في حادثة انفجار هي الثانية من نوعها في مناطق سيطرة أنصار الله (الحوثيين)، تفاجأ سكان منطقة الحوبان- شرق مدينة تعز، بدوي انفجار لمحطة تعبئة غاز على الشارع الرئيسي.

  وفي حين جرى الحديث عن سقوط قتلى وجرحى بسبب الانفجار، أفادت مصادر محلية في المنطقة بأن مواطنين اثنين أصيبا إصابات بالغة جراء الانفجار الذي خلّف دماراً كبيراً في محيطه، وخسائر مادية فادحة في المحلات المجاورة.

  في حديثه لـ"خيوط" يقول المواطن عبدالحكيم محمد، إن محطة 22 مايو التي انفجرت، تابعة لأحد تجار السوق السوداء، وهو أيضاً وكيل للغاز في الحوبان؛ لكنه مثل غيره من التجار الذين يحتكرون الغاز، ويتلاعبون بسعر بيعه.

  ويضيف أن تجار الغاز الجدد يشترون عدداً كبيراً من الأسطوانات المخصصة للمنطقة بسعر خمسة آلاف ريال للأسطوانة الواحدة، ويفرغونها إلى صهاريج كبيرة خاصة بالمحطات، ثم يبيعون الأسطوانة بسعر 12 ألف ريال، على المواطنين وسائقي الباصات، في واحد من مظاهر السوق السوداء التي لم يعد تجارها يخشون أي سلطة ما داموا يدفعون لها المال.

  ويقول أسامة، وهو أحد سكان منطقة الحوبان لـ"خيوط": "تنتشر محطات الغاز بشكل عشوائي، خاصة في ظل عدم وجود الرقابة، فالكثير من المحطات تتواجد في الشارع الرئيسي ووسط الأحياء السكنية". ويضيف: "الوضع لا يقل خطورة عنه داخل المدينة، فالتجار وأصحاب المحطات يبيعون الأسطوانة بـ12 ألف ريال (20$)، وأحيانا تزيد إلى 14 ألف ريال. هذا الوضع دفع بعض التجار لإضافة الغاز إلى تجارتهم فأنشأوا محطات عشوائية".

مصادر محلية في الحوبان أفادت بأن انفجار محطة تعبئة الغاز كان سببه قيام أحد عمّال المحطة بتدفئة أحد صهاريجها الذي تجمّد في الغاز لكي يفرغ محتوى الصهريج بالكامل، أي أن الصهريج لم يكن ممتلئاً بالغاز، وهو ما خفف من حجم الخسائر البشرية والمادية بحسب المصادر. 

محطات الموت في كل مكان 

 لا يقتصر انتشار محطات تعبئة الغاز العشوائية على مناطق سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، ففي مدينة تعز، الواقعة ضمن مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، تنتشر محطات الموت هذه في الشوارع الرئيسية والأحياء السكنية. 

  يقول مشير بجاش، وهو أحد سكان مدينة تعز: "نعيش في خطر بالقرب من محطة الموت". كان الخوف واضحاً على ملامح مشير حين التقته "خيوط" مساء الأول من مايو/ أيار 2021، أمام محطة الغاز الواقعة في منطقة "الحَصِب"، غرب مدينة تعز.

عامل في إحدى المحطات بمدينة تعز: البلاد حرب، وتحترق كلها بلا أدوات سلامة، فما بالك نحن العمال، عمّنا (مالك المحطة) لا تهمه سلامتنا

وبنبرة أشد خوفاً أضاف بجاش: "محطة غاز، وبجوارها ورشة حديد، هذا ما يرعبنا. المكان أكبر من أن نسمّيه خطراً". تظهر الصورة ما يصفه مشير، حيث أصبح المكان أكثر رهبة وخوفاً، خصوصاً أنه يجمع بين النار والغاز القابل للاشتعال. يتابع: "ما يخيفنا هو أن أي حريق قد يشبّ في المحطة، لا سمح الله، سيحرق الحي بكامله؛ المحلات، المنازل وبداخلها أولادنا وأُسرنا".

  هكذا أصبحت محطات الغاز العشوائية مصدر خوف ورعب لكثير من المواطنين في المدينة، التي اتسعت فيها عمليات الاستثمار والتجارة خلال العامين الأخيرين من الحرب التي نقلت كثير من الناس إلى رصيف البطالة. وبالرغم من ذلك، سارع نخبة من فئة التجار والمستثمرين نحو افتتاح محطات لتعبئة الغاز المنزلي والمُتاجرة به، بل والتلاعب بأسعاره وجني مبالغ طائلة.

