تشهد محافظة عدن، العاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها دوليًّا؛ ارتفاعًا جنونيًّا وغير مسبوق في أسعار الأسماك، خصوصًا في بعض الأصناف التي اعتادت الوجود في موائد الأُسَر بشكل دائم، وسط غيابٍ تامّ للجهات الرقابية الحكومية لضبط الأسعار ومحاسبة المتسبّبين في ذلك؛ الأمر الذي تسبّب في حرمان كثيرٍ من المواطنين، من وجبتهم الرئيسية اليومية المعتمدة على السمك، الذي يُعدّ عنصرًا أساسيًّا في موائدهم.
وفي الوقت الذي يشكو فيه المواطنون في عدن، من هذه الموجة السعرية القياسية في الأسماك؛ يُبدي مراقبون وخبراء استغرابهم من هذا الارتفاع الكبير في أسعار الأسماك في المدينة المحاطة بالبحار والسواحل، والغنية بالأحياء البحرية، التي باتت اليوم تباع بأسعار باهظة، وبأضعاف السعر الذي يُباع به في المحافظات اليمنية الأخرى غير الساحلية، كصنعاء وتعز وإب، وغيرها.
وأظهرت آخر تسعيرة للأسماك في محافظة عدن (جنوبي اليمن)، حصلت "خيوط" على نسخة منها، وصول سعر الكيلوغرام الواحد من السمك، نوع "الثمد"، إلى 12000 ريال، بعد أن كان يُباع قبل أيام قليلة بـ8000 ريال، بينما ارتفع سعر الكيلو "السخلة" إلى 18000 ريال، بدلًا من 15000 ريال، كما بلغ سعر الكيلوغرام الواحد من "الديرك" نحو 24000 ريال، بعد أن كان يباع بـ20000 ريال، وجميعها قابلة للارتفاع في أية لحظة، في ظاهرة نادرة وغير مسبوقة في عدن.
البحث عن حلول دائمة
تصاعدت شكاوى المواطنين في عموم مديريات محافظة عدن، من استمرار مسلسل ارتفاع مختلف أسعار الأسماك، دون التوقف عن تصديرها إلى الخارج أو إيجاد حلّ جذري لإنهاء هذه المشكلة التي أثقلت كاهل الأسَر، وضاعفت كثيرًا من معاناتهم اليومية، في ظلّ وضع اقتصادي ومعيشي أكثر صعوبة من أي وقتٍ مضى.
الحل الوحيد للوضع الحالي، يكمن في اتخاذ الجهات المعنية خطوات جادّة لمعالجة هذه الأزمة، ومنها التدخل لضبط الأسعار ومعالجة الأسباب، وإيجاد حلول لضمان توفر الأسماك بأسعار تناسب القدرة الشرائية، لكثير من الأُسر التي تعاني أوضاعًا اقتصادية بالغة الصعوبة.
يقول علي سالم- أحد الموظفين في وزارة التربية والتعليم بعدن، ورب أسرة مكونة من خمسة أفراد، لـ"خيوط"، إنه أصبح شبه عاجز عن شراء الأسماك المكملة لوجبة غداء أسرته؛ نتيجة الارتفاع الجنوبي الذي تشهده بين الحين والآخر.
كما أنّ "استمرار ارتفاع أسعار الأسماك بعدن دون أي تدخلات جادّة وفعّالة للجهات الحكومية، سيتسبب في فقدان هذه الأسرة وغيرها وجبة الغداء الرئيسية التي لا تفارق غالبًا موائدَ كثيرٍ من الأُسر، التي كان من المستحيل أن تستغني عنها، ولكن الظروف أجبرتهم على ذلك الإجراء"؛ حدّ وصف هذا المواطن؛ علي سالم.
ويضيف أنّ مرتبه الشهري الضئيل الذي يأتي مُتأخرًا من شهر إلى آخر، لم يعُد يسمح له إطلاقًا بمواصلة شراء الأسماك بشكل يومي، جراء الارتفاع الكبير الذي تشهده، مؤكدًا أنه قد بدأ في تحديد أيامٍ مُعينة لتناول أسرته قليلًا من "قطع" السمك، حتى تستقر الأسعار، وتعود مثلما كانت عليه.
وضع مُتردٍّ وحلول غائبة
الناشطة الاجتماعية في عدن، ماريا راشد، توضح لـ"خيوط"، أنّ "الوضع الاقتصادي متردٍّ للغاية، وأسعار السمك ازدادت بالرغم من أنّ عدن تعتبر شبه جزيرة، ومناخها ملائم لجذب كافة الأسماك، لما يكفي للإنتاج المحلي، ومن ثم تصدير الفائض منه"، مشيرةً إلى أنّه "لا يوجد أيّ مبرر لهذا الارتفاع الحادّ في سعر الأسماك، فالكثير من الأُسر باتت تعاني من الوضع المادي المتدهور، وأصبح مستوى دخل الفرد لا يتجاوز الدولار الواحد".
تتابع: "نلاحظ منذُ أسابيع ارتفاعًا جنونيًّا مُتسارعًا في الإنتاج المحلي، أكان سمكًا أو خضروات وفواكه، الأمر الذي فاقم معاناة المواطن أكثر فأكثر، فمتى ستتخذ الحكومة قرارًا جديًّا لإيقاف كلّ هذا الفوضى السعرية؟!".
