ارتفعت المهور في مديريات المنطقة الوسطى بأبين إلى أرقام خيالية، في وضع اقتصادي صعب تشهده المحافظة وعموم اليمن منذ أكثر من ثماني سنوات، بسبب الصراع الدائر في البلاد. أمر تحطّمت معه أحلام مئات الشباب الذين وجدوا أنفسهم غير قادرين على الحصول على أيٍّ من فرص الحياة والاستقرار في أكثر المحافظات اليمنية بؤسًا وتضررًا من الحرب والوضع السياسيّ والاقتصاديّ الذي تمر به البلاد.
خمسة ملايين ريال؛ أي ما يوازي 3500 دولار -بسعر الصرف في المنطقة- مبلغ باهظ جدًّا بالنسبة لشباب معظمهم ملتحقون بالسلك العسكري في تلك المناطق، يتقاضون رواتب زهيدة تصرف بشكل متقطع وغير منتظم، لا تزيد على 60 ألف ريال -أقل من 50 دولارًا- علاوة على بقية تفاصيل إقامة العرس؛ ما يجعل الزواج للشبان في هذه المناطق حلمًا صعبًا، بعيد المنال. ما أدّى إلى عزوف كثير من الشباب عن الزواج وتكوين أسرة، وهذا بدوره يضع المجتمع أمام تحدٍّ آخر متعلق بارتفاع نسبة العنوسة في المجتمع المحلي، أو لجوء البعض إلى الزواج من خارج المنطقة، توفيرًا للتكلفة المرتفعة فيما لو تزوج من المناطق الوسطى بأبين.
تأثير الوضع الاقتصادي بسبب الحالة السياسية المضطربة وطبيعة الصراع الدموي، إذ أدّى ذلك إلى عدم استقرار العملة المحلية والتلاعب بأسعارها، إلى جانب العادات الدخيلة على المجتمع التي فرضت تفاصيل كثيرة لم تكن من طبيعة المجتمع المحلي.
أسباب الارتفاع
في حديث لـ"خيوط"، يرجع الشخصية الاجتماعية، بمدينة العين التابعة لمديرية لودر بمحافظة أبين، عبدالله آل عبدالله، أسباب ارتفاع المهور في المنطقة إلى: "تأثير الوضع الاقتصادي بسبب الحالة السياسية المضطربة، وطبيعة الصراع الدموي، إذ أدّى ذلك إلى عدم استقرار العملة المحلية والتلاعب بأسعارها، إلى جانب العادات الدخيلة على المجتمع التي فرضت تفاصيل كثيرة لم تكن من طبيعة المجتمع المحلي، هذه الإضافات بدورها تتطلب مزيدًا من الإنفاق، إلى جانب ما قد يُلزم أهل العروس أهلَ العريس من ملحقات، كالذهب والذبائح والمواد الغذائية، إلى جانب الملابس وأدوات التجميل، وهي تكاليف تثقل كاهل الشاب المقدم على الزواج".
وأضاف آل عبدالله: "في بعض الأحيان تصل تكاليف الغداء إلى ما يربو على اثنين مليون ريال إضافة إلى الشنط (الشل)، وبالتالي فإني أعتقد أنّ إلغاء وجبة الغداء في الأعراس، مع تفهم المجتمع لهذا الأمر، سيساهم في التخفيف عن الشباب، ويعزز من فكرة مجيء الضيوف ليلًا لإحياء الحفل والمغادرة فورًا، دون لوم أهل المناسبة وإلزامهم بما يفوق طاقتهم".
مجرد جندي
محمد أحمد -اسم مستعار- من لودر، يتحدث لـ"خيوط" عن الأسباب التي منعته من الزواج، قائلًا: "أنا شاب لا أمتلك إلا رقمًا عسكريًّا في الجيش بمرتب 60 ألف ريال، أستلمها بين الحين والآخر وليس بشكل منتظم، حتى إنّ هذا المبلغ لا يكفي مصروفًا شخصيًّا بسبب الأوضاع السيئة والارتفاع المهول في الأسعار، لقد كانت الـ60 ألفًا مبلغًا كبيرًا قبل عقد من الزمن، لكنها في الوقت الحالي مبلغ زهيد للغاية".
وأضاف محمد: "ماذا عساه أن يفعل هذا المبلغ البسيط، نحن جيل يتعرض للسحق من جهة الحرب وتبعاتها، ومن جهة أخرى العادات البائدة التي يتمسك بها مجتمعنا التي تتضمن تباهي وتفاخر يأكل من أعمارنا ومن أحلامنا ومن أبسط حقوقنا في الحياة".
من جهته عبّر الإعلامي، عبد القادر شرفان عن أسفه إزاء الارتفاع الجنوني للمهور، حيث قال لـ"خيوط": "باعتباري شابًّا أعزب، على قاب قوسين من إكمال عامي الـ25 ولم يتزوج حتى الآن، وكذلك خريج جامعي عاطل عن العمل منذ تخرجي قبل ثلاث سنوات، أشعر بأسف شديد لتبديد أحلامي وتطلعاتي، أتحسر على العمر الذي يمضي دون أن أحظى بأبسط مساندة أو دعم".
