أداة جديدة للقمع اسمها "نادي الخريجين"

كيان ظلامي ينهش جامعة صنعاء
خيوط
September 30, 2022

أداة جديدة للقمع اسمها "نادي الخريجين"

كيان ظلامي ينهش جامعة صنعاء
خيوط
September 30, 2022

حينما تسير كطالب جامعي باتجاه قاعة محاضراتك برفقة زميلتك أو زوجتك أو مخطوبتك؛ فحتمًا ستلاحقكما أعين من يدّعون أنهم حراس الأخلاق وحماة الهُوية الإيمانية، فينقضّون عليكما وسطَ حشود الطلاب والطالبات من حولكما! فالحديث بين الطالب وزميلته أو المشي معًا أصبح مصيدةً ناجحة لمدّعي الأخلاق ومقاومي الحرب الناعمة، فكم من شابّ وفتاة تم ابتزازهما ونهبهما تحت هذه الدعاوى الباطلة في الجامعة اليمنية الأولى، جامعة صنعاء، هذا الصرح التعليميّ الرائد في اليمن يتعرّض للتشويه والاعتداء من قبل سلطة تكِنّ عداءً شديدًا لكلِّ ما يتعلق بصلة للحياة.

آخر هذه الإجراءات القمعية كما يعرف الجميع، يتمثّل بما يسمى "نادي الخريجين"، الذي يمارس عمله كأداة ابتزاز قمعية تفرض الإتاوات والجبايات على حفلات التخرج، مصحوبةً باشتراطات تمنع كلَّ ما له علاقة بالاحتفال.

"خيوط" كانت قد كشفت العام الماضي ما يمارس في جامعة صنعاء من قمع وتضييق وبروز مشكلات غريبة تؤرق طلاب وطالبات الجامعات اليمنية، وجامعة صنعاء تحديدًا، مع أنّه لم يسبق أن كان لليمن عهدٌ بها حتى في أسوأ مراحل تاريخها. كما كشفت "خيوط" عن إقدام السلطات وإدارة الجامعة على منع تنفيذ "مشاريع التخرج المختلطة" حسب تسميتهم، لينعكس ذلك سلبًا على أداء الكثير من التخصصات التي يلزم في كل فريق منها وجودُ طلاب وطالبات معًا، وما ترتّب عليه في لجوء الطالبات لدفع مبالغ مالية كبيرة لزملائهن الذكور في الفرق الأخرى مقابل قيامهم بتنفيذ تلك الأنشطة التي كان يمكن لهم المساهمة بها بالمجان، باعتبارهم شركاء في المشروع، إضافة إلى قرار يمنع "الاختلاط في حفلات التخرج" ابتداءً من العام 2021، ليصل الأمر بالطلاب في كل دفعة حدّ الانقسام لفريقين ودفع تكاليف أضعاف تلك التي كانوا سيدفعونها معًا؛ "قضية الاختلاط في الجامعات".

وما يمارسه "نادي الخريجين" في جامعة صنعاء، يُعدّ حديث الساعة منذ أيام، وسط استهجان كبير وسخطٍ عارم على الحال الذي وصلت إليه جامعة صنعاء، واستعراض قصصٍ لطالبات يروين كيف تعرضن للابتزاز والقمع والتضييق من قبل القائمين على هذا المسمى بـ"نادي الخريجين"، الذي يضع شروطًا تحدّد ضرورة إحضار الوثائق والملفات الخاصة بالطلاب وأعضاء اللجنة التحضيرية وأسماء الضيوف وميزانية الحفل وبرنامج الحفل.

لطالما كانت النساء عرضة للمضايقات والتمييز، وإحدى الحلقات الأكثر تهميشًا في اليمن. وتتخوف النساء وذويهن من الحديث عن المضايقات والانتهاكات التي يتعرضن لها؛ نتيجة الوصمة الاجتماعية التي غالبًا ما تُلقي باللوم عليهن

كما يتم اشتراط أن يكون مضمون الحفل وبرنامجه محافِظًا على ما يُطلقون عليه الهوية الإيمانية الأصلية والالتزام بالآداب والأخلاق في الملبس والسلوك وتوافق كل شيء مع المبادئ، وضمن إطار ما يسمونه "مواجهة العدوان".