وتعاني عدن ومختلف مناطق الحكومة المعترف بها دوليًّا، من تدهور متواصل في العملة المحلية مع وصول سعر صرف الريال إلى أكثر من 1840 مقابل الدولار الواحد؛ الأمر الذي يعتبره متعاملون في الأسواق أحد الأسباب التي قد تكون مؤثرة في أسعار مختلف السلع والمواد الغذائية.
بدوره، يؤكّد الإعلامي حيدرة الكازمي، لـ"خيوط"، أنّه "لا يجوز إطلاقًا حرمانُ الأُسَر في محافظة عدن والمحافظات المجاورة لها، من مصدر غذائي مهم مثل الأسماك"، مُبينًا أنّ "هذه المعاناة ليست جديدة على المواطن، بل مستمرة ولفترات زمنية متقاربة، ولا توجد أسباب واقعية".
ويضيف: "لدينا شريط ساحلي طويل، نستطيع من خلاله توفير كميات كبيرة من الأسماك، وكذلك هناك الكثير من العاملين في مهنة الصيد، فارتفاع تكاليف الوقود والنقل، ليس مبررًا واقعيًّا لارتفاع أسعار الأسماك بهذا الشكل الجنوني، الذي باتت معه كثيرٌ من الأُسَر غير قادر على شرائها".
ويرى الكازمي أنّ "الحل الوحيد للوضع الحالي يكمن في اتخاذ الجهات المعنية خطوات جادّة لمعالجة هذه الأزمة، ومنها التدخل لضبط الأسعار ومعالجة الأسباب، وإيجاد حلول لضمان توفر الأسماك بأسعار تناسب القدرة الشرائية لكثيرٍ من الأُسَر التي تعاني أوضاعًا اقتصادية بالغة الصعوبة، والعمل على دعم الصيادين وتوفير مستلزماتهم بأسعار مناسبة، ومكافحة الاحتكار ومنع المضاربة بالأسعار، بالإضافة إلى دعم برامج التنمية السمكية لزيادة الإنتاج المحلي".
هناك من يرى أنّه من الصعب إيجاد حلّ لمشكلة ارتفاع أسعار الأسماك في الوضع الحالي، طالما ما زال التعامل في نظام البيع والشراء، يُعرف بالسوق المفتوحة، بينما يُرجع باعة ومتعاملون في الأسواق أسباب الارتفاع إلى التصدير العشوائي إلى الخارج.
وتُعدّ الأسماك منذُ القدم -خصوصًا "الثمد" و"السلخة"- مصدر الغذاء الرئيسي للمواطنين عامة بمحافظة عدن، ومن ثم فإنّ ارتفاع أسعارها يشكّل عبئًا ثقيلًا عليهم، خاصة مع الارتفاع المتواصل في أسعار المواد الغذائية الأخرى.
إتاوات الجهات المتعددة
يُرجِع عددٌ من بائعي الأسماك في الأسواق المحلية، أسبابَ ارتفاعها إلى مجموعة من العوامل، التي تمثّلت معظمها في تصديرها للخارج بطريقة عشوائية من بعض الأشخاص الذين يعملون على بيع الأسماك، إضافة إلى فرض ضرائب وإتاوات جانبية على البائعين لجهات متعددة، وكذا غياب الرقابة الحكومية على تجار الأسماك أنفسهم.
محمد ثابت (30 عامًا)، بائع أسماك في سوق الضربة للأسماك، بمدينة البريقة (غربي عدن)، يقول لـ"خيوط"، إنهم -الباعة- يتفاجؤون يومًا بعد آخر بفرض جبايات جديدة عليهم بصورة "غير قانونية"، بحسب حديثه، ما اضطرّهم ذلك إلى تعويض خسائرهم من خلال الرفع في أسعار بعض الأسماك، مثل "الثمد" و"السخلة"، الأكثر طلبًا في السوق المحلي، مشيرًا إلى أنّه "لم يعُد هناك أيّ مردود كبير في بيع الأسماك، مثلما كان يحدث في السنوات الماضية"؛ نتيجة لما وصفها بـ"المضايقات" التي يواجهونها، وسط صمت مُريب لدى الجانب الحكومي حيال ما يحدث.
في السياق، يعتقد الباحث المتخصص بشؤون الصيادين والحياة البحرية في خليج عدن، محمود رشيدي، في تصريح لـ"خيوط"، أنّه من الصعب إيجاد حلّ لمشكلة ارتفاع أسعار الأسماك في الوضع الحالي، طالما ما زال التعامل في نظام البيع والشراء يُعرف بالسوق المفتوحة.
وهذا يعني -كما يقول- أن تتعامل في نظام الرأسمالية، ويمكن أن تأتي شركة في يوم وليلة وتطرح سعرًا مناسبًا، وتستحوذ على كل ما في السوق من أسماك، وكذلك العرض مقابل الطلب له تأثير كبير على ارتفاع أسعارها.
وتمثّل الأسماك وجبةً يومية رئيسية لأهالي محافظة عدن الساحلية، ولا تكاد موائدهم تخلو منها إطلاقًا، ما يجعل ارتفاع أسعارها يتحوّل إلى مشكلة معيشية وإنسانية كبيرة، بعيدة كل البعد عن الحلول الحكومية.