ألقى الانقسام الحالي للعملة في اليمن، بأثره على مختلف الجوانب المعيشية للمواطنين، حتى طال تأثيره شراء الأضاحي، وكسوة العيد؛ نتيجة انقسام العملة المحلية وانهيارها أمام العملات الأجنبية.
ترصد "خيوط"، في هذا السياق، كيف أثّر الانقسام النقدي والمالي والفوارق في تداول العملة المحلية وسعر صرف الريال اليمني، في مختلف جوانب الحياة المعيشية لليمنيّين، والتي وصلت إلى الأضاحي وأسواق المواشي في أغلب المناطق والمحافظات، خصوصًا الواقعة في مناطق التماس بين الحكومة المعترف بها دوليًّا وجماعة أنصار الله (الحوثيين).
في هذا الصدد، يقول يوسف عبدالرحمن، مواطن من محافظة تعز، لـ"خيوط": "انقسام العملة المحلية قسم ظهري، وظهر كل المواطنين اليمنيين، إذ إنّ السعر المختلف للعملة في صنعاء وعدن، أدّى إلى اختلاف قيمتها أمام العملات الصعبة؛ ممّا أدّى إلى ارتفاع أسعار المواشي بشكلٍ غير طبيعي، خاصة في المناطق التابعة للحكومة المعترف بها دوليًّا".
ويتابع عبدالرحمن حديثه، قائلًا: "تلاعب الصرّافون بعمليات التحويل بين مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا، ومناطق سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، حيث يتم أخذ مبالغ خيالية مقابل عملية التحويل؛ الأمر الذي انعكس على أسعار المواشي وما تحتاجه من أعلاف".
تكاليف مضاعفة بسبب التداول النقدي
في السياق، يقول أحمد موسى، تاجر مواشٍ، لـ"خيوط"، إنّ أغلب التحديات والصعوبات التي يواجهها تجّار المواشي، تتمثّل في عملية نقلها بين المناطق اليمنية؛ بسبب تعدّد السلطات المسيطرة عليها ونقاطها العسكرية على امتداد الطرق والجبايات التي يتم تحصيلها، وكل جهة لديها نظام وطريقة تحصيل مختلفة عن الأخرى.
يشير تاجر آخر؛ محمد العمري، في مدينة عدن، لـ"خيوط"، إلى نقطة مهمة في هذا الجانب، تتمثل في اختلاف نظام تداول العملة المحلية وسعر الصرف وفوارق التحويلات بين المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا و"الحوثيين"، حيث إنّ التاجر بحاجة إلى تحويل العملة المحلية في المناطق الحكومية إلى عملة أجنبية، والذهاب إلى المناطق الشمالية أو مناطق التماس بين الطرفين التي يكون فيها سعر الصرف منخفضًا.
إضافة إلى ارتفاع تكاليف النقل ومتطلبات التغذية والاهتمام بالمواشي التي يتم استيرادها بالعملة الصعبة، ومشكلة النقاط العسكرية التي تفرض الجبايات على تجار المواشي على طول الطرق، وارتفاع تكاليف الوقود (المشتقات النفطية)، وغيرها من التحديات والمشاكل والصعوبات.
كما يؤكّد العمري أنّ أكبر الصعوبات التي تواجههم، هي التعامل مع الصرّافين نتيجة للفارق الكبير في أسعار الصرف بعمليات البيع والشراء، كذلك رفض الكثير من الصرّافين الأوراقَ النقدية بحُجّة قدم التاريخ المطبوع في العملة الأجنبية كالدولار، ما يجعل التاجر يلجأ إلى التعامل مع صرّاف واحد يضمن صرف كل المبلغ الذي لديه وإعادة العملة إلى نفس الصراف في حال واجه التاجر أيّ إشكاليات في تداولها والتعامل بها.
تأثير انقسام العملة المحلية
ومن المشاكل التي يواجهها تجار المواشي، ضعفُ الرغبة الشرائية لدى كثيرٍ من المواطنين، نتيجة تدهور الوضع المعيشيّ للمواطنين وانقطاع رواتب الموظفين المدنيّين، خصوصًا في العاصمة صنعاء.