يقول وزير الثقافة السابق خالد الرويشان: "نسيتم أنّ فرحة احتفال الطلبة وفعاليات التخرج تحضره عائلات وآباء وأمّهات وإخوة الخرّيجين المحتفلين والمحتفلات، بالمئات وربما الآلاف، ويتم تصوير وتوثيق كل ثانية في الحفل. تنشِئون مؤسسة لمراقبة احتفالات الخرّيجين بدلًا عن مؤسسة لتوظيفهم!".

ممارسات ضد الحريات

ويجري استهداف ممنهج للحريات الشخصية للمرأة في صنعاء ومختلف المناطق الواقعة تحت سيطرة أنصار الله (الحوثيين)، إذ رصدت منظماتٌ حقوقية عددًا من الممارسات ضد الحريات الشخصية للنساء التي تصل بعضها إلى حدِّ التأثير على فرص عملهن المحدودة أصلًا. 

وتقوم الجماعة بتعريض النساء للخطر، بمنعهن من الحصول على خدمات الصحة الإنجابية في بعض مناطق سيطرتها، وقيّدت، إلى حدٍّ كبير، سفرَ النساء بدون مَحْرَم، وأصدرت أكثر من تعميم يفرض رؤية نمطية لكيفية اللباس "الموافق للشريعة الإسلامية" للنساء. كما تقوم بمنع الاختلاط في أبحاث وحفلات تخرج عددٍ من الجامعات، ومنعت وطردت النساء من العمل، علاوة على أنّ عددًا من خطابات الجماعة، عبر منصاتٍ مختلفة، أشعلت نيران كراهية النساء في المناطق التي تحت نفوذها.

تقول رئيسة منظمة مواطنة لحقوق الإنسان، رضية المتوكل: "ما نُشِرَ مؤخرًا عمّا يسمى بـ"نادي الخريجين" في صنعاء، وكل تصرفاته التي تتعامل مع الطلاب والطالبات وكأنهم مجموعة من الضالين الذين يجب تأديبهم، حدَّ التحكم في ملابسهم وصورهم وكلماتهم، يمثّل صورةً مصغرة عن ممارسات يومية تقوم بها جماعة أنصار الله في مناطق سيطرتها ضد الحريات الشخصية وَفق ثقافة (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) المستوردة من إيران والسعودية".

تتابع: "أخبرني شخص قبل فترة كيف قامت مجموعة تابعة لأنصار الله باقتحام خيمة عرس بحُجّة أنه تجاوز الساعة الواحدة ليلًا، وتمزيق اللوحات وإيقافه بالقوة. حيثما تتقلص مساحات الفرح عند الناس، يستهدفوها ويزيدوا من خناقهم على شعب مخنوق بالأساس". 

وبالرغم من أنّ جماعة أنصار الله (الحوثيين) تلقي -أحيانًا- باللوم على "التصرفات الفردية" لعناصرها في الحوادث التي تستهدف النساء أو تقيد حقوقهن، إلا أنّ تواتر هذه الانتهاكات، وعدم اتخاذ خطوات قانونية بحق مرتكبيها، فضلًا عن اتساع القيود المفروضة في المناطق الخاضعة لسيطرتها، والتي يأتي بعضٌ منها كنتيجة لتوجيهات مُعلنة من خلال التعميمات أو التوجيهات، يعطي مؤشرًا خطيرًا بأنّ تلك الانتهاكات تأتي ضمن سياسة رسمية لجماعة أنصار الله (الحوثيين) في طريق قمعهم للحريات، وتحديدًا حين يتعلق الأمر بالنساء.

