"فراس" يبيع البيض

أزمة معيشية تلقي بالطلاب خارج أسوار المدارس
محفوظ الشامي
July 27, 2024

"فراس" يبيع البيض

أزمة معيشية تلقي بالطلاب خارج أسوار المدارس
محفوظ الشامي
July 27, 2024
.

مضى أسبوعان منذ بَدء العام الدراسي الجديد للعام 2024/2025، في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. وفراس ناجي، طالب الصف السادس الابتدائي، يكتفي بمراقبة زملائه وهم يذهبون إلى المدرسة، هو لن يذهب معهم هذا العام؛ كما يؤكد ذلك والده، فقد اختار له أن يحمل طبقًا من البيض ويمضي به إلى السوق لبيعه كل صباح، بعد أن عجز عن إيجاد عمل يعيل الأسرة، ويساعد في شراء مستلزمات المدرسة لفراس وإخوانه.

ألقت الحرب الدائرة في البلاد منذ عشرة أعوام، بظلالها على الأوضاع المعيشية، وفاقمت من سوئها، وتسبّبت بانعدام فرص العمل؛ الأمر الذي جعل ناجي أحمد (56 عامًا) -وهو والد فراس، ويقيم في مدينة دمت بمحافظة الضالع- عاجزًا عن إيجاد فرصة للعمل تُعينه على إعالة ذويه وتساعده في استمرار بقاء أولاده في المدارس لمواصلة تعليمهم. 

ظروف صعبة

بدت ملامح ناجي أحمد، مساعد عامل البناء، حزينةً وهو يقص سعيه الحثيث للعمل، ولكن دون فائدة. يقول أحمد إنّ حركة الإعمار والبناء خفّت كثيرًا في الآونة الأخيرة؛ بسبب الأوضاع المادية الصعبة على الناس، وبسبب منع مكتب الأوقاف في المحافظة الإعمارَ في المدينة على خلفية امتلاك الدولة الكثيرَ من الأراضي السكنية في دمت.

يُعيل ناجي أحمد أسرةً قوامها ثلاث بنات وولدان، ويقيم في مدينة دمت بمنزلٍ استأجره، وكان قد قدم قبل سنوات من وصاب السافل بمحافظة ذمار إلى مدينة دمت؛ كونها مثّلت له فيما مضى مكانًا يكسب فيه لقمة عيش له ولأسرته، لكنه يجد نفسه في الحاضر غير قادر على الاستمرار بالحياة؛ حد وصفه، بعد أن توقف عمله إثر الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعصف بكل البلاد.

ليس فراس وحدَه من ذهب إلى العمل وترك المدرسة مجبَرًا، بل هنالك قرابة مليونَي طفل هم في سنّ التعليم، لكنهم خارج المدارس؛ وذلك وفقًا لمنظمة "اليونيسف"، منظمة الأمم المتحدة المعنية بضمان واحترام حقوق الأطفال. وتؤكد الوقائع أن تسرب الأطفال من المدارس يأتي في ظل الوضع الاقتصادي المتدني للآباء؛ الأمر الذي يضطرهم لدفع أولادهم إلى العمل.

لا يعرف والد فراس متى سيكون بمقدوره دفع ابنه إلى المدرسة لمواصلة تعليمه، وهو يربط تحقق ذلك بحصوله على عمل يضمن للأسرة ما يكفي لدفع الإيجار وشراء احتياجات المنزل والعيش البسيط، ولكنه يأمل حدوث ذلك قريبًا، أما فراس فمستمر في الذهاب كل صباح إلى السوق حاملًا ثلاثة أطباق من البيض، ليبيعها منذ الصباح حتى وقت الظهيرة.

تحاصر التزامات الحياة ناجي أحمد، إذ يجد نفسه أمام صراع معها، فلا يكاد ينتهي من تسليم إيجار الشقة التي وصفها بـ"المتواضعة" حتى تتوالى عليه المتطلبات الأخرى، ما يسبّب له إرباكًا كان قد اتخذ على إثره قرار أن يذهب ابنه فراس هذا العام إلى السوق لبيع البيض بدلًا من ذهابه إلى المدرسة ومواصلة تعليمه. لقد بدا صوت الرجل منكسرًا وهو يواري خيبته لواقعٍ ما كان ليختاره لفراس، لكنها "الظروف القاسية"؛ كما أشار إلى ذلك مرارًا وهو يتحدث لـ"خيوط".

لا يظهر على وجه فراس الانبساط من عمله الجديد في بيع البيض، الذي جاء إثر تدهور حال أسرته المعيشي وعجز والده عن ملاقاة عمل، ورغم أنّ حديثه عن مدرسته كان مليئًا بالشوق لها ولزملائه إلّا أنّه يُقدّر المرحلة الحرجة التي تمر بها أسرته، فيتعامل مع عمله بجدية؛ وذلك للتعويل القائم عليه بسدّ ما تيسر من متطلبات العيش، ودفع إيجار الشقة المتواضعة.

مآلات كارثية

حذّرت منظمة "اليونيسف" في تقريرٍ لها أنّ اليمن يواجه تحديات خطرة وأزمة كبيرة في التعليم؛ إذ أفادت أنّه من الممكن أن يصل عدد الأطفال الذين يعانون من الاضطرابات التي تمس تعليمهم إلى ستة ملايين طالب وطالبة، الأمر الذي سيترتب عليه مآلات كارثية تهدّد مستقبل أطفال البلاد على كلٍّ من المدى القريب والبعيد. 

لا يعرف ناجي أحمد، والد فراس، متى سيكون بمقدوره دفع ابنه إلى المدرسة لمواصلة تعليمه وهو يربط تحقق ذلك بحصوله على عمل يضمن للأسرة ما يكفي لدفع الإيجار وشراء احتياجات المنزل والعيش البسيط، ولكنه يأمل حدوث ذلك قريبًا، أما فراس فمستمر في الذهاب كل صباح إلى السوق حاملًا ثلاثة أطباق من البيض ليبيعها منذ الصباح حتى وقت الظهيرة.

فراس طفل من بين ملايين الأطفال اليمنيين، يفقد مستقبله، كما تقول التقارير الصادرة عن "اليونيسف"؛ وذلك بانحرامه من حقه في فرصة التعليم التي هي الضامن الوحيد لخلق حياة أفضل، جراء الفقر والتدهور الاقتصادي الذي يشهده البلد إزاء الحرب، ما جعل اليمنيين عمومًا في حالة ترقب لحدوث سلام شامل يُنهي التبعات الصعبة التي يسبّبها الصراع، وفراس صورة من المأساة العامة.

•••
محفوظ الشامي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English