المواطن عبدالقوي ناصر، من سكان مدينة الحديدة التي تعاني من مشكلة الانقسام بمختلف مستوياته لتعدد السيطرة عليها، يؤكّد لـ"خيوط"، أنّ الوضع المعيشي المتدهور أجبر الكثير من الأسَر على التركيز على توفير أهم الاحتياجات الغذائية الضرورية، والتي ليست من بينها الأضاحي، في حين يوضح المواطن بكيل جمال لـ"خيوط"، أنّ أكبر مشكلة يواجهها حيث يعمل في مدينة عدن العاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها دوليًّا، تتمثّل في تحويل مصاريف لأسرته في محافظة إب الخاضعة لسيطرة الحوثيين، كمصاريف شهرية أو لشراء بعض الاحتياجات الضرورية أو لشراء أضحية، إذ إنّ فارق التحويل الذي يصل إلى أكثر من 40% يستقطع النسبة الأكبر من المبلغ المحول، ولا يصل منه إلا مبلغ محدود للغاية لا يكفي لشيء.
من جانبها، تتحدث المواطنة سهير عبدالجبار، من سكان مدينة صنعاء، لـ"خيوط"، أنّ شراء الأضحية يتطلب مشاركة أكثر من أسرة، ولا تستطيع أسرة واحدة شراءها؛ بسبب ارتفاع أسعارها، وعدم المقدرة على شراء الأضاحي ومتطلبات العيد من مكسرات وكسوة، بسبب قلة الراتب في مناطق سيطرة الحوثيين.
وأغلب الصعوبات التي تواجه أسرة سهير، هي قلة الراتب الشهري الذي لا يكفي لشراء أضحية ومتطلبات الحياة بأكملها، وتعتمد سهير على شراء كيلو من اللحم أول أيام عيد الأضحى المبارك.
ويبلغ سعر الكيلو جرام من اللحم الغنمي نحو 6000 ريال، بينما يصل سعر الكيلو جرام البقري إلى 5000 ريال يمني، في العاصمة اليمنية صنعاء الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثيين.
لم تقتصر الأزمة الاقتصادية في معاناة المواطنين اليمنيين على الحصول على الأضاحي، بل طالت أيضًا تجار المواشي الذين يتعاملون مع العملات الصعبة في مختلف المحافظات اليمنية.
الباحث الاقتصادي، وفيق صالح، يؤكّد لـ"خيوط"، أنّ أسعار الأضاحي وغيرها من السلع الأخرى تأثّرت بشكلٍ كبير نتيجة الانقسام النقدي، ووجود قيمتين مختلفتين للعملة اليمنية، حيث أضحت التجارة البينية بين المحافظات تشوبها الكثير من المعوقات والصعوبات، وأصبح التجّار يعتمدون على العملات الأجنبية في عمليات التبادل التجاري، وهو ما يثقل كاهل المواطن ويجعله عاجزًا عن توفير احتياجاته الأساسية، ومنها الأضاحي التي يُقبل عليها اليمنيّون بكثافة خلال عيد الأضحى.
وبحسب صالح، فإنّ التعامل بالعملة الأجنبية ولجوء التجار إلى التسوق بواسطتها بين المحافظات اليمنية بفعل الانقسام النقدي، أدّى إلى صعوبة تسويقها، علاوة على ارتفاع الأسعار عالميًّا، كل هذه عوامل ساهمت في ارتفاع أسعار الأضاحي إلى هذه الدرجة القياسية.
تحديات وأسعار مضاعفة
بالمقابل، أصبح تجار المواشي يتعاملون بالعملة الأجنبية؛ الأمر الذي عقّد من عملية البيع والشراء، يقول تاجر المواشي في سوق المرباع القديم بشارع المغتربين في محافظة تعز، بسام عبدالله حسن، لـ"خيوط": "انقسام العملة أثّر علينا، إذ نضطر إلى شراء المواشي من راعي الأضاحي بسعر مرتفع جدًّا، هذا الارتفاع أدّى بدوره إلى زيادة سعر الأضاحي أمام المواطنين؛ ما تسبّب في عدم قدرتهم على شرائها".