وفي الآونة الأخيرة، بدأ موضوع فرض المَحْرَم على موظفات الأمم المتحدة والمجتمع والمدني، ومن ثَمّ كل النساء في تزايد مستمر، وهذا بالمناسبة سابقةٌ خطيرة في اليمن، حيث لم يحدث أن قامت أي سلطة، كما تؤكّد المتوكل، بفرض إجراءات تقييدية لحركة النساء، وكان الأمر متروكًا لكل عائلة لتقرر كيف تتعامل مع بناتها.

وترى أنه بدون مقاومة من المجتمع لرفض هذه الممارسات ستتوسع ويتم تطبيعها، وسيخسر المجتمع، وبالذات النساء، كلَّ المكتسبات المتعلقة بالحريات الشخصية، والتي ناضلت اليمنيات واليمنيون من أجلها لسنوات طويلة.

بحسب كثيرٍ من التعليقات، فإنّ "نادي الخريجين" وممارساته المخزية ليس بالأمر الجديد -وفقًا لرئيسة منظمة مواطنة لحقوق الإنسان- ولكن الجديد هو إثارة هذا الموضوع بقوة على صفحات التواصل الاجتماعي: "لا أعرف من هي الدفعة الشجاعة التي رفضت السكوت وأثارت الموضوع، لكنّي أؤمن في كل الأحوال، بأنّ شبكات التواصل الاجتماعي تستطيع أن تُحدِث فرقًا إن استخدمها الناس لرفض التحكم في تفاصيل حياتهم وحرياتهم اليومية، وهذا الهامش القليل المتبقي للتنفس أو الفرح". وتشدّد على أنّ كلَّ حقٍّ هو أولوية، والمذنب هو من ترك مسؤولياته كسلطة أمر واقع تجاه الناس، وذهب ليلاحق النساء والناس في تفاصيل حياتهم اليومية.

ابتزاز وتضييق

لطالما كانت النساء عرضة للمضايقات والتمييز، وإحدى الحلقات الأكثر تهميشًا في اليمن. وتتخوف النساء وذويهن من الحديث عن المضايقات والانتهاكات التي يتعرضن لها؛ نتيجة الوصمة الاجتماعية التي غالبًا ما تُلقي باللوم عليهن.

أصيل سارية، كتب في هذا الخصوص في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: "تخيلوا أنّ سلطات صنعاء أنشأت "نادي الخريجين" في زمن الحرب والمعارك للتضييق على الطلاب وتخريب فرحتهم بالتخرج بعد سنوات الدارسة وقمع الطلاب في الجامعات، ماذا لو استقرت الأمور؛ كيف ستكون حياة الناس، وكيف ستكون الرقابة عليهم وعلى تصرفاتهم؟!". يضيف: "استمرار نادي الخريجين يعني أنّ سلطات صنعاء لا تحترم الشعب اليمني ولا تحترم كرامتهم التي أهانها النادي والمسؤولين عليه".

ناهد ياسين، كتبت على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، بما أنّ موضوع نادي الخريجين قد انفتح -كما قالت- فقد تطرقت لتفاصيل ما يحدث في جامعة صنعاء من ممارسات بعد أن حضروا حفل شخص قريب لهم: "يأخذون من كل طالب رسومًا، غير الدعم الذي حصلوا عليه، لو نحسبها، تطلع أكثر من 10 ملايين ريال، إلى جانب المنع عند الباب من دخول الحاضرين للحفل، بحجج واهية". 

يقوم ما يسمى "نادي الخريجين" بتحصيل أموال طائلة من المعلنين والرعاة، بالإضافة إلى فرض رسوم خيالية على كل طالب، بينما لا يُقدِّم أيّ شيء للطلاب، فقط يفسد عليهم الفرحة بكل بساطة

هذا أيضًا ما كتبته ناهد: "عند الباب، تقوم لجنة التنظيم (المجردة من الأخلاق تمامًا) بسحب "البخاخات" من يدنا، ويقولون: ممنوع، وتتم مصادرة أكثر من 300 علبة تم جلبها من قبلهم (يقومون ببيعها بعد الحفل)".