ويضيف شرفان: "تلزمنا سنوات عديدة حتى نستطيع جمع مثل هذه المبالغ الخيالية للزواج، خاصة إذا كان الشاب -مثلي- عاطلًا عن العمل وجزءًا من عجز عام أُجبرنا على أن نكونه، لكن المأساة تكتمل إذا كان الشاب منا مسؤولًا عن أهله وأسرته؛ إما أن تقدّم الفتات الذي تتقاضاه مقابل أيّ عمل بدني متاح، وإما أن يموت أهلك جوعًا".
حلول مقترحة
ويرى شرفان أنّ من واجبات الوعاظ والخطباء والمشايخ والعقّال والمؤثرين اجتماعيًّا في المنطقة الوسطى، إرشادَ الناس وتوعيتهم بضرورة وضع حد لتلك المغالاة، من خلال تحديد المهور بما يراعي أوضاع الشباب، والحد من مظاهر البذخ والتباهي في الأعراس، وإلا فإنّ الحال لو تُرك بهذه الهيئة فقد يتحول لقنبلة فساد اجتماعي غير محمودة العواقب".
إلى ذلك تحدث مدير إعلام مديرية لودر، جهاد حفيظ، لـ"خيوط"، قائلًا: "تحول مجرد التفكير بالزواج لدى معظم شباب المنطقة الوسطى بأبين إلى عقبة حقيقية نتيجة الغلاء الفاحش الذي طال المهور وكل متطلبات الزواج، وبات إكمال نصف الدين والظفر بزوجة صالحة أشبه بحلم، ولذلك نجد كثيرًا من الشباب الذين تجاوزت أعمارهم 35 سنة عزابًا".
ودعا حفيظ أولياءَ الأمور إلى النظر في هذا المشكل الاجتماعي الذي قد يساهمون في حلحلته عبر تخفيض المهور، والحرص على تزويج بناتهم بمن يرضون دينه وخلقه، وأضاف قائلًا: "لا بدّ للآباء أن يقدّروا خطورة حرمان الشباب والشابات من الارتباط بالحلال عبر تعقيد سبل هذا الارتباط، وتحويل الزواج إلى صفقة تجارية طرفاها بائع ومُشترٍ، فيما يذهب شبابنا وشاباتنا ضحايا لهذا الجشع". مؤكّدًا على أهمية تحديد المهر، بحيث يصل في حدّه الأقصى إلى مليونين، شاملًا كل التكاليف.
وتساءل الشيخ ناظم حتروش، قائلًا: "لماذا لا نستفيد من تجارب بعض المجتمعات الأخرى التي اتجهت صوب الرمزية في الاحتفال بالمناسبات؟".
وتابع الشيخ ناظم حديثه: "وللعلم فإنّ المهر لدينا في القرية التي جئت منها لا يتجاوز 900 ألف ريال، يسلمها الشاب لوالد العروسة، وشنطة خطوبة لا يتجاوز سعرها 500 ألف ريال يمني، إلى جانب ما نسميه نحن بـ(الشل)، وهي عبارة عن حقيبة فيها ملابس وأغراض للعروسة، ما تكلف قرابة 700 ألف ريال يمني".
وأردف: "أما من ناحية الذهب فهناك شبه إجماع على ألّا يزيد على 20 جرامًا، وأنا شخصيًّا قمت بهذا عندما زوجت إحدى بناتي لشاب قريب مني؛ لم أطلب ذهبًا حتى تتيسر أمور الزواج، فأنا أكره أن نكون عبئًا في طريق الشباب برفعنا للمهور فوق الحدّ المعقول".
واختتم الشيخ ناظم حديثه، قائلًا: "ولا ننسى بأن والد البنت يتحمّل جزءًا من عبء هذه التكاليف الباهظة، فهو الآخر يضطر إلى أن يستدين لتكملة بقية متطلبات الزواج وشراء كلّ أغراض العروس، خاصة مع الارتفاع الجنوني للأسعار".
تواطؤ مجتمعي
لم يحرّك مشايخ القبيلة، والشخصيات الاجتماعية في مديريات المنطقة الوسطى بأبين ساكنًا، ما زاد المشكلة تعقيدًا وساهم في تمدد الظاهرة التي كادت أن تتحول إلى ثقب أسود يبتلع أحلام الشباب في الزواج، علمًا أنه في بعض المناطق اتخذ فيها المشايخ إجراءات ضد الارتفاع المهول، قضت بتخفيض أسعار المهور أثناء زواج أبناء القبيلة فيما بينهم، حيث حظيت هذه التجربة بارتياح واسع لما لها من أثر ملموس على الشباب.
ويظل ارتفاع المهور في المنطقة الوسطى بأبين، معاناة تؤرق الشباب وتجعلهم يسلكون مسلكًا غير قانوني لتجميع المهر والحصول على المال الكافي للزواج.