تمضي أيام "أحمد جرادة" في رعاية مزرعته المثمرة بفاكهة "الخوخ"، والاستعداد لتصديرها إلى الأسواق المحلية بمدينة ذمار والمدن المجاورة، كإحدى الفواكه التي تنقل من مزارع منطقة أضرعة إلى الأسواق، فبالإضافة إلى كون منطقة "أضرعة" التابعة لمديرية عنس –30 كم شرق مدينة ذمار- منطقة أثرية بامتياز، تشتهر كذلك بزراعة أنواع متعددة من الفواكه والخضروات، وساهم وجود مصادر ثابتة للمياه في اتساع رقعة الزراعة والاخضرار الدائم للمنطقة.
ويعتقد "جرادة" -وهو مُزارِع في العقد الخامس من العمر، أمضى أربعة عقود في الزراعة- أن زراعة الفواكه تأتي بفوائد اقتصادية كبيرة، عكس زراعة الحبوب أو القات، إذ يتحدث لـ"خيوط"، عن أنّ القات في "أضرعة" قليل جدًّا، وأغلب المزارع خوخ، مشمش، برقوق، وغيرها. في رحلة الزراعة الطويلة، يؤمن أنّ "الأرض أكبر مصدر للسعادة والاستقرار"، مضيفًا: "الاهتمام بالأرض ورعايتها تقابل صاحبها بالخير الوفير".
رغم ذلك، يعتقد أنّ الغش في المبيدات الحشرية والأسمدة، تنعكس سلبًا على الزراعة وعلى الأرض. وخلال الأشهر القليلة الماضية، أصيبت عددٌ من المزارع في المنطقة بعدة أمراض استهلكت وقت وجهد المزارعين وقلّلت من حجم وجودة المحاصيل الزراعية.
لقلة خبرة الأهالي في أساليب الصيد، واستخدام أساليب بدائية في عملية الصيد، يحجم الكثير من الاصطياد في بحيرة السد، في حين تسبّبت السيول الناتجة عن الأمطار الغزيرة خلال الفترات الماضية، في جرف الآلاف من الأسماك ذات الحجم الكبير.
"يخرج من أضرعة الخوخ والمشمش في أيام الموسم، بست وسبع شاحنات يوميًّا"؛ قال مزارع يدعى "ناصر علي منوار". مضيفًا بالقول: "الحبة الخوخة تصل إلى حجم كرة القدم التي يلعب بها الأطفال". كان يتحدث بنشوة عن جودة الإنتاج للفواكه في المنطقة، في مقدمتها فاكهة "الخوخ" والتي استطاعت أن تخلق استقرارًا اقتصاديًّا كبيرًا لأبناء المنطقة.
ولدى مقارنة منوار، بين القات وزراعة الفواكه، قال لـ"خيوط": "صحيح أنّ القات كل يوم تقطف، لكن ما فيه بركة وما يقوم (ينبت) إلّا برش المبيدات والأسمدة وهي مكلفة جدًّا، ويحتاج حراسة بشكل متواصل، أما زراعة الفواكه فتهتم بها في أشهر محددة، وثمارها فيها بركة ورزق كبير، وتبيعها بمبالغ كبيرة دفعة واحدة، ويلزمها أسمدة ومبيدات قليلة جدًّا في حال تعرضت للمرض فقط".
يتسع حجم زراعة الفواكه، وفي مقدمتها الخوخ والبرقوق والمشمش، وأنواع متعددة من الفواكه ذات الجودة العالية، إلّا أنّ المزارعين يأملون أن توفر لهم الجهات الرسمية المدخلات الزراعية لمواجهة الآفات الزراعية وتقلبات المناخ.
عيون متدفقة
كانت تسمى المنطقة بقرية السدين، لوجود سدين في شرقها وغربها؛ السد الشرقي بني في ثمانينيات القرن الماضي على أنقاض سدّ تاريخي قديم يعود إلى العهد الحميري، يبلغ ارتفاعه 14 مترًا، بمساحة تصل إلى أكثر من 300 متر مربع، يتعمد عليه سكان القرية في ري مزارع الوادي، الذي يشتهر بزراعة المشمش والخوخ وجميع المحاصيل الزراعية، بينما السد الغربي لم يتبقَّ منه غير آثار صخرية تآكلت بفعل عوامل التعرية.