تتابع: "كانوا فاتحين بابًا لطلوع النساء إلى الدور الثاني للقاعة، في مكان لا يكفي لأكثر من (30) ثلاثين شخصًا. تخيلوا كم كان هناك نساء وأطفال في هذا المكان الصغير. أقسم بالله تموت؛ لا أكسجين ولا تتنفس ولا تعيش، فقمت لأخرج هربًا من هذا كله، لأني حرفيًّا انخنقت ولا حتى كنت قادرة أشوف أنه حفل تخرج أصلًا، يبادروك: ممنوع، ممنوع تخرجوا لأن هناك رجال بالحوش، وممنوع نخرج من الحوش لأن هناك رجال في الخارج، والباب مقفل، وممنوع نفعل خطوة. فقد أخذوا المبالغ التي جمعوها من كل التخصصات، بالإضافة إلى الدعم".

طلاب خمسة تخصصات استأجروا وخسروا على القاعة والحفل نحو 500 ألف ريال ليجدوا كل هذه الممارسات القمعية؛ منع بحجة الاختلاط، الاعتداء على النساء كما حصل مع ناهد التي أرادت الخروج وتعرضت للمنع.

من جانبه، يروي مبارك اليوسفي: "أنا قبل أيام رحت حفل تخرج، دخلت القاعة جلست ربع ساعة فقط وخرجت، أقسم بالله جالي اكتئاب، أولًا تم استبدال الأمنيين بأشخاص بزي عسكري وسلاح. منظر مخيف كأنك في عرض عسكري، ثاني شيء طبعًا ممنوع الأغاني بشكل كامل، ممنوع الابتسامة من قبل الخريجين لأنه الابتسامة مثيرة، كان الحزن على ملامح الخريجين، وكأنك في عزاء مش حفل تخرج".

يضيف مبارك: "الملفت أني وجدت شخصًا أعرفه من أيام الكلية، كان مسؤول حاجة اسمها ملتقى الطالب الجامعي لا أتذكر اسمه، لكن شكله قبيح إلى حدٍّ ما، كان عمل هذا الشخص أنه يصدر توجيهات للطالبات بكيفية المشي والخروج إلى المنصة، ويمنع أي طالبة من الخروج لأي سبب، كذا فقط مزاج متخلف. المهم، كان هناك كمية إعلانات كبيرة جدًّا في الحفل، هذا يعني أنه كان هناك دعم مالي كبير من قبل المعلمين، تفاجأت فيما بعد أن نادي الخريجين المشرف على هذا الحفل أخذ من كل طالب حوالي 35 ألف ريال، ولم يقدم في الحفل أي شيء، ولا أي فقرات، حتى الضيافة التي وُزعت على الحضور، اقتصرت على علبة ماء وحبة كيك لا تكلف سوى 50 ريالًا فقط".

يقوم ما يسمى "نادي الخريجين" بتحصيل أموالٍ طائلة من المعلنين والرعاة، بالإضافة إلى فرض رسوم خيالية على كل طالب، بينما لا يقدم أي شيء للطلاب، فقط يفسد عليهم الفرحة بكل بساطة، ويسرقهم، كما يقول مبارك. فضلًا عمّا يمارسه هؤلاء مع الطالبات، إذ يتم انتهاك خصوصيتهن تحت ادعاء الشرف والهوية الإيمانية.