  وأنت تمر في شوارع مدينة تعز، لا تكاد تقطع مسافة 30 متراً، وربما أقل، إلاّ وتجد محطة لبيع الغاز، وأحياناً للبترول. ليس في الشوارع الرئيسية فحسب، بل ازداد انتشارها توسعاً باتجاه الأحياء السكنية بصورة عشوائية، ودون توخي أية محاذير من أجل السلامة.

في الشارع الواحد تجد المحطات على يمينك وعلى يسارك، ففي شارع الحَصِب، وهو امتداد لشارع جمال عبدالناصر نحو غرب المدينة، هناك ما يقارب خمس محطات للغاز تعمل بشكل مُستمر، ناهيك عن غيره من الشوارع في وسط المدينة ومنها شارع جمال، التحرير، و26 سبتمبر. محطات يصل عددها قرابة 30 محطة، وجميعها منتشرة بشكل عشوائي جوار محلات تجارية ومنازل آهلة بالسكان.

  بلا تصاريح رسمية أو تراخيص مُعتمدة، تعمل أغلب هذه المحطات، ويستغل ملاكها بذلك فرصة استمرار الحرب التي تمر بها البلاد. وحين تقترب من إحدى المحطات لتسأل عن التراخيص والأوراق التي تسمح بمزاولة المهنة، تتفاجأ برد أحد العمّال عليك: "المحطات كلها تشتغل بلا تصاريح، الدنيا حرب".

قصة محطة مأساوية

"محطة اللُّجَينات للغاز المُسال"، هكذا كانت تسمى قبل أن تحل الكارثة. ففي منتصف العام 2020، شبّ حريق مفاجئ في المحطة غير المرخّص لها رسمياً، ما تسبب في إصابة العاملين بحروق بالغة، وتشوهات متفرقة في أجسادهم، كما تعرض عدد من المدنيين المارين بالقرب منها لإصابات خفيفة، بالإضافة إلى تضرر عدد من المحلات والمنازل المجاورة.

  تبدو المحطة في الصورة التي التقطتها عدسة "خيوط" على رصيف الشارع مغلقة وعليها آثار الحريق. يقول طاهر محمد، أحد سكّان الحي: "تسرب قليل من الغاز أثناء التعبئة إلى جوار مولد الكهرباء القريب من المحطة، فلمعت شرارة أعقبها حريق هائل. كانت ألسنة اللهب تتصاعد عالياً والناس يهربون، ومنهم من كان يجري هارباً والنار مشتعلة في ظهره". وبينما يصف طاهر إصابة عمال المحطة وبعض المواطنين بحروق بالغة، يؤكد أن الحريق طال محلّه المجاور للمحطة، وأنه رمّم المحل على نفقته الخاصة. "لولا تعاون أهالي الحي في إخماد الحريق، لكانت البيوت والمحلات كلها احترقت." يضيف طاهر.

لم تكن محطة "اللُّجينات" هي الوحيد في مدينة تعز التي حدث فيها تسرب للغاز أو عطل مفاجئ وتعرضت للحريق، فهناك حوادث مماثلة حدثت في محطات أخرى في نطاق المدينة. ومن ذلك احتراق محطة لتعبئة الغاز بالقرب من مبنى الجوازات في حيّ "صِينَة"- جنوب غرب المدينة، على إثر سقوط قذيفة أفاد سكّان في الحيّ بأن مصدرها قوات جماعة أنصار الله (الحوثيين). 

غاز بلا وسائل سلامة

  لا توجد في محطات الغاز المنتشرة في مدينة تعز أدنى عوامل السلامة، بما في ذلك وسائل الإطفاء؛ فقط، عامل وحيد، وقد يكون طفلاً أحياناً، ومن حوله السيارات والباصات والناس، وعلى مضخة التعبئة صفيحة "زنج" ربما لحمايتها من أشعة الشمس. وخلف المضخة بأمتار يوجد الخزان الكبير ممتلئ بالغاز، الخطر الأكبر. 

ربما لم يدرك عاملو المحطات خطورة المكان الذي يعملون فيه، وفوق هذا لا يملكون أية وسائل لحماية أنفسهم، والأرجح أنهم لا يكترثون لذلك. سألنا أحد العاملين عن سبب عدم توفير أدوات السلامة، وكان رده ساخراً: "البلاد حرب، وتحترق كلها، بلا أدوات سلامة، فما بالك نحن العمال، عمّنا (مالك المحطة) لا تهمه سلامتنا".

