لم تثنِ الحرب رغبة اليمنيين في التمسك بخيار الحياة وتجاوز فكرة الموت في صورة تجسد حالة من تحدي الواقع والتغلب عليه، وكما هو حال السكان في كل المحافظات، إذ يقومون من وسط الغبار لغرس شجرة أو بناء منزل أو شق طريق، دأب أهالي مديرية "جبن" بمحافظة الضالع (وسط اليمن) على إصلاح طرقاتهم في عدة قرى ضمن إطار تعاونيات يمكن اعتبارها من أبرز المبادرات المجتمعية في البلاد، وذلك لما جسّدته من مخرجات منشودة لدى سكان المديرية. 

يصف أصيل المنصوب (31 عامًا)، وهو أحد مواطني مديرية "جبن"، المشاريعَ الأهلية التي شهدتها منطقته بـ"العملاقة"، ويقول لـ"خيوط": "أهالي جبن يشعرون بالفخر تجاه هذه المنجزات، وهي دليل اجتماع التكافل والوعي، ولولا تحلي الناس بهذه الصفات ما تفردت المديرية بمخرجات مشرفة أثمرت واستفاد منها الجميع".

11 مبادرة

وفقًا لرؤساء اللجان المجتمعية التي تم تشكيلها في قرى ومناطق متعددة بمديرية "جبن" لغرض إنشاء مشاريع الطرقات والإشراف على جمع المساهمات والتبرعات من المواطنين المزارعين والمغتربين على حد سواء، فإنّ عدد مبادرات الشق والسفلتة ورص الطرقات وصلت إلى 11 مبادرة، وهي على النحو الآتي:

شق وسفلتة طريق "الخضيرية" بمنطقة "حجاج" بطول 13 كم، وبتكلفة مليار و700 مليون ريال يمني. شق وسفلتة طريق "الأحرم حجاج" بطول 3.40 كم، وبتكلفة 400 مليون ريال يمني. شق وسفلتة طريق "الأودية السفلى" بطول 7 كم، وبتكلفة 227 مليون ريال يمني. رصف طريق "موث" - "الأودية العليا" بطول 3 كم، وبتكلفة 90 مليون ريال يمني. رصف طريق "الرزايم" في "نعوة" بطول 1.5 كم، بتكلفة 31 مليون ريال يمني. شق وسفلتة طريق "الأودية العليا" في منطقتي "عزان" و"ذلحاس" بطول 4 كم، وبتكلفة 305 ملايين ريال يمني. شق وسفلتة طريق "الجلب" في "حجاج الشرقية" بطول 3.3 كم، وبتكلفة 184 مليون ريال يمني. شق وسفلتة طريق "العقبة" في "دار الحاج" بطول 2 كم، وبتكلفة 200 مليون ريال يمني. صيانة وترميم الطريق العام بين مديريتي "دمت" و"جبن" بتكلفة 551 مليون ريال يمني. رصف طريق "حبابة" في "الربيعتين" بتكلفة 10 ملايين ريال يمني. رصف طريق قرية "أبو علي" في "الربيعتين" بتكلفة 30 مليون ريال يمني.

صار التنقل سهلًا

بملامح باسمة، عبَّر ماجد الحجاجي (43 عامًا)، وهو أحد ساكني قرية "محرم حجاج" وسائق سيارة بمديرية "جبن"، التي شهدت شق وسفلتة الطريق إليها، عن سعادته، إذ تحدث إلى "خيوط" قائلًا: "أصبح التنقل من قريتنا إلى مدينتي "جبن" و"دمت" سهلًا؛ وذلك بسبب الطريق الأسفلتي، أما فيما مضى فكنّا نستغرق وقتًا أطول في الطريق الترابي الوعر، وتتهالك سياراتنا". ويضيف الحجاجي: "بتكاتف الجميع حقّقنا ما كان مستحيلًا، والآن ننعم بسهولة الطريق وسرعة الوصول".

قديمًا وحديثًا غابت الدولة بمشاريعها الخدمية، وإن كان لها من حضور فهو باهت وغير كافٍ، ولذا حضر المجتمع بمبادراته ليحل محلها ويفعل ما هو واجبها، إذ نشهد حراكًا واسعًا خلقته التعاونيات وعلى إثره التمس الناس أسبابًا للعيش وتسهلت تنقلاتهم ومعيشتهم؛ الأمر الذي جعل للحياة معنى في حين كادت تتلاشى معانيها جراء حرب أتعبت أتونها الجميع. 

أحد فقراء المنطقة قدَّم عجلًا كدعم لمشروع الطريق، وهو الأمر الذي دفع المواطنين لبيع ذلك العجل في المزاد، وقد وصلت قيمته إلى خمسة ملايين ريال يمني ذهبت إلى صندوق المشروع.

تنعكس المبادرات المجتمعية إيجابيًّا على دعم الترابط المجتمعي، وتجذر العلاقات الإنسانية وتشابكها، حيث يرى صلاح الحقب، وهو باحث اجتماعي، في حديثه لـ"خيوط"، قائلًا: "إنّ المبادرات المجتمعية التي تفضي إلى إصلاحات في شتى مجالات الحياة من طرق وغيرها، تخلق جوًّا تنافسيًّا في تطوير التنمية على مستوى القرى والمناطق المتقاربة وعلى مستوى الجمهورية". ويضيف الحقب: "تتسبّب الحروب عادة في تراخي العلاقات المجتمعية نتيجة الفقر والعوز، ومجيء المبادرات المجتمعية أمر يقضي على الانهيار الأخلاقي أو يقلصه في أسوأ الأحوال".

مزاد العجل والقلم

يفيد علي الشعيبي، وهو شخصية اجتماعية في منطقة "حجاج" بمديرية "جبن"، لـ"خيوط"، بالقول: "ترأست لجنة مجتمعية لشق وسفلتة طريق "الخضيرية"، وكلفت مليارًا و700 مليون ريال يمني بمسافة 13 كم. ويضيف الشعيبي: "دفعتنا المعاناة جراء وعورة الطريق الترابية للقيام بعمل هذا المشروع، ومن خلال اللجنة التي شُكّلت، جمعنا التبرعات والمساهمات المجتمعية، وهي من المزارعين والمغتربين من أهالي المنطقة، إذ تعاون الجميع، وتم إنجاز المشروع بشكل كلي ويستفيد منه الناس، وهكذا فعلت اللجان المجتمعية التي تشكّلت بكل المناطق المختلفة من مديريتنا".

خلق التنافس في العطاء لخدمة المشاريع في "جبن"، قصصًا يرويها الأهالي بشيء من الإعجاب والفخر، وبحسب علي الشعيبي، وهو الذي ترأس لجنة مجتمعية لإنشاء إحدى الطرق في المديرية، فقد قدم أحد فقراء المنطقة عجلًا كدعم لمشروع الطريق، وهو الأمر الذي دفع المواطنين لبيع ذلك العجل في المزاد، وقد وصلت قيمته إلى خمسة ملايين ريال يمني ذهبت إلى صندوق المشروع. وقدم قاضٍ قلمه هدية للقائمين على المشروع، فتم بيعه في مزاد أيضًا بقيمة ثلاثة ملايين ونصف المليون ريال يمني، وذهبت لصالح إنشاء الطريق أيضًا.