انتشار "غيلان باريه" في تعز

جدل حول أسباب المرض وجدية مواجهته
أشجان بجاش
June 8, 2024

انتشار "غيلان باريه" في تعز

جدل حول أسباب المرض وجدية مواجهته
أشجان بجاش
June 8, 2024
.

اعتقدت عائلة أميرة عبدالله سعيد (16 سنة)، من تعز (جنوب غربي اليمن)، أنّ الوخز والآلام التي شعرت بها فجأة في قدميها مطلع أبريل/ نيسان 2024، مجرد مشكلة عابرة يمكن تجاوزها بحبة دواء مهدئ، غير أن تلك الأيام كانت مجرد بداية لمرض لم تسمع به من قبل، حيث بدأ الألم يتسلل إلى جسدها، لتصبح خلال ساعات فقط، بحاجة إلى جهاز يساعدها على التنفس.

خال أميرة تحدث لـ"خيوط"، عن بعض تفاصيل ما حدث، قائلًا: "إثر تفاقم حالة أميرة، نُقلت أولًا إلى مستشفى الجمهوري في تعز، وهناك بدأت تعاني من مشاكل في التنفس، في الوقت ذاته الذي كان الأطباء يُجرون لها الفحوصات ويحاولون تشخيص حالتها".

تأخر في التشخيص

انتاب القلقُ العائلةَ ما دفعها إلى نقلها إلى مستشفى آخر في تعز، وهناك سمع ذويها للمرة الأولى بـ(متلازمة غيلان باريه)، وعلموا أنّها بحاجة إلى تنفس صناعي، و20 حقنة أمينو جلوبيولين (Immune Globulin)، التي عادة ما يتم إعطاؤها للمرضى الذين يُعانون من اضطراب التهابي مناعي للجهاز العصبي، بلغت تكلفة هذه الحقن نحو ربع مليون ريال يمني (500 دولار) لإنقاذها من موت محقق؛ بسبب شلل جسدها التام.

ويشير الخال إلى أن تكلفة العلاج الباهظة بالنسبة لعائلة أميرة -محدودة الدخل- أغرقتها بالديون، مضيفًا: "بعد أن اشترينا الحُقن، اكتشفنا لاحقًا أنّها كانت تُصرف مجانًا في المستشفى الجمهوري الذي أُخذت إليه أميرة لأول مرة، لكن لا أحد أخبرنا بذلك، للأسف الشديد".

الخال يعتقد بأن تأخر تشخيص حالة أميرة، ومنحها العلاج في الوقت المناسب هو الذي أدّى إلى تفاقم وضعها الصحي، وإيصالها إلى مرحلة البقاء مربوطة إلى جهاز التنفس الصناعي.

عبدالعزيز الحداد، استشاري أمراض مخ وأعصاب، في المستشفى العسكري بتعز، يُعرّف في حديثه لـ"خيوط"، متلازمة غيلان باريه، بأنّها: اضطرابٌ نادر يؤثر على الجهاز المناعي للجسم، ممّا يؤدّي إلى الهجوم على الأعصاب وإعطاب عملها تمامًا.

ويضيف الحداد أنّ الأعراض تبدأ عادةً بالشعور بالضعف والوخز في اليدين والقدمين، ثم تتطور سريعًا لتشمل الجسم بأكمله، ممّا يؤدّي إلى الشلل، وعليه لا بدّ من الإسراع بنقل المريض للمستشفى عند الشعور بالأعراض الأولى لتلقي العلاج.

ويتابع الحداد: "لا يُعرف السبب الدقيق وراء إصابة الشخص بمتلازمة غيلان باريه، لكن تشير بعض الدراسات إلى أنّ ثلثَي المرضى كانوا يعانون من عدوى في الأسابيع الستة السابقة لظهور الأعراض، مثل عدوى كوفيد-19 أو عدوى تنفسية أو عدوى معوية أو فيروس زيكا (عدوى فيروسية تنتقل عن طريق البعوض، ولا تسبِّب أي أعراض عادة، ولكن يمكن أن تسبِّب الحُمَّى والطفح الجلدي وآلام المفاصل).