يقول أسامة الشهاري، متعهد حفلات، إنه بسبب "نادي الخريجين" تم إغلاق باب للرزق كان هو وعمال يعتاشون منه، مضيفًا: "في 2020، كنت مخططًا لحفلٍ مميز أتوج فيه الاحتفالات السابقة، وبسبب النادي عملناه في قاعة النخبة، وأرغمونا بالتوقيع على شروطهم، وبعد الالتزام والأخذ بشروطهم الخالية من الإبداع، تعرضنا لأنواع كثيرة من الابتزاز الأخلاقي طوال ساعات الحفل، وكل لحظة يعملوا ملاحظات ويغيروا حاجة في الحفل، وكان حفلًا سيئًا، خسرت فيه ثقة الخريجين والفريق". ومن وقتها، يؤكّد الشهاري، أنّه توقف عن تنسيق فعاليات التخرج لطلاب البكالوريوس وانقطع باب للعمل، مع حقد كبير على الجهل الحاصل، وحزنٍ على التخلف الذي وصلنا إليه، حدَّ تعبيره.

الفارق بين اليوم والأمس

لمعرفة الفارق الشاسع بين نادي الخرجين اليوم والأمس، نضع هنا ما يرويه سلطان أحمد زيد، في كتاب "محطات من تاريخ حركة اليسار في اليمن؛ تجربة شخصية":

«منذ بَدء عملي في المعهد، كان يستغرقنا همّ النهوض بتطوير العمل المهني في المعهد، والارتقاء بأدائه إلى مستوى المؤسسة العلمية والأكاديمية، مساهمةً في تحقيق أهداف الحاضر والاقتراب من آفاق المستقبل، خاصةً وقد منحنا عاملُ السفر إلى الخارج فرصةً للتعرف مباشرةً وبالملاحظة العيانية على حجم التطور والتقدم الهائل الذي حققته شعوب العالم لنفسها في مختلف الاتجاهات، مطالبين ذواتنا بواجب العمل لإنجاز شيءٍ ما إيجابي يحقّق فارقًا في واقعنا الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي والاجتماعي، واقعين تحت تأثير مقولة "علينا أن نتغير، ومن لا يتقدم يتخلف".

هكذا بدأنا نفكر من موقع تشكل الوعي بطبيعة العلاقة بين المعيشي والسياسي، بين الخبز والفنّ، بين العمل والغذاء، بين الإدارة والتنمية، وكانت التجربة الناجحة للخريجين السودانيين -المتشابهة ظروف واقعهم السياسي والاجتماعي مع ظروف واقعنا- في هذا المجال ماثلة لدينا، زيادة على ذلك، بأنّ المنطق يمنحنا الحقَّ في الحركة والتوجه إلى حقل العمل المدني والنقابي، من أجل تحسين ظروف حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، وفي أن يكون لنا دورٌ إيجابيّ في إحياء التراث الوطني والاستفادة من خبرات وتجارب الشعوب، من أجل تحررها من نَير وهيمنة الاستعمار والإمبريالية والصهيونية.

تحت تأثير وهج هذه الأفكار، بادرنا بصياغة مقترح لتأسيس اتحاد للخرجين ينزع إلى تَبيئةِ روح تلك الأفكار وتحويلها إلى معانٍ مُعاشة وملاحَظة على أرض الواقع. وبروح مُشرئبّة بالفرحة -كما يُقال- حَثَّت اللجنة التحضيرية خطاها وأعدَّتْ مشروعَ الأهداف والنظام الداخلي وقوائم التسجيل وتحديد جهات وطريقة جمع التبرعات والدعم غير المشروط من التجار.

ولأنّ النظام يحرص على إشاعة ثقافة الخوف، كان هناك ممّن ينتابهم الخوف من المشاركة؛ البعض لديه خوف من خوض التجربة، والبعض يخشى الاعتقال للمرة الثانية، وآخرون ملتزمون بتوجيهات وتعليمات العمل السري، إزاء هذا المُشكل المستفحل في الرؤوس والنفوس، كان لزامًا علينا أن ندير حوارات ومناقشات وسجالات ثقافية وسياسية ونفسية وفنية وفكرية باتجاه استعادة الثقة لذواتهم المستلبة، وبالعمل السياسي تمسكًا بالحقوق المدنية والوطنية، التي منحتها إياهم الثورة والجمهورية، فنجح الأمر وارتفعت المعنويات وزادت درجة الحفز، وتأهّب للحضور من المحافظات أكثرُ من (200) خريج.

