تصف جميلة عبدالله (26 سنة)، أيامها بعد التخرج من الثانوية بالكابوس، نتيجة انعدام التخصص الذي ترغب في دراسته في مدينة رداع بمحافظة البيضاء (وسط اليمن).
تقول جميلة لـ"خيوط"، إنها أُجبرت في البداية على دراسة الرياضيات في كلية التربية بجامعة البيضاء، لكنها أصرت على تحقيق حلمها وبذل مجهود شاق لإقناع أسرتها بفكرة السفر إلى العاصمة صنعاء للالتحاق بكلية إعلام خاصة هناك.
تضيف: "من حسن حظي أني أنتمي إلى أسرة متفهمة بعض الشيء، وهو ما سهل لي فكرة السفر حال موافقتهم، وهذا لا يعني أني توقفت عن المعاناة التي لاقيتها في تفاصيل السكن والاستقرار في صنعاء، كوني فتاة في مجتمع ينظر إليَّ على أني عورة".
مخاوف جميلة، ارتسمت في وجهها، وهي تسرد تفاصيل انتقالها من البيضاء إلى صنعاء، والذي يعتبر بالنسبة لها بمثابة تحقيق انتصار كبير كافحت كثيرًا لتحقيقه؛ إذ تؤكد أنه ليس من السهل أن تنجو امرأة وتحقق أحلامها وطموحها في مجتمع لا يراها سوى ربة منزل أو عورة.
ما بين الانتصار والفشل
أقنعت أسرتها لتحقيق هدفها في مواصلة التعليم، وكان شرطهم عليها أن تدرس بنظام الانتساب عن بعد، في حين ضاعفت من جهدها لإقناعهم لاحقًا على مسألة البقاء في صنعاء والحضور للدراسة في الجامعة، رغم معاناتها في توفير السكن وتكاليفه المادية.
يؤكد محمد النقيب، وهو باحث اجتماعي من محافظة البيضاء، أن أسباب حرمان الفتاة من التعليم الجامعي لا تتمثل في انعدام التخصصات الجامعية فحسب، بل هناك أسباب أخرى، وفق حديثه، تتعلق بالعادات والتقاليد المجتمعية، خاصة في أرياف المحافظة، التي يعد فيها المجتمع شديد التحفظ تجاه المرأة
وتقع محافظة البيضاء في الجنوب الشرقي للعاصمة صنعاء، وتبعد عنها حوالي (268) كم، وعدد مديرياتها (20)، فيما تبلغ مساحتها حوالي (9314) كم2، ويصل عدد سكانها، وفقًا لنتائج التعداد للمساكن والسكان والمنشآت لعام 2004، (5770369)، وينمو السكان سنويًّا بمعدل (2.39%).
بدورها، لم تستطع أشجان محمد (29 سنة) [اسم مستعار]، من تحقيق أمنيتها في دراسة المختبرات، لعدم وجود تخصص في جامعة البيضاء الحكومية وفروع الجامعات الخاصة؛ لذا اضطرت لقبول عرض الزواج مكرهة كحل بديل بعد استحالة تحقيق حلمها في مواصلة تعليمها الجامعي.
تقول أشجان لـ"خيوط"، إن اصطدام أحلام الفتيات في التعليم الجامعي بهذا الوضع التعليمي المتردي في المحافظة منذ سنوات، أمر مؤلم لعدم قدرتهن على تحقيق أحلامهن في الحياة، كما كان الحال بالنسبة لها في عدم قدرتها على دراسة التخصص الذي تحلم به في ارتياد كلية الطب.
وتغافلت السلطات الحكومية عن توفير أقسام وكليات أخرى تلبي رغبات الدارسين في محافظة تعاني من الإقصاء والتهميش، على الرغم من زيادة النمو السكاني وزيادة نسبة الأمية في أوساط نساء البيضاء.