مدير المسالخ بمحافظة تعز، حسين المقطري، يؤكّد لـ"خيوط" أنّ عدم وجود سعر موحد، وموازنة واحدة للدولة، بالإضافة إلى تعدد إدارات الاقتصاد الهش، وانقسام البنك، وتعدّد وزارات الصناعة والتجارة، كارثة بحد ذاتها، هذا التمزق الاقتصادي سبّب الكثير من المشاكل وجعل حصول العديد من المواطنين على أضحية ضربًا من الخيال".
الجدير بالذكر أنّ سعر الأضحية -الغنم البلدي- بحسب المقطري، يتراوح ما بين 250 إلى 300 ألف ريال يمني، أما أضاحي الغنم الخارجية -من الصومال- فيقدر بـ: 130 ألف ريال يمني.
تواضع المتطلبات
يعجز المواطنون اليمنيّون عن شراء أضاحي العيد، بسبب ارتفاع سعرها، وعدم استقرار أسعار صرف العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، إذ يقول المواطن عبدالرحمن علي، لـ"خيوط": "لا أستطيع شراء أضحية؛ الأمر الذي سيجبرني على منع أطفالي من الخروج يوم العيد حتى لا ينظرون للأضاحي ويشعرون بالنقص أو الحاجةن في ظل عجزي عن شرائها لهم".
عبدالرحمن، رب أسرة مكونة من زوجة وأربعة أولاد، راتبه لا يكاد يفي بالاحتياجات الأساسية لأسرته، بل إنّ ارتفاع الأسعار قهقر وضعه المعيشي لدرجة لا يتطلع معها لشراء أضحية.
ويلجأ كثير من المواطنين اليمنيين إلى الحصول على الأضاحي، من خلال الجمعيات والمنظمات الخيرية، أما بالنسبة للموظفين في مناطق الحكومة المعترف بها دوليًّا، فلا يعتمدون على رواتبهم لشراء الأضاحي؛ كون أسعارها تتجاوز رواتبهم لشهرين أو ثلاثة أشهر؛ وبالتالي فهم يلجؤون إلى شراء اللحوم بالكيلو جرام، حيث قد يصل سعر الكيلو الواحد إلى ما يقارب 12 ألف ريال يمني، ولحم الكيلو البقري يصل إلى 10 آلاف ريال يمني.
من جانبه، يقول مدير المسالخ بتعز، إنّ عدم قدرة المواطنين الشرائية ليس بسبب المشكل الاقتصادي العام للبلد، الذي كان للحرب الدائرة فيه دورٌ في مفاقمته وتدهوره، بل يعود أيضًا إلى توقف صرف مرتبات الموظفين في مناطق سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، وتأخرها أو تذبذب صرفها في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا، بالرغم من تدنيها، إذا تتراوح بين 50 إلى 100 دولار شهريًّا، إضافة إلى عدم توفر السيولة الكافية لتحريك السوق المحلية.
تنظيم الأسواق
لم تقتصر الأزمة الاقتصادية في معاناة المواطنين اليمنيين على الحصول على الأضاحي، بل طالت أيضًا تجار المواشي الذين يتعاملون مع العملات الصعبة في مختلف المحافظات اليمنية.
"غياب الدولة في دعم تجار المواشي، وتوفير العملات الأجنبية لهم، وارتفاع سعر الصرف بشكل مستمر، وعدم استقراره، إضافة إلى فارق قيمة العملة في مناطق سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين) ومناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا، جعل سوق المواشي غير مستقر"؛ يقول المقطري.
ويتابع: "كل التجار الذين يريدون استيراد المواشي، عليهم توفير العملات الصعبة، والتعامل مع صرّافي بنوك موثوقين لضمان تسديد مبالغ المواشي عند عمليات الاستيراد، إذ لا يتم قبول الاستيراد إلا عن طريق صرّافي بنوك محددة وموثوقة، ولديهم القدرة المالية على تسديد المبالغ بالدولار والسعودي، وهذه أيضًا من المشاكل التي يواجهها تجار المواشي."
يعيش تجار المواشي والمواطنين اليمنيين أزمة اقتصادية حقيقية، تتطلب مواجهتها من قبل السلطات المعنية للتخفيف من حدّتها، إضافة إلى ضرورة قيام الجهات المختصة كوزارة الصناعة والتجارة بإيجاد الحلول المناسبة للتحكم بالأسعار وتنظيم الأسواق.