عندما سُئل غونتر غراس وهو في عامه الـثالث والثمانين؛ ما إذا كان يخشى الموت، كانت إجابته أنّه لا يخشاه، وذلك لإدراكه أنّ الإنسان يعيش مستعدًّا للموت، لكن مسائل جمّة ما زالت تثير فضوله؛ "ماذا سيحدث لأحفادي؟ وماذا ستكون نتيجة مباراة كرة القدم في نهاية الأسبوع؟".
هذا الشغف الكروي الذي أبدع كبارُ الأدباء في التعبير عنه، كان حاضرًا في نتاجهم الأدبي، فلا شيء يضاهي سعادة الكاتب حين يبدأ التدوين عن تلك الرياضة وتحليلها، فهو يُمثّل فردًا من جمهورها الواسع. عشقوها كحبّهم للقراءة والتأليف، بل ربما أشد، فلم يقتصر الأمر عند بعضهم بالكتابة عنها، بل مارسوها بإتقان في صباهم، وانعكست تلك العلاقة في بعض أعمالهم الأدبية التي تستند عليها.
من أشهر الوجوه التي انتقلت من ساحة الملاعب إلى ساحات الأدب، كان الكاتب نجيب محفوظ، الذي عُدّ لاعبًا من طرازٍ نادر، كما كتب عنه أدهم رجب، في مجلة الهلال عام 1970، قائلًا إنّه لم يرَ لاعبًا في سرعة نجيب محفوظ في الجري "كان أشبه بالصاروخ المنطلق"، ويضيف أنّ "عقل نجيب محفوظ في قدميه"، وفي شهادة نجيب محفوظ عن نفسه؛ أنّه لولا الأدب لأصبَحَ أحدَ نجوم كرة القدم البارزين.
لم يكن هو فقط من مارسها، فالكاتب التركي أورهان باموق، والروسي نابوكوف، والكولومبي غابرييل ماركيز الذي لعبها في عمر الثالثة والعشرين كحارس مرمى في فريق "أتلتيكو جونيور" الكولومبيّ، وأثناء تصديه لإحدى الهجمات، تعرّض لإصابة في معدته، نقلته من لاعب إلى كاتب مشجّع في المدرجات، ورغم ذلك ظلّ متولّع بها.
أحبَّها أيضًا الفلاسفة، وقد وجدَت شغفًا في قلب الفيلسوف الفرنسي ألبير كامو، وكان يدين بكل ما تعلمه في الحياة لكرة القدم. كان كامو هو أيضًا حارس مرمى لفريق جامعة وهران في الجزائر عام ١٩٣٠، وقد تمتّع بطعم الانتصار كلما نجح في إنقاذ مرماه من الهدف. رغم ذلك توقف عن ممارستها هو أيضًا ليتّجه إلى الأدب والفلسفة، لكنه لم ينقطع في الحديث عنها، فقد أولى لها أهمية كبيرة، بالقول، إنّ "كرة القدم باتت ثقافة حقيقيّة للعالم، لا تقلّ بأهميتها وضرورتها، عن الرواية والشعر والسينما".
من الأعمال الأدبية التي استندت على كرة القدم، كانت رواية "ضربة جزاء" للكاتب الجزائري رشيد بو جدرة، والتي تدور أحداثها عام ١٩٥٧، في مباراة في نهائي كأس فرنسا أثناء احتلال الجزائر. وكان الحدث الأبرز فيها هو محاولة فدائي جزائري اغتيالَ أحد عملاء الاحتلال.
من جهة أخرى، لم تكن المهارة الكروية متواجدة لدى الأوروغواني "إدواردو غاليانو" الذي قال عن نفسه في كتابه "كرة القدم بين الشمس والظل"، أنّه كان يرغب في أن يصبح لاعب كرة قدم، وكان لاعبًا جيدًا، ولكن في الليل فقط، أثناء نومه أما في النهار فهو "أسوأ قدم متخشّبة شهدتها ملاعب الأحياء في بلادي"،
لكن هذا لم يمنعه من أن يصبح مشجِّعًا لها. يذكر غاليانو في كتابه ما فعله بورخيس عندما اختار أن يقدِّم محاضرة له عن الخلود، في بوينس آيرس، في الساعة نفسها التي كان يخوض فيها المنتخب الوطني الأرجنتينيّ أولى مباريات المونديال، وكان بورخيس يرى أنّ كرة القدم أفدح أخطاء إنكلترا.
في الجانب الآخر، وبعيدًا عن مدرجات التشجيع، لم تلاقِ المستديرةُ الولعَ في قلوب بعض الكُتّاب، كجورج أورويل الذي يراها محاكاة صريحة للحرب "حرب بغير طلقات"، يوافقه الكاتب الأمريكي بول أوستر الذي يراها في مقالة له، كبديل عن سفك الدماء، وكونها كمعارك تمارس في الملاعب؛ "الدول اليوم تخوض حروبها في ملاعب كرة القدم، بجنود يرتدون سراويل قصيرة. ورغم أنّه يفترض أنّ هذه لعبة، وأنّ المتعة هي هدفها، غير أنّ الذكريات المرعبة لعداوات الماضي تُخيِّم على كل مباراة، وكلّما سُجّل هدف تردّدت أصداء الانتصارات والهزائم القديمة".
ولدى الإيطالي أمبرتو إيكو، في حوار له ترجمه مصطفى السهلي، رأيٌ آخر؛ بأن الانشغال بها تبديد لطاقات كان الأجدر توظيفها لحل مشاكل المجتمع وإلهاء الناس عن الحياة السياسية والاجتماعية.
من الأعمال الأدبية التي استندت على كرة القدم، كانت رواية "ضربة جزاء"، للكاتب الجزائري رشيد بو جدرة، والتي تدور أحداثها عام ١٩٥٧، في مباراة في نهائي كأس فرنسا أثناء احتلال الجزائر. وكان الحدث الأبرز فيها هو محاولة فدائي جزائري اغتيالَ أحد عملاء الاحتلال. كذلك النمساوي بيتر هاندكه، الفائز بالنوبل في "قلق حارس المرمى عند ضربة الجزاء"، جعل من بطل روايته حارس مرمى يُطرد أثناء مباراة فريقه بسبب ارتكابه لخطأ عنيف، وينتهي به الحال في التورط بقتل إحدى بائعات التذاكر.
لم تتنافَ مطلقًا كرة القدم مع الثقافة والأدب، بل شكّلت عبر الأدب انتصاراتها وهزائمها معانيَ إنسانية عميقة، كتجربة كامو الرياضية التي علمته "أن يكسب دون أن يشعر بأنّه إله، وأن يخسر دون أن يحسّ بأنّه قمامة".
وصاغ إدواردو غاليانو معادلته الكروية، بالقول: "قل لي كيف تلعب، أقل لك من أنت"، ونُقل عن جورجي أمادو بأنه قال: "أغبياء أولئك الذين لا يُحبّون كرة القدم"، فيما فضّل الشاعر محمود درويش أن يتابع المباراة على أن يحضر أمسية حتى وإن كان من سيُحيي الأمسيةَ المتنبي. في نهاية الأمر هذا الجنون بالشغف أوجد لنا ما تميّزت به أمريكا اللاتينية، وسُمّي "بالأدب الكروي" الذي تخصّص به عددٌ من الأدباء ووطّدوا فيه العلاقة بين الأدب وكرة القدم.