على سبيل المثال؛ لا توجد بالمديرية سوى نقطتين صحيتين، وعيادة متنقلة واحدة لتقديم الخدمات الصحية للنازحين.

مقابل ذلك، استقبل المركز الطبي المركزي بأسلم، حالات كثيرة خلال الثلاثة الأشهر الأخيرة، حيث بلغت الحالات التي تم تحويلها إلى منظمة أطباء بلا حدود، قرابة 40 حالة من بينهم ثماني حالات تعاني من سوء تغذية حاد، وسبع حالات فقر دم، معظمهم أطفال، إلى جانب بعض كبار السن وحوامل، حسب ما ذكر لـ"خيوط"، محمد قايد، مندوب أطباء بلا حدود في المنطقة. وأضاف قايد: "الوضع الصحي في مديرية أسلم (شمال حجة)، متدنٍّ للغاية نتيجة محدودية تدخل المنظمات الصحية الذي لا يلبي 40% من الاحتياجات الصحية".

وبسبب ضعف الإمكانيات الصحية، انتشرت العديد من الأمراض في مخيمات النازحين، مثل: مرض الملاريا وحمى الضنك، وأمراض الجهاز التنفسي والهضمي، والأمراض الجلدية المختلفة.

تحذيرات أممية

من جهتها، أشارت الوحدة التنفيذية للنازحين في تقرير لها صدر في شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أنّ اليمن شهد أكبر أزمة إنسانية، ويعتبر النازحون أكثر الفئات السكانية ضعفًا، حيث بلغ عدد الأسر النازحة التي لا يتوفر لها غذاء في المخيمات 49,248 أسرة، في حين بلغ عدد الأسر التي لا يتوفر لها مأوى 590 أسرة، موزعة على عددٍ من المحافظات، من بينها محافظة حجة، فيما حذرت الاستجابة الإنسانية لصندوق الأمم المتحدة للسكان باليمن 2023، من تأثر ملايين النساء والفتيات بالأمراض والأوبئة، ووفقًا لموقع لجنة الإنقاذ الدولية، فإن نصف سكان اليمن يعانون من انعدام الأمن الغذائي الذي تفاقم بسبب النزاع في أوكرانيا، وأضاف التقرير أنّ الارتفاع الحادّ في أسعار المواد الغذائية في السنوات الأخيرة، جعل أكثر من نصف السكان بحاجة إلى مساعدات غذائية، في حين أنّ انخفاض الريال اليمني جعل الأغذية الأساسية المستوردة أكثر تكلفة.

•••
محمد وهبان

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English