تكابد عائلة فتح منذ سنوات طويلة لتوفير الرعاية الصحية اللازمة لابنها المصاب بالصرع، إلا أنها الآن تقف مكتوفة اليدين في ظل ارتفاع أسعار الأدوية في محافظة مأرب بعد نزوحها من محافظة الحديدة، إذ تلخص والدته بكل ألم وحسرة معاناتهم في تأمين العلاج اللازم لطفلها، بالقول: "منذ سنوات طويلة ونحن نكافح لتوفير العلاج لابني المصاب بالصرع". ".
الطفل فتح كان قد قرر له الطبيب أربعةأربع عينات من الأدوية في الحديدة، ومنذ نزوحهم إلى مدينة مأرب في العام 2021، وجدوا أن أحوالهم أصبحت صعبة للغاية، نتيجة ارتفاع أسعار الأدوية وقلة توفرها في الأسواق، حيث لم يتمكنوا من شراء العلاج. .
تقول أم فتح لـ"خيوط": "ارتفاع أسعار الأدوية بمأرب يفاقم من معاناتنا، لم نستطيع شراء العلاج كاملًا، نحاول قدر المستطاع لشراء نوعين من الأدوية، ولكن تواجودها نادر في الأسواق والصيدليات.".
وتقدر بيانات مكتب الصحة في مأرب، -خاصة بـ"خيوط"-، عدد المصابين بمرض الصرع بالمحافظة الواقعة شرقي صنعاء، بنحو 300 مريض، حيث تعجز الجهات الحكومية عن توفير المراكز المتخصصة والأدوية اللازمة للمرضى.
يعاني مرضى الصرع في مأرب، واليمن بشكل عام، نتيجة عدم توفر المراكز المتخصصة لعلاج المرضى، إذ تخوض أُسر المصابين بالصرع معارك كبيرة وتحديات شاقة وهي تبحث عن الأدوية، لكن دون جدوى، حيث تفرض ندرتها وأاسعارها الخيالية مشقة مضنية للحصول عليها.
بالمقابل، يشير تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية والرابطة الدولية لمكافحة الصرع والمكتب الدولي المعني بداء الصرع، بالتعاون مع منظمات غير حكومية معنية بالمرض، إلى أن ثلاثة أرباع المصابين بالصرع في البلدان منخفضة الدخل مثل اليمن، لا يحصلون على ما يلزمهم من علاج، مما يزيد من احتمال وفاتهم مبكرًا، بينما يُحكَم على كثير من المصابين به، بالوصم طوال العمر.
وتنعكس الظروف الصعبة التي تمر بها اليمن، على العديد من الأُسَر في البلاد بفعل الحرب والصراع وتبعاته الوخيمة على القطاع الصحي، من صراعًٍا داخليًّا مستمرًّا منذ تسعة أعوام، حيث تسبب في تدهور البنية التحتية للقطاعات الصحية، وارتفاع أسعار الأدوية وندرتها في الأسواق، الأمر الذي يدفع بالكثير من العائلات المتضررة إلى طلب مساعدة المنظمات الإنسانية والمجتمع الدولي للتغلب على هذه التحديات، وتوفير الرعاية الصحية اللازمة لأفرادها المصابين بالأمراض مثل الصرع.
البحث عن العلاج
كثيرٌ من اليمنييون وجدوا انفسهمأنفسهم فجأاءة أمام تحديات صعبة عليهم التعامل معها ومواجهتها، كما هو حال ساكني المخيمات في مأرب، بعد أن شرّدتهم الحرب من منازلهم وحرمتهم من أدنى مقومات الحياة، حتى أصبح العثور على قرص علاج أشبه بمهمة مستحيلة.
محمد العوامي، شقيق الطفل فتح، المصاب بالصرع، يقول لـ"خيوط": "نواجه تحديات كبيرة إلى جانب صعوبة الوضع القاسي الذي نعيشه في مأرب، نستمر في البحث عن الأدوية من مستشفى إلى آخر، ومن مركز إلى مركز، ولم نحصل عليه إلا في النادر وبأسعار مضاعفة".
ويعاني مرضى الصرع في مأرب، واليمن بشكل عام، نتيجة عدم توفر المراكز المتخصصة لعلاج المرضى، إذ تخوض أُسر المصابين بالصرع معارك كبيرة وتحديات شاقة وهي تبحث عن الأدوية، لكن دون جدوى، حيث تفرض ندرتها وأاسعارها الخيالية مشقة مضنية للحصول عليها.
وتؤكّد تقارير طبية دولية أنّ 70% من المصابين بهذه الحالة المرَضية، يمكن أن يتعافوا من نوبات المرض، إذا ما أُتيحت لهم الأدوية، والتي لا يجب ألّان تكلف أكثر من 5 خمسة دولارات سنويًّا، ومن الممكن تزويد المصابين بها من خلال نظم الصحة الأولية.
