تسببت الأمطار الغزيرة خلال الأيام الماضية، بسقوط ضحايا وتدمير ممتلكات وتهدُّم أسطح عددٍ من المنازل على ساكنيها، كما حدث في صنعاء، خصوصًا في المناطق العشوائية، كمنطقة مذبح ومديرية همدان (جنوب غربي العاصمة اليمنية)، وكذلك صنعاء القديمة، وفي محافظة مأرب (وسط اليمن)، وفي مناطق ومدن أخرى شهدت منذ منتصف شهر يوليو/ تموز الماضي 2022، أمطارًا غزيرة نتج عنها سيول وفيضانات مدمرة.
كان الأطفال أبرز ضحايا كوارث السيول في أكثر من منطقة ومحافظة يمنية، نتيجةً لتهدم منازل على رؤوس ساكنيها، إضافة إلى تشكُّل برك وامتلاء حواجز وسدود بالمياه، ممّا يدفع الأطفال للسباحة بلا أدنى خلفية بخطورة الإقدام على هذه الخطوة دون الإلمام التامّ بالسباحة ومهاراتها؛ ما يجعلهم عرضةً للموت المحتم.
في هذا الصدد، رصدت "خيوط"، عددًا من الوقائع والحوادث التي راح ضحيتها أطفال خلال الفترة الماضية، كتهدُّم أحد المنازل في قرية مذبح بالعاصمة اليمنية صنعاء، والذي راح ضحيته الطفلتان دلال (11 سنة) وصمود (6 سنوات)، نتيجة سقوط سقف المطبخ، المكان الذي كانتا يتواجدن فيه مساء الخامس عشر من أغسطس/ آب لمساعدة والدتهن في تحضير وجبة العشاء.
يقول جمال عبدالله الصرابي، أحد أقارب الطفلتين، لـ"خيوط": "هرع الناس بسرعة لإنقاذ كلِّ من في البيت، وبالكاد تمكّنوا من إخراج الأمّ؛ بينما إحدى الطفلتين كانت قد فارقت الحياة أثناء وصول المنقذين إليها، والأخرى تُوفّيَت فور وصولها للمستشفى". أُخرِجت الأمّ، التي رفضت الخروج حتى تخرج بنتاها اللتان لا أثر لهن حتى لحظتها.
بالقرب من هذه المنطقة، تدحرجت صخرة بسبب سيول قادمة من جبل الخمسين، لتسقط على أحد المنازل، ممّا أدّى إلى تضرر أجزاء من المنزل، وسقوط 4 أطفال ضحايا كما يفيد عدد من سكان المنطقة، إضافة إلى غرق آخرين في سدود وبرك مياه وجرف سيول في حوادث متفرقة بمناطق في رداع (شمال محافظة البيضاء)، وفي منطقة قعطبة بمحافظة الضالع (جنوب اليمن)، والمحويت (شمال غربي البلاد). كما تُوفِّي الطفل محمد سلطان الفقيه، من سكان منطقة معبر، في شمال محافظة ذمار، غرقًا بمياه السيول الجارفة التي حاصرت الحي الذي يقطنه مطلع شهر أغسطس/ آب الجاري 2022، بحسب تصريح عاقل حي الخير في هذه المنطقة، هلال السلطان، لـ"خيوط".
في السياق، تتحدث يسرى القحيط لـ"خيوط"، عن حادثة غرق طفل من أقاربها يدعى يونس عوض (15 سنة)، الذي ذهب مع أخيه وأصدقائه إلى بركة (بور) بقرية حاز - مديرية همدان، لممارسة رياضة السباحة. لاحظ شقيق يونس وأصدقاؤه بأنّ شيئًا ما يسحبه إلى أسفل ظنًّا منهم أنها طحالب مائية، حاول أخوه سحبه ومساعدته، لكن دون جدوى، حتى غاص جسده في عمق البركة.
فؤاد رياش، مدير الإسناد والإنقاذ في الدفاع المدني بصنعاء، يقول لـ"خيوط"، إنه يتم اتباع عددٍ من الوسائل التحذيرية من السيول والفيضانات، ابتداءً بإطلاق صفارات الإنذار قبل قدوم السيل، إضافة إلى أنّ هناك غرف رصد للسيول للمساعدة في تنبيه وتحذير المواطنين ليتجنبوا خطرها.
ويحمّل الناشط الاجتماعي عبدالفتاح الصلاحي، في حديث لـ"خيوط"، الأسرة المسؤولية الكاملة في هذا الخصوص، نظرًا لغياب دورها الرقابي على أبنائها، بل إنّ دورها التوعوي قد يكون شبه غائب هو الآخر، خاصة هذه الأيام، حيث يتدفق الماء من السدود والبرك والشلالات.