الحدّاد يستطرد قائلًا: "لا يوجد علاج شافٍ لمتلازمة غيلان باريه، ولكن هناك علاجات عدة تساعد في تخفيف الأعراض وتقليص مدة المرض، وعلى الرغم من أن معظم المرضى يتعافون تمامًا، فإنّ بعض الحالات الحرجة قد تكون مميتة، أو يستغرق التعافي منها وقتًا طويلًا، وقد تستمر آثار الإصابة بشكل مزمن".

تشمل الأعراض الشائعة لمتلازمة غيلان باريه، ضعفًا في القدمين والساقين، ينتقل تدريجيًّا إلى الأعلى، إلى جانب صعوبة في الحركة والنطق والبلع، واضطرابات في البصر، وآلامًا شديدة، وصعوبة في التحكم بوظائف الجسم الأساسية، مثل التبول والتنفس، والمشي غير المتَّزن أو عدم القدرة على المشي أو صعود الدَّرَج، إضافة إلى تسارع ضربات القلب، واضطراب ضغط الدم صعودًا ونزولًا.

تبدأ الأعراض، عادةً، بالشعور بالضعف والوخز في اليدين والقدمين، ثم تتطور سريعًا لتشمل الجسم بأكمله، ممّا يؤدي إلى الشلل، وعليه لا بد من الإسراع بنقل المريض للمستشفى عند الشعور بالأعراض الأولى لتلقي العلاج.

تداخل في الأعراض

ربيع العزاني، اختصاصي مخ وأعصاب بمستشفى الروضة في تعز، يقول: "تكمن خطورة متلازمة غيلان باريه في أن الجهاز المناعي في الجسم يهاجم الجهاز العصبي، إضافة إلى أن هناك اختلافًا في الأعراض من شخص لآخر؛ فبعضهم قد تظهر لديه التهابات في الجهاز الهضمي، وبعضهم الآخر التهابات في الجهاز التنفسي بسبب إصابات بكتيرية سابقة، أو بسبب إصابات فيروسية متعددة، فيما قد يصاب فريق ثالث بآلام في العضلات والمفاصل وارتفاع درجة الحرارة وغيرها، هذا الاختلاف قد يعقّد من عملية الكشف السريع، ومن ثَمّ قد تتدهور صحة المريض لمراحل يصعب تلافيها".

العزاني يشدّد على أهمية تشخيص الحالة، ومن ثَمّ أخذ اللقاح المناعي. 

أميرة ليست الحالة الوحيدة التي تعاني من متلازمة غيلان باريه في محافظة تعز، فهنالك آخرون مثلها يهدّد المرض أجسادهم، وسط غياب التشخيص الصحيح وتوافر الإحصائيات الدقيقة حيال المرض، إذ تقدّر جهات غير رسمية أعداد المصابين به في محافظة تعز فقط، بأكثر من 80 حالة، في حين أن مكتب الصحة العامة هناك ينفي أصلًا تسجيل أي إصابات بالمرض.

الطبيب محمد الحميري، طبيب طوارئ في مستشفى الجمهوري بتعز، يقول لـ"خيوط": "إن التحديات التي تواجه تشخيص مرض غيلان باريه (GBS) تتعلق بالحاجة إلى تأكيد التشخيص واستبعاد الأمراض المشابهة، وإجراء فحوصات الرنين المغناطيسي وكهرباء الأعصاب، وهذا ما لا يتوافر في جميع المشافي الحكومية".

وبذلك، يعتقد الحميري، أنّ المشكلة لا تتعلق بالتخصصات الطبية لرصد المرض وتشخيصه، بل بالأجهزة والمستلزمات المطلوبة، سواء في المشافي الحكومية أو الأهلية.

ويلفت إلى أن علاج مرض غيلان باريه، يتطلب رقود المصاب في مستشفى باطنية أو مخ وأعصاب، علاوة على أنه قد يحتاج إلى عناية مركزة واستخدام المصل المناعي، الذي يكون غاليًا للغاية وغير متوفر بسهولة، مما يرفع تكلفة العلاج بشكل كبير.