وكلا السدين يوجد فيهما عيون ماء متدفقة طوال العام، تعمل على تنمية الزراعة في المنطقة بشكل مستمر. ومنذ سنوات طويلة تحوّل السد الشرقي والمنطقة إجمالًا، إلى مزار سياحي. ويرى المحامي عبدالكريم المصري أنّ قرب المنطقة من مدينة ذمار، ساهم بشكل أكبر في جذب الزوار، وأضاف في حديث لـ"خيوط": "للأسف، افتقار المنطقة إلى التنمية السياحية والخدمية جعل نسبة الزائرين إليها قليلة، بالمقارنة مع حجم القدرة السياحية الجاذبة للمكان، في مقدمة ذلك: الطريق إلى القرية"، لافتًا إلى أنّ المنطقة يمكن أن تتحول إلى مزار سياحي للسياحة البيئية والتنوع الفريد الموجود فيها.
وتابع: "تعد القرية من أهم المناطق الأثرية في محافظة ذمار، حيث ما تزال فيها بعض الشواهد التاريخية التي تعود إلى عصور ما قبل الإسلام، إضافة إلى كونها منطقة تاريخية وأثرية، هي منطقة سياحية أيضًا تتميز بغزارة مياهها وزرعها".
"ميناء ميناء يا سلال"
قبل نحو عامين، تم استزراع نوعين من الأسماك النهرية؛ "الجحش" و"القد". نجحت التجربة، وتحوّلت بحيرة السد الشرقي إلى موطن للأسماك، والبط البري، وأنواع أخرى من الطيور النادرة. "لدينا سمك، ما عدنا نحتاج البحر والميناء"؛ قالها رجل سبعينيّ متندرًا على وجود الأسماك في قريتهم، ومعرجًا على حكاية شعبية متداولة مفادها أنّ الرئيس السلال زار مدينة ذمار بعد ثورة سبتمبر، وأثناء إلقاء خطابه ارتفعت أصوات المواطنين بعبارة "ميناء ميناء يا سلال"، فقال لهم: "عليكم البحر، وعليَّ الميناء".
لقلة خبرة الأهالي في عملية الاصطياد، يستخدم البعض أساليب بدائية للحصول على الأسماك، ويحجم الكثير عن الاصطياد في بحيرة السدّ، وقد تسبّبت السيول الناتجة عن الأمطار الغزيرة خلال الفترات الماضية، في جرف كميات كبيرة من الأسماك ذات الحجم الكبير إلى خارج السد، ليجدها المزارعون؛ بعضها في مزارعهم، والبقية على مجاري السيول.
يعتمد علي الأضرعي في صيد السمك، على شبكة صغيرة في أطراف السد، ومحاصرة الأسماك، واختيار ذات الحجم الكبير وإعادة الصغيرة إلى بحيرة السد، لكن الأمر يتطلب منه وقتًا طويلًا، وفي الغالب يعود إلى منزله محملًا بعددٍ من الأسماك، يصل وزن بعضها إلى 3 كجم. وقال لـ"خيوط": "تتواجد في أطراف السد أسماك صغيرة، وفي عمقه هناك أسماك كبيرة، وقد شاهدت الكثير منها، وهناك من اصطاد أسماكًا يتجاوز وزنها 4 كجم".
استزراع الأسماك
يقول مدير مكتب الزراعة بمحافظة ذمار، عادل عمر لـ"خيوط": "تجربة استزراع الأسماك في سد "أضرعة" نجحت بشكل كبير، بالمقارنة مع سدود أخرى، وقد وفرت بحيرة السد موردًا غذائيًّا مجانيًّا للعشرات من الأسَر في المنطقة"، وأضاف: "لدينا الآن برنامج لتكثيف التوعية والإرشاد الزراعي والسمكي في المنطقة، للاستفادة من الخصائص الزراعية الجيدة المتوفرة في المنطقة، بالإضافة إلى التثقيف في مجال الأسماك وأساليب الصيد الجيدة".
وبيَّن عمر أنّ تجربة استزراع أنواع من الأسماك في سد "أضرعة"، يرفع الجهد في تكرار التجربة في سدود أخرى تشابه في بيئتها سد "أضرعة".