يتطلع أمجد السعيدي، طالب ثانوية عامة، الحصول على تقدير امتياز، وهو الطالب المجتهد الذي لم يتنازل عن الترتيب الأول في جميع مراحله الدراسية السابقة ليحقّق بعد ذلك حلمه في دراسة إدارة الأعمال، إلّا أنّ اليأس تسلّل إلى نفسه بعد زيادة حالات تسرب المعلمين من المدرسة التي يدرس فيها؛ بسبب انقطاع المرتبات وانتقالهم إلى مدارس خاصة، ما عقّد الأمر أمام السعيدي كونه غير قادر على الالتحاق بمدارس خاصة أو بمعاهد التقوية التي أصبحت تصل تكلفتها فوق 20 ألف ريال يمني للمنهج الواحد.
ولذلك توجه للبحث عن وسيلة أخرى للتعلم وسد العجز الذي تركه المعلمون في المدارس الحكومية، حيث وجد في التعليم عبر وسائل التواصل ضالته، حيث بدأ بالتعلم من البيت عبر منصات ووسائل التواصل الاجتماعي التي اتخذها المعلمون منابرَ لتقديم دروسٍ مجانية للطلاب من مختلف المراحل، والتي يلجأ لها أمجد والكثير من زملائه لتدارك ما فاتهم فهمه في المدرسة، خاصة أنّه مضطر للعمل في أحد مراكز بيع المواد الغذائية، من الساعة الثامنة صباحًا حتى السابعة مساء لمساعدة أخيه في إعالة أسرتهم بعد فقدان أبيهم لعمله.
سدّ فراغ
رغم أنّه يعود منهكًا، مرهقًا، بعد عمله الشاق والمتواصل في البقالة إلّا أنّ أمجد يحمل حلمه -الذي لم تقتله الظروف- في قلبه، باحثًا عن أيّ فرصة تساعده على استيعاب المنهج الدراسي حتى يأتي موعد التقديم لامتحانات الثانوية العامة.
يقول السعيدي، في حديث لـ"خيوط": "توجّهت للتعليم الإلكتروني بسبب عدم تواجد المدرسين وتدهور التعليم بشكل كبير في المدارس الحكومية، بعد انتقال الكثير من المدرسين الأكفاء إلى مدارس خاصة، وارتفاع رسوم معاهد التقوية، وأجدها طريقة ناجعة لسد الفجوة التي تركتها الحرب".
توجّه المعلّمون للتعليم عبر منصات التواصل الاجتماعي نتيجة رواج تلك المنصات بين الطلاب وتسرب المعلمين الجيّدين من المدارس الحكومية إلى المدارس الخاصة، وانتشار التعليم عن بُعد، علاوة على تطور الوسائل الإلكترونية، وإمكانية تمثيل العمليات العلمية بالحاسوب.
من جهتها، تقول مريم فؤاد، طالبة ثانوية عامة، لـ"خيوط": "ينطبق على التعليم الإلكتروني ما ينطبق على التعليم المباشر، فهناك مدرِّسون لديهم القدرة على توصيل المعلومة بطريقة سهلة وقريبة من مستويات الطلاب جميعًا. في المقابل، هناك من ليست لديه هذه القدرة على التوصيل".
مضيفة: "التعليم المباشر له مميزات كثيرة؛ أهمها التفاعلية والسير في خطة زمنية محددة تساعدنا في استيعاب المنهج، لذلك لا يمكن مقارنته بالتعليم الإلكتروني؛ وبالتالي فإقبالنا على الأخير لم يكن إلا اضطرارًا".
فائدة مزدوجة
لم يستفد الطلاب فقط من الدروس المقدمة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بل استفاد المعلمون أيضًا، حيث قاموا -منذ انقطاع رواتبهم- بإنشاء قنوات على اليوتيوب وعلى وسائل أخرى للبحث عن مصدر دخل بديل.
في هذا الصدد، يقول أستاذ مادة الفيزياء في ثانوية جمال عبدالناصر، الأستاذ علي الحذيفي، لـ"خيوط": "توجّه المعلمون للتعليم عبر منصات التواصل الاجتماعي؛ نتيجة رواج تلك المنصات بين الطلاب وتسرب المعلمين الجيدين من المدارس الحكومية إلى المدارس الخاصة، وانتشار التعليم عن بُعد، علاوة على تطور الوسائل الإلكترونية، وإمكانية تمثيل العمليات العلمية بالحاسوب".
وحول كيفية تنظيم العملية التعليمية المقدمة عبر منصات التواصل الاجتماعي، يضيف الأستاذ الحذيفي: "يميل التعليم عبر منصات التواصل الاجتماعي إلى العشوائية، وعدم التنظيم، خاصة تلك القنوات العائدة ليمنيين، التي يلاحظ عليها السطحية وعدم الإلمام بتقنيات وطرق التنظيم، رغم بعض الاستثناءات القليلة، ومع ذلك يمكن للطلاب الذين يسعون نحو المعرفة والتعلم وتطوير أنفسهم، البحثُ عن المضامين الجيدة والمقدمة بأسلوب محترف".
استثناءات يمكن البناء عليها
من ضمن الاستثناءات التي تحرص على تقديم المناهج بطريقة منظمة، الإعلام التربوي، الذي يلعب دورًا إيجابيًّا خلال المرحلة الراهنة بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، حدَّ رأي مدير القناة التعليمية، عبدالرحمن فايع.
الذي تحدث لـ"خيوط"، قائلًا: "قامت وزارة التربية رغم إمكانياتها الشحيحة بتسجيل الدروس لمختلف المراحل والمناهج (تلفزيونيًّا، وإذاعيًّا وإلكترونيًّا) من خلال وسائلها الإعلامية المتاحة، وقامت بتفعيل الإدارات المعنية المتمثّلة بالإعلام التربوي عبر (القناة التعليمية واستوديوهات الإذاعة التعليمية، والإعلام الإلكتروني، وإدارة التعليم الإلكتروني التابع لقطاع المناهج عبر برنامج التعليم عن بُعد) الذي أعدّ المناهج بطرق تعليمية نوعية ونظّمها عبر شبكة إلكترونية ومواقع خاصة بالوزارة ضمّت كل ما يحتاج إليه الطالب والمعلم وكل مهتم بالعملية التعليمية".
ويضيف فايع: "قدّمت القناة التعليمية العديدَ من البرامج المتنوعة برؤية وإخراج مميز، مثل برنامج (المدرسة المفتوحة) الذي غطّى المناهج من الأول الأساسي حتى الثالث الثانوي، للمساعدة في دفع العملية التعليمية".
ساهمت القنوات والمنصات الإلكترونية التي تقدِّم محتوى تعليميًّا في تحسين مستويات بعض الطلاب، خاصة طلاب المراحل الوزارية، والتقليل من أضرار وتبعات الحرب على العملية التعليمية، وعلى الوضع المادي للأُسَر التي اضطرّ العديدُ منها إلى دفع أبنائها للالتحاق بسوق العمل لتوفير لقمة العيش تاركين مدارسهم أو في أحسن الأحوال التغيب عنها؛ وبالتالي ساهم التعليم الإلكتروني في خلق نوعٍ من التعويض والدعم للطلاب المتضرِّرين من تسرّب المعلمين وعجز الطلاب عن الالتحاق بدورات التقوية أو بالمدارس الخاصة.