ودعا الجهات المعنية إلى ضرورة توفير التجهيزات الطبية اللازمة، وتقديم الدعم المالي للمرضى، وتحسين الرعاية والتشخيص في المستشفيات للتعامل بفعالية مع هذه الحالات، على حد تعبيره.

علاج غير مناسب

مازن عطاء (28 سنة)، من تعز، مصاب بمتلازمة غيلان باريه، يعاني من المرض منذ 2020، وحتى اللحظة لا يقوى على الحركة؛ لأنه لم يتلقَّ العلاج المناسب منذ البداية، ولم تُكتشَف إصابته إلا بعد أن شُلَّت قدماه تمامًا وتوقف عن المشي. في البداية، أحسَّ مازن بأوجاع في بطنه وظهره، لينهار جسده تمامًا، وسط حيرة الأطباء الذين لم يستطيعوا تحديد التشخيص المناسب لحالته، كما أكّد لـ"خيوط".

وتابع عطاء حديثه قائلًا: "خلال رحلتِي العلاجية، التي شملت عدة مستشفيات في مدينتَي تعز وعدن، تباينت الآراء والتشخيصات الطبية؛ بعض الأطباء قال إنني مصاب بالتهابٍ فيروسي، وبعضهم الآخر مالَ إلى احتمال أنّها بكتيريا أو التهابات مستعرضة؛ أي إنها أعراض ليست خطيرة، سوف تزول بسرعة".

"بعد ستة أشهر من العلاج، طرأ بعض التحسن على صحتي، لكني ظللت مشلولًا جزئيًّا، دون أن أعرف تمامًا إن كان سيشفى بنحو كامل أم لا، وكل هذا بسبب التشخيص والاجتهادات الطبية الخاطئة".

ويبدو أنّه محظوظ مقارنة بآخرين، إذ يؤكّد عبدالحليم صبر (40 سنة)، من تعز، أن التشخيص الخاطئ والإهمال الطبيين تسبّبَا بوفاة خالٍ له كان مصابًا بمتلازمة غيلان باريه.

صبر تحدث لـ"خيوط"، عن هذه الحادثة، قائلًا: "نُقل خالي إلى مستشفى الجمهوري بصنعاء في 12 أبريل/ نيسان 2024، بسبب عدم استقباله في جمهوري تعز، هناك بُترت قدماه ووافته المنية، حدث هذا بسبب عدم دقة التشخيص، إلى أنّ صار العلاج غير فعّال، كما أكّد الأطباء في جمهوري صنعاء، ومن ثمّ تم اللجوء إلى بتر الساق بسبب الغرغرينا".

"تُوفِّي خالي في 19 أبريل/ نيسان 2024، في غرفة العناية المركزة بعد عملية البتر بثلاثة أيام، وبعد أن تعرض لإهمال طبي وتشخيص خاطئ"، ينهي صبر حديثه.

فؤاد الحداد، مدير مستشفى الجمهوري في تعز، يؤكّد في حديث لـ"خيوط"، التزام السلطات المحلية بتقديم الرعاية والدعم اللازمين لمرضى متلازمة غيلان باريه، ويشدّد على أهمية التشخيص السليم للمرض وتوفير العلاج اللازم.

ويضيف: "لا يتم التشخيص الصحيح لمتلازمة غيلان باريه إلا بواسطة طبيب اختصاصي في الأمراض العصبية؛ ولذلك تم الاتفاق مع مكتب الصحة، بالتقيد بالتعليمات المشار إليها، لضمان توفير المعلومات بشأن المرض، بنحو شفاف ودقيق".

وأكّد الحداد، أنّ الدواء الخاص بالمرض يتم صرفه من مكتب الصحة، ويُوزع مجانًا في المستشفيات الحكومية في تعز بشكل عام، منوهًا أن هذا لا يتوفر في بقية المحافظات التي تعجز عن تشخيص المتلازمة، مشيرًا إلى أنهم لا يرفضون صرف العلاج حتى لو كانت الحالة مشخصة في مستشفيات أهلية.

وأشار إلى صرف 80% من الدواء لحالات تحمل وصفات طبية من مستشفيات خاصة، وأنّ هناك آلية للصرف تهدف إلى التأكد من وصول الدواء إلى المرضى بشكل فعّال، معلنًا عن تلاشي الاختلالات في الصرف مستقبلًا.

علاج مرض غيلان باريه، يتطلب رقود المصاب في مستشفى باطنية أو مخ وأعصاب، علاوة على أنه قد يحتاج إلى عناية مركزة واستخدام المصل المناعي، الذي يكون غاليًا للغاية وغير متوفر بسهولة، ممّا يرفع تكلفة العلاج بشكل كبير.

نفي مكتب الصحة

وعلى الرغم من رصد حالات إصابات بمتلازمة غيلان باريه، فإن مكتب الصحة العامة والسكان في تعز، نفى في بيان صدر عنه يوم 12 أبريل/ نيسان، الأخبارَ المتداولة، مؤكدًا أنّ مستشفيات المدينة لم تسجل أيّ إصابة بالمرض.

من جانبه، يقول مدير مكتب الصحة في تعز، عبدالرحمن الصبري، لـ"خيوط": "هذه المتلازمة من الأمراض المناعية النادرة جدًّا، وليس مرضًا وبائيًّا، والأدوية المعزِّزة للمناعة توفّرها الدولة، لكن بكميات غير كافية لوجود أمراض مناعية أخرى، مثل أمراض الكبد والسرطان، التي تعدّ الأكثر شيوعًا".

مضيفًا أنّه التهاب فيروسي لا يفترض أن يثير الرعب والقلق، ولا ينتشر بشكل وبائي، إلا أنه يمكن أن يصيب بعض الأشخاص المهيئين مناعيًّا لحدوثه. 

"نحن نسعى جاهدين لمتابعة الوزارة وشركائنا للحصول على العلاجات الخاصة بالأمراض المزمنة والمناعية، ونتعهد بدورنا في توفير الرعاية لمرضانا في ظل هذه الظروف الصعبة التي تمثّل تحدّيًا لنا"، ينهي الصبري حديثه.

يقول أحد الناشطين، والمتعافين من هذه المتلازمة، هشام السمان، في حديث لـ"خيوط": "بعضٌ من الأطباء في مجالات مختلفة، يشير إلى أن متلازمة غيلان باريه ليست معدية ونادرة، وليس لها طابع وبائي، ومع ذلك، فإن الاهتمام بمتلازمة غيلان باريه مهم كبقية الأمراض والأوبئة. هناك أشخاص يعانون من شلل ناتج عن هذه المتلازمة، وهناك من توفِّي بسببها، ولكن تصريح مدير مكتب الصحة يبدو وكأنه يعتبر الحالات نادرة". وشدّد السمان على ضرورة انفتاح الأطباء بشأن التعامل مع هذا المرض، ابتداء بالتوعية وسرعة التشخيص.

مجموعة من المصابين بمتلازمة غيلان باريه في تعز، أكّدوا إصابتهم بالمرض على الرغم من تصريحات مكتب الصحة التي نفت وجود حالات، مشيرين إلى أنّ هناك من هو بحاجة للرعاية المركزة؛ أحدهم في مستشفى الروضة، والآخر في مستشفى اليمن الأكاديمي، حيث كانت الحالة تتطلب استخدام جهاز تنفس صناعي.

وموضحين أنّ هناك آخرين كانوا قد تعالجوا في مصر، بينما يتلقى بعض المصابين العلاجَ الطبيعي في مركز رعاية وتأهيل. كما تم علاج بعض الحالات من أطباء مختصين، ومن ثَمّ على مكتب الصحة الرجوع إلى الواقع والتحقق من عدد المصابين الذين عُولجوا بواسطة هؤلاء الأطباء.

•••
أشجان بجاش

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English