أحلام مسلوبة
بينما تتراوح أحلام العديد من الأطفال البسيطة عند بين اللعب والضحك، يبحث عبدالعزيز جزيلان عن الدواء الذي يمكن أن يمنح اأبنته دلال الراحةَ والشفاء، يقول جزيلان في حديثه لـ"خيوط": "نزحنا في العام 2018، من محافظة حجة ("شمال غربي اليمن)" إلى محافظة مأرب ("شمال شرقي البلاد)،" ليسكن بناء بنا الحال في مخيم الجفينة، الوضع الذي جعل حالة اأبنتي تتدهور إلى الأسوأ منذ إأصابتها بمرض الصرع قبل أربعة سنوات"، مضيفًا: "نواجه صعوبةً كبيرة في البحث عن العلاج لابنتي؛ نتيجة قلة توفرها بالصيدليات بمدينة مأرب".
يواجه عبدالعزيز صعوبات وتحديات كبيرة في الحصول على الأدوية المناسبة لاأبنته دلال، يجوب المدينة بحثًا في الصيدليات التي قد تتوفر بها الأدوية، لكنه يعود خائبًا بعد أن فشل في الحصول عليها بالسعر الذي يتناسب مع وضعه المادي المتدهور.
يتابع حديثهة: "أشعر باليأس والقلق، فلا أستطيع توفير علاج اأبنتي، التي تزداد معاناتها وتتدهور صحتها أكثر وتدخل في شبه غيبوبة، لمدة 3 ثلاثة أيام أو خمسة5 أيام، أشعر بالعجز والحزن عندما أسمعها، وهي في هذيان نتيجة الألم الذي تشعر به ولم أاستطيع شراء علاجها لتتحسن صحتها“.".
بحسب منظمة الصحة العالمية، فإنّ الصرع مرضٌ مزمن غير سارٍ يصيب الدماغ، ويؤثر على نحو 50 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، ويتميز بنوبات متكررة، هي عبارة عن نوبات وجيزة من الحركات اللاإرادية التي قد تشمل جزءاًًا من الجسم (جزئية) أو الجسم كله (عامة)، ويصاحبها أحياناًًا فقدانُ الوعي والتحكمِ في وظائف الأمعاء أو المثانة.
وتنجم هذه النوبات عن فرط الشحنات الكهربائية التي تُطلقها مجموعة من خلايا الدماغ، وهي شحنات قد تنطلق من أجزاء مختلفة من الدماغ. وقد تتراوح النوبات بين غفلات الانتباه القصيرة الأمد للغاية ونفضات العضلات الخاطفة والاختلاجات الممتدة. كما أنّ النوبات قد تختلف من حيث مدى تواترها، من أقل من مرة واحدة في السنة إلى عدة مرات في اليوم.
ولا يعني حدوث نوبة واحدة أن الشخص مُصاب بالصرع (يُصاب 10% من الناس حول العالم بنوبة واحدة خلال حياتهم). ويُعرّف الصرع بأنه التعرض لنوبتين غير مبررتين أو أكثر، وهو من أولى الحالات الصحّية التي تعرف الإنسان عليها.
مراكز متخصصة
يعيش المرضى المصابون بالصرع بمحافظة مأرب، أاوضاعًا صحية صعبة لعدم حصولهم على الرعاية الصحية التي يحتاجونها، في حين يأملون أن تلتفت الحكومة والمنظمات الدولية لمعاناتهم في ظل انعدام الأدوية وصعوبة توفيرها.
مدير مكتب الصحة بمأرب، الدكتور أحمد العبادي، يقول لـ"خيوط": "نبحث في مكتب الصحة عن جهة تتكفل ببناء مصحة نفسية متخصصة بهذا النوع من الأمراض، مثل الصرع، بحيث نستطيع أن نوفر لها أطباء اأختصاصئيين ونوفر لها كافة المستلزمات، إضافة إلى احتياجات الجلسات الخاصة بهم، والأدوية الخاصة بهم على هذا الأساس، ونحن نسعى إلى ذلك"، مضيفًا: "نبحث حاليًّا عن جهة ممولة لبناء هذا المستشفى، هذا قد لا يؤدّي بالغرض المطلوب منّنا للناس، ولكن ذلك أدنى مستوى يجب علينا أن نقدمه".
وتسبّبت الصراع الدائر منذ العام 2015، في تدهور الأوضاع الاقتصادية في اليمن، وما نتج عن ذلك من أزمة حادّة شملت مختلف القطاعات، بما فيها القطاع الصحي، الأمر الذي أدّى إلى تفاقم الوضع الإنساني لآلاف المصابين بالأمراض المزمنة، فمنذ تسعة أعوام ومرضى الصرع في مدينة مأرب يعانون من تدهور حالاتهم الصحية، نتيجة شحة الأدوية، وافتقار المحافظة لمراكز متخصصة لعلاجهم.