خيام النازحين
هطول الأمطار الغزيرة خلال الفترة الماضية، تسبّبت في حدوث فيضانات واسعة النطاق، ممّا ألحق الأضرار في البنية التحتية والممتلكات الخاصة والملاجئ، وأثّر بشكل رئيسي على صنعاء، حيث تضرر (431 مأوى)، وصعدة (322 مأوى)، وعمران (172 مأوى)، ومدينة صنعاء (137)، وحجة (99).
وأكّدت الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين، تضرُّر أكثر من 16 ألف أسرة نازحة، وتدمُّر منازل، وجَرف ممتلكات في مناطق متعددة في محافظة مأرب (شمال شرق صنعاء)، جراء الأمطار الغزيرة والسيول الناتجة عنها يوم السبت 6 أغسطس/ آب 2022، في حين كانت وحدة إدارة مخيمات النازحين قد أطلقت منتصف الشهر الماضي يوليو/ تموز، نداء استغاثة لإنقاذ الأسر المنكوبة في مخيم الجفينة بمأرب، بسبب السيول المتدفقة التي أدّت إلى جرف خيام النازحين ومحاصرة آخرين في مساكنهم.
يقول محمد السعيدي، وهو مسؤول في قسم طوارئ النازحين في محافظة مأرب، بأنّ عدد الأطفال الذين راحوا ضحية الأمطار الموسمية لهذا العام يصل إلى 3 أطفال.
ويؤكد أنّ هناك عددًا كبيرًا من النازحين في مأرب، يقاسون ويلات البرد والرياح وتسرب الأمطار والسيول إلى أماكنهم في الخيام والعشش، علاوة على أنّ بعض الخيام أصبحت متهالكة بسبب تقادمها ولم تعد قادرة على تحمل الأمطار والرياح الشديدة، إذ إنّ عمرها الافتراضي ستة أشهر فقط، ما يضطر ساكنيها إلى الانتقال إلى المآوي الطارئة.
ونوه السعيدي إلى أنّ الوضع في مخيمات النازحين يفوق الإمكانيات، رغم قيام الوحدة التنفيذية بتنفيذ عددٍ من الإجراءات الاحترازية قبل بداية موسم الأمطار، إضافة إلى قيام السلطة المحلية بتقديم الدعم الغذائي والإيوائي.
دور المعنيين
تكمن خطورة السباحة في موسم الأمطار لعدة أسباب؛ منها: برودة المياه التي تتسبب بتكوّن مكعبات ثلجية تؤدي إلى زيادة ثقل المياه وركودها بعد السيول؛ ممّا يعيق حركة السبّاح، إضافة إلى وجود أشجار في أغلب السدود والبرك، وهو ما يحتم على المجالس المحلية بالمديريات عمل سياجات للسدود المنتشرة بمناطقهم؛ كونهم الأكثر معرفة واطلاعًا عليها وحصرها، ومعرفة مستوى خطورتها مع عمل لوحات إرشادية تنبيهية بعدم السباحة، وأيضًا عمل لوحات في الأماكن الأكثر عمقًا وطينية، والتي تنمو فيها الأعشاب، ومنع السباحة فيها أو الاقتراب منها، وكذلك عمل أطواق نجاة في جوانب سائلة صنعاء، من حبال أو سلاسل وإطارات لعلها تنقذ غريقًا، وتفعيل الإنذار المبكر عند اقتراب السيول بالتنسيق مع المرور.
فؤاد رياش، مدير الإسناد والإنقاذ في الدفاع المدني بصنعاء، يقول لـ"خيوط"، إنه يتم اتباع عددٍ من الوسائل التحذيرية من السيول والفيضانات، ابتداءً بإطلاق صفارات الإنذار قبل قدوم السيل، إضافة إلى إنّ هناك غرف رصد للسيول، للمساعدة في تنبيه وتحذير المواطنين ليتجنبوا خطرها.
بدوره، يؤكد الغواص عبده قانص، يعمل في الدفاع المدني، أنّ فريق الأمن والسلامة في الدفاع المدني، ينفذ دوريات في كل موسم أمطار، إلى كل السدود، لتحذير المواطنين ومنعهم من السباحة، حيث يتم تشكيل فريق من فردَين اثنين من أبناء المنطقة نفسها؛ لتوعية الناس ومنعهم من السباحة، وإنقاذهم في حالة الغرق، حيث يتم صرف متطلبات السلامة "عهدةً"، لهؤلاء الذين يعملون طوال موسم الأمطار، بما في ذلك أيام الإجازات والعيد.