مسؤول في شركة الغاز بتعز: صدرت العديد من الأوامر والقرارات بإغلاق محطات الغاز العشوائية، لكنها تعود إلى العمل، وهذا يعود إلى عدم حسم السلطة تجاههم، والحل لهذه المحطات يكمن في إنهاء أزمة الغاز

  "ممنوع التدخين" هي العبارة التحذيرية الوحيدة التي توجد في هذا المكان الخَطِرْ، المكان الذي يخلو من وسائل الحماية وأدوات السلامة كافة. وبهذا تصبح المحطات المنتشرة وسط الأحياء السكنية مصدر قلق وخوف كبيرين تهدد حياة الكثيرين من سكان المدينة.

  يقول شهاب أحمد، وهو أحد سكان المدينة في حديث لـ"خيوط": "محطات الغاز المتواجدة في الحارات والأحياء السكنية هي مشاريع للموت، لا لتقديم الخدمات. إذا حدث انفجار- لا سمح الله- في إحدى المحطات، فإن الحريق سيصل إلى المتاجر والمنازل القريبة، وسيؤدي لخسائر في الأرواح والممتلكات".

بين شدّ وجذب

  تحويل بعض المركبات للعمل بنظام الغاز بدلاً عن المشتقات النفطية التي ارتفع سعرها في الآونة الأخيرة، زاد من نسبة اقبال الناس على الغاز، الأمر الذي دفع الكثير من المستثمرين والتجار إلى التجارة بالغاز والبدء بإنشاء محطات غير رسمية في ظل غياب رقابي تام.

  حادثة انفجار محطة الغاز وسط مدينة البيضاء في يناير/ كانون الثاني 2021، أثار الخوف والهلع لدى سكان مدينة تعز وسلطتها المحلية، التي بدورها أصدرت قراراً يقضي بإزالة محطات الوقود والغاز من الأحياء السكنية في المدينة. توالت الأخبار بأن الحملة التي نزلت إلى الشوارع أزالت أكثر من 30 محطة (بنزين، وغاز)، لكنها هذه المحطات سرعان ما استأنفت عملها وعاد معها قلق المواطنين.

  يقول ناظم العقلاني، مدير فرع شركة الغاز بتعز لـ"خيوط": "صدرت العديد من الأوامر والقرارات بإغلاق محطات الغاز العشوائية، لكنها تعود إلى العمل، وهذا يعود إلى عدم حسم السلطة تجاههم". وفي الوقت ذاته أرجع العقلاني سبب عودة هذه المحطات للعمل، إلى أزمة الغاز المستمرة في المدينة، ولذلك يرى أن الأمر يتطلب وقتاً حتى تنتهي الأزمة وتنتهي معها هذه المحطات.

  ويرى العقلاني أن الحل لتجنب خطر محطات الغاز العشوائية، يكمن في تغطية المدينة بما تحتاجه من غاز، بحيث يكفي للاستهلاك اليومي، "بهذا لن يلتفت المواطن للمحطات الصغيرة"، كما يقترح تخصيص محطتين في المناطق البعيدة عن المدينة لتزويد مركبات النقل الصغيرة بالغاز.

  فيما يرى وفيق صالح، وهو خبير اقتصادي، أن الحل الأمثل هو حسم السلطة المحلية وجدّيتها في إغلاق وإزالة كافة المحطات العشوائية وغير المرخص لها. وفي المقابل، توفير محطات مركزية مزودة بأدوات السلامة، بحيث تكون بعيدة عن التجمعات السكنية والتجارية، وتحت إشراف الجهات الرقابية في الحكومة.

  على الرغم من مخاطر العمل في محطات الغاز العشوائية التي قد يحول خطأ صغير فيها الإنسان إلى رماد أو يتسبب بتشويهه لبقية حياته، إلا أن عمالاً يقفون عند تلك المحطات، غافلين عن ما قد يحدث لهم. ومن ناحية أخرى، هناك المدنيون، صغارا وكباراً، الذين يمرون من أمامها بعيون قلقة ونفوس خائفة من انفجار أو حريق مفاجئ. رعب من مصير مجهول، بل من قاتل عشوائي يستقر أمام المنازل والمحلات.