الكفاح من أجل التعليم
قبل العام 2008، كانت كلية واحدة هي كلية التربية، وتتبع جامعة ذمار، وحدَها الموجودة في محافظة البيضاء. لكن خلال العام ذاته، تأسست جامعة البيضاء، وهي جامعة حكومية جاءت بعد مطالبات حثيثة من الأهالي بهدف رفع المستوى العلمي والثقافي والفكري لأبناء المحافظة، وتشمل أقسامًا محدودة؛ منها كلية التربية وكلية العلوم الإدارية، وهو الأمر الذي شكّل عائقًا، خاصة أمام فتيات المحافظة اللاتي يرغبن في دراسة تخصصات تنعدم في جامعة المحافظة؛ ما يقودهن إلى ترك التعليم الجامعي لصعوبات مجتمعية ومادية تمكنهن من المواصلة في محافظات ومدن أخرى كالعاصمة صنعاء.
حكاية خلود علي (30 سنة)، واحدة من القصص التي غيبها التعقيد والانغلاق الاجتماعي في محافظة البيضاء. تسرد خلود حكايتها بألم لـ"خيوط"، بالقول: "تخرجت من الثانوية العامة القسم العلمي في العام 2010، بمعدل مرتفع جدًّا 95%، وكانت قدراتي العلمية في الرياضيات والفيزياء بارزة، وكنت أنوي دراسة قسم الهندسة، لكنني فوجئت برفض قاطع من الأسرة حول فكرة السفر إلى ذمار للالتحاق بكلية الهندسة هناك. تضيف خلود بحسرة: "قال أبي لو أن جامعة البيضاء وفرت كلية للهندسة، لسمح لي بمواصلة التعليم، لكن حظّي لم يكتمل في الحياة، وحالي هو حال آلاف الفتيات في عموم مديريات المحافظة".
ويتساءل حميد صالح (48 سنة)، وهو رب أسرة بمدينة رداع التابعة لمحافظة البيضاء، عن الفائدة من تعليم البنات، ويواصل حديثه لـ"خيوط"، بأن التعليم للأولاد أهمّ؛ فهم من يحملون اسم العائلة، ومن سيعملون في مجالات الحياة لاحقًا، أما النساء -كما يقول- فـ"الزواج مصيرهن، أفضل من التعليم الذي فيه الاختلاط والتواصل مع الشباب".
هذه هي نظرة كثير من أبناء المجتمع في اليمن، خصوصًا في المناطق النائية والريفية التي تحوي نسبة كبيرة من سكان الجمهورية.
في السياق، يؤكد محمد النقيب، وهو باحث اجتماعي من محافظة البيضاء، أن أسباب حرمان الفتاة من التعليم الجامعي لا تتمثل في انعدام التخصصات الجامعية فحسب، بل هناك أسباب أخرى وفق حديثه، تتعلق بالعادات والتقاليد المجتمعية، خاصة في أرياف المحافظة، والذي يعد فيه المجتمع شديد التحفظ تجاه المرأة.
ويوضح لـ"خيوط"، أن ما يزيد منعهم لدراستها هو أن معظم الجامعات اليمنية، حكومية وأهلية، تكون فيها الدراسة مختلطة، وهناك كذلك بحسب هذا الباحث الاجتماعي، أسباب تتعلق بعادات أخرى لا ترى المرأة إلا في "بيت زوجها أو قبرها"، كما يشيع هذا التصور بمناطق مختلفة من اليمن.
ويشدد النقيب على ضرورة تغيير النظرة النمطية في المجتمع تجاه المرأة، واستيعاب أهمية دورها في المشاركة الفاعلة في كل مجالات الحياة، السياسية والاجتماعية والفكرية والعلمية.
وضاعفت الحرب الدائرة في اليمن منذ نحو ست سنوات، من معاناة المرأة اليمنية، وأسهمت بشكل واضح في تدني مستواها التعليمي، حيث أصبح حلم ملايين النساء أن يواصلن التعليم وسط ظروف صعبة، وعقبات وتحديات عديدة، وعوائق العادات والتقاليد المجتمعية الصعبة، وتردي الوضع المادي والمعيشي، وهو ما يفضي بالمحصلة إلى هذه النظرة التي تقصي النساء وتقلل من دورهن وإمكانياتهن، في مجتمع يرى بأن الذكر هو البطل والقائم على تبعات الحياة.