امتدت عناصر تأثير العمل المدني لنادي الخريجين على صعيد الواقع، بحسٍّ لا يخلو من مفاعيل السياسة، فحيثما يوجد الخريجون يوجد النادي في تعز والحُديدة، في هذه الأخيرة أخذتنا المرونة، حيث أنشأنا فرعًا مقابل الموافقة على انضمام "علي صابونة"، وهو أحد الجباة البارزين لأموال المحافظة، إلى عضوية النادي حسب شرط المحافظ سنان أبو لحوم، الذي عرفنا حينها كيف كان يقوم بالاستيلاء على مقدرات تلك المحافظة من ألفها إلى يائها، وبشكل مطلق لا ينافسه شخصٌ آخر في ذلك الزمان.

كان لنادي الخريجين موقفٌ من قضية سياسة "خِصاء" المؤهلات والشهادات العلمية "البكالوريوس، والماجستير، والدكتوراة" والتخصصات الفنية التي يحملها الخريجون من جامعات ومعاهد البلدان الاشتراكية، وقد أخذت حينها ما يسمى بـ"لجنة المعادلات" التابعة لوزارة التربية والتعليم، وتحت مسؤولية وإشراف رموز أصولية متشددة كـ"الصباحي، وعبدالمجيد الزنداني". بشجاعة نادرة ناهضَ نادي الخريجين هذا النوعَ من المصادرة والانتقاص بجهالة من المعايير العلمية، فيما اعتبر ذلك نهجًا وتنكيلًا بدائيًّا "قروسطيًّا" للمعايير الأكاديمية، واضعًا ممثّل منظمة "اليونسكو" في اليمن، في صدارة الدفاع عن هذه القضية المهمة، إلى أن تم تعليق ومن ثَمّ إبطال وظيفة هذه اللجنة "العوار".

ولأنّ الأمن والاستقرار والكفّ عن الحروب والثارات والعنف حاجات موضوعية لا غنى عنها لبناء اليمن الجديد، عَرفَ "نادي الخريجين" الطريقَ المؤدّية إلى تجسيد معاني تلك الاحتياجات، فأحيا النادي روح مجلس السلم والتضامن اليمني بوهج ونبض مؤسسه الأول "عبدالغني علي" 1969م، عملية الإحياء هذه كانت برئاسة "حسن مكي"، ونائبه "أحمد الرحومي"، والسلطانين "زيد والقرشي، لشؤون السلم والتضامن"، ولتجسير دلالة هذا الإحياء تم دعم المجلس بشخصيات اعتبارية كـ"الشيخ الصبري، والسياغي، وزيد دماج، وعبدالحفيظ بهران".

تحرك الحلم، ربحنا العمل، على الأرجح كسرنا الصمت، والأهم من ذلك هو أننا تعلمنا كيف نبادر فأصبح لدينا قناعة بأن نفعل شيئًا أفضل من ألَّا نفعل شيئًا أبدًا. 

أصبح التكوينان المدنيان: "نادي الخريجين" و"مجلس السلم"، في هذه المرحلة التاريخية في قمة فعاليتهما في تأسيس وإطلاق نقابات – محاضرات – ندوات – فعاليات شعرية، ثقافية، سياسية، اقتصادية، تاريخية، فنية، فيما كان مفتوحًا عن الغلاء، البطالة، العلاقات الخارجية، التعليم، التنمية، والصراعات العالمية...إلخ. يحضرها المثقفون والسياسيون وطلاب وأساتذة الجامعات ورجال الفكر والأدب "البردّوني، والعيني، ومكي، والدكتور رجل الاقتصاد والشاعر الغنائي سعيد الشيباني"، فيحضر النقاش والأسئلة والمداخلات والتعقيبات المثيرة للجدل».

•••
